عشرات -المواطنين يتجمعون بين مراكز توزيع المياه المؤقتة بقطاع غزة في مشهد بات يتكرر يوميًا للحصول على ما تيسر من مياه الشرب، وسط ظروف إنسانية متردية وانعدام شبه كامل للخدمات الأساسية.
ويعكس مشهد تزاحم الناس حول صهريج مياه الشرب حجم المعاناة في ظل دمار البنية التحتية وشح الموارد.
الرجال والنساء، الشيوخ والأطفال، جميعهم يقفون في طوابير طويلة حاملين عبوات بلاستيكية، بحثًا عن جرعة ماء تروي ظمأهم وتسد احتياجاتهم الأساسية.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، وطوابير المواطنين تتشكل أمام صهريج المياه المتنقل، بعضهم يحمل عبوات بلاستيكية، وآخرون يصطحبون أبناءهم للمساعدة في حمل الجالونات. ومع وصول سيارة المياه العذبة تعم حالة من الفوضى والتزاحم، وسط محاولات بعض المتطوعين لتنظيم التوزيع، وحل الأزمة المتفاقمة.
تتقدّم سيارة المياه وسط الزحام، فتبدأ الهمهمات والنداءات، ويتسابق الناس للاقتراب. بعضهم يصرخ، آخرون يتوسّلون، وبعضهم يفقد أعصابها، فيما يحاول المتطوعين تنظيم عملية توزيع المياه، لكنّ الجهد يفوق طاقتهم. الأصوات تتعالى، الأطفال يبكون، والغبار يرتفع في المكان.
قال المواطن عاطف سكر أحد النازحين في المكان بان مشكلة تعبئة المياه معاناة يومية مضنية ومجهدة ينالها النازحون ما ينالوا من التعب والانتظار لساعات تحت أشعة الشمس وبأمعاء شبه خاوية نتيجة التجويع الحاصلة في قطاع غزة.
وأضاف سكر: بانه يتم أخذ وقت طويل حتى تأتي شاحنة المياه ووقت طويل حتى تتم عملية التعبئة وبالكاد تكفي لمدة ٢٤ ساعة في انتظار المرة القادمة.
وأشار سكر إلى أن المياه شحيحة ومحطات المياه قليلة في ظل استهداف معظم محطات وآبار المياه خاصة في المناطق الحمراء.
ولفت الى وجود مشاكل خانقة متعمدة في الحصول على أبسط متطلبات الحياة وخاصة المياه سواء الصالحة للشرب أو للاستخدامات البيتية الأخرى
واكد سكر على معاناة الناس المكلومين الذين لا حول لهم ولا قوة ولا بيوت تأويهم فمعظم سكان القطاع نازحون في خيم ولا يجدوا ما يسد رمقهم من مياه وطعام.
كما يؤكد بان طابور المياه من أصعب حلقات المعاناة والألم والحسرة والجوع والعطش المتكرر يومياً وهو أكثر ما يدمي القلب ويبكيه هو الأطفال الذين من المفترض أنهم يجلسون على مقاعد الدراسة ولكن مع الأسف منذ حوالي عامين تركوا مجبرين حقيبة الكتب وحملوا جالونات وقارورات المياه ليجلبوا لخيمتهم بعض المياه أو بعض الحطب والورق والبلاستيك من أجل طبخ ما أمكنهم تدبيره في ظل المجاعة القاسية.
الطابور لم يخلُ من مشاهد مؤثرة: طفل صغير يجر عبوة مياه أكبر من حجمه، امرأة تحمل رضيعها بإحدى يديها وتسحب عبوة باليد الأخرى، ورجل مسن جلس على حافة الرصيف بعد أن أعياه الانتظار. الوجوه شاحبة، والعيون متعبة، والأمل معلّق في كل مرة تصل فيها شاحنة جديدة.
فان المرأة التي تحمل رضيعها بيد، وتجرّ عبوة ماء بالأخرى، تجسد قمة الألم؛ والرجل العجوز الذي جلس على الرصيف لأنه لم يعد يحتمل الوقوف، يروي حكاية وجع بصمته. ورغم كل هذه المعاناة، يبقى الأمل معلقًا بأن تعبهم لن يذهب سدى، وأنهم سيحصلون على ما يكفي ليومٍ أو اثنين فقط.
يقول المواطن محمد : نقف هنا منذ أكثر من ساعتين، والماء لا يكفي للجميع. نحاول أن نحصل على ما يكفينا ليوم أو اثنين فقط، فالوضع لا يُحتمل، ولا أحد يسأل عنا." وينوه بان هذه ليست حياة. لا كهرباء، لا ماء، لا أمان. نحن نموت ببطء."
في ظل استمرار الحصار الخانق، وتدمير كبير للبنية التحتية، وانقطاع الكهرباء والمياه لفترات طويلة، ما يجعل الحصول على مياه صالحة للشرب تحديًا يوميًا يواجهه الغزيون، خاصة النازحين في الخيام أو المدارس.
لا منظمات محلية ودولية حذّرت من كارثة صحية وإنسانية إذا استمر هذا الوضع، حيث أصبحت المياه النظيفة نادرة، والاعتماد الأكبر على مساعدات غير منتظمة أو كميات ضئيلة لا تكفي للاحتياجات الأساسية.
هذه ليست حالة طارئة، بل واقع يومي يعيشه آلاف العائلات في قطاع غزة، حيث تقطعت السبل، وانعدمت أبسط مقومات الحياة. مشهد الطوابير على الماء يكشف حجم الكارثة الإنسانية، والغياب التام لأي حلول عادلة أو دائمة. هو اختصار مؤلم لحصارٍ طويل، وظلمٍ مستمر، وتخاذل عالمي مخزٍ.
وفي ذات السياق قال المواطن حلمي الغول بان صورة ومشهد المواطنين امام صهريج المياه يصرخ وجعًا دون أن تبدأ تعبئة المياه فالناس المتزاحمين حول صهريج المياه ليس مشهدًا عابرًا، بل شهادة على عطشٍ جماعي في زمن تُقتل فيه إنسانيتنا قبل أن يُقتل جسدنا.
وتساءل الغول هل كنا نحلم أن نقف يومًا في طابور لنملأ جالون ماء؟
هل كنا نتخيّل أن يتحوّل الماء – أبسط حقوق الإنسان – إلى حلم نركض خلفه، ونتدافع من أجله؟
ولفت الغول بان هذا ليس فقط مشهدًا لنقص الخدمات، بل مشهد لانهيار الكرامة، حين يُترك الإنسان يبحث عن قطرة ماء تحت شمس القهر، ويُزاحم عشرات غيره على ما تبقى من الحياة.
وهنا نقف مذهولين لكي نقول للعالم اجمع، ماذا عن وطن بلا حدود للجوع والعطش؟
ماذا عن طفولة تنمو على صوت القصف وهدير الطائرات وصرخات العطشى؟
هذه الصورة ليست عن الماء فقط، ماذا عن وطن يُصارع للبقاء. عن كرامة تنكمش في الزوايا، تنتظر شربة ماء، عن شعب يُقاتل بالصبر كل يوم ليعيش يومًا آخر.
فلنرفعها للعالم، ليعرف أن الكارثة ليست فقط قصفًا، بل أيضًا عطشًا، وجوعًا، ووجعًا يفيض من كل زقاق.
هكذا، تحوّل مشهد الحصول على الماء في غزة إلى مرآة تعكس وجعًا مستمرًا، وحياة تقف على حافة العطش، في ظل صمت عالمي وتقصير متواصل في تحمل المسؤولية تجاه ما يحدث في هذا الجزء المحاصر من العالم.
وهنا نرى عشرات المواطنين مصطفّين في طابور طويل تحت أشعة الشمس الحارقة، يحملون بأيديهم عبوات وجالونات فارغة، بانتظار وصول دورهم للحصول على كمية قليلة من مياه الشرب. المشهد يبدو فوضويًا، لكنه منظم بحكم الضرورة، فكل فرد هنا يعلم أن كل دقيقة تأخير قد تعني العودة إلى الخيمة أو البيت خالي الوفاض.
وفي ذات الوقت اكد المواطن سفيان صيام بان اليوم مصادر المياه شحيحة جدا تعتمد على مشاريع صغيرة بأسعار مرتفعة جدا لا يستطيع المواطن دفعها وكذلك سعر الجالون اضعاف سعره الطبيعي، والمصدر الثاني هو سيارات المبادرين واللي غالبية الناس ما تأخذ حاجتها من المياه من خلالها وطبعا بصير حالات تكدس وازدحام شديد واحيانا بتوقف بالشمس لفترة طويلة ومرات كثيرة ما بوصلك الدور وبروح بدون ما تعبي مياه .
الوجوه متجهّمة، والعيون تراقب كل حركة قرب صهريج المياه، وكأنها تراقب مصيرها. هناك من اصطحب أطفاله ليساعدوه في حمل الجالونات الثقيلة، وهناك من ترك عمله أو راحته ليقف في هذا الطابور المرهق. الماء هنا ليس مجرد حاجة يومية، بل هو كنز ثمين، وغنيمة لا يحصل عليها الجميع.
تزاحم الناس حول صهريج مياه الشرب كمشهد يومي يعكس حجم المعاناة في ظل الحصار وشح الموارد. الرجال والنساء، الشيوخ والأطفال، جميعهم يقفون في طوابير طويلة حاملين عبوات بلاستيكية، بحثًا عن جرعة ماء تروي ظمأهم وتسد احتياجهم الأساسي.
هذا الزحام ليس مجرد طابور انتظار، بل هو صراع من أجل البقاء، عنوانه العطش وواقعه الذل والحرمان. وجوهٌ متعبة، وأجساد أرهقها الانتظار، وقلوب تخشى أن تنفد المياه قبل أن يصل دورهم. إنها مأساة إنسانية تختصرها لحظة واحدة أمام خزان ماء، تُظهر مدى انحدار الظروف المعيشية وصعوبة الوصول لأبسط الحقوق.
وهنا لا حديث عن الرفاهية، بل عن الكرامة المسلوبة، وعن العدالة الغائبة، وعن عالم يتفرج بينما يركض هؤلاء وراء قطرة حياة.
