غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الغارديان: "إسرائيل" تستهدف صحفيي غزة لإخفاء الحقيقة

شمس نيوز - وكالات

أبرزت صحيفة الغارديان البريطانية أنه بينما أذهلت مشاهد المجازر في غزة العالم، اختارت دولة الاحتلال الإسرائيلي أن ترافق جرائمها بحملة موازية تستهدف الصحفيين الفلسطينيين الذين نقلوا للعالم صور المذبحة.

ونبهت الصحيفة إلى أن اللافت أن الرد الإسرائيلي على الانتقادات الدولية لم يأتِ بتبرير قانوني أو اعتذار، بل بسيل من المزاعم التي تفتقر إلى المصداقية، من قبيل اتهام بعض الصحفيين بأنهم "مسلحون" أو "عملاء للمقاومة".

وأكدت الصحيفة أن هذه المزاعم، التي وُصفت في كثير من الأحيان بأنها غير معقولة ومثيرة للسخرية، تخفي خلفها استراتيجية ممنهجة لطمس الرواية الفلسطينية عبر استهداف من ينقلها.

رغم القصف والحصار وغياب أبسط مقومات الحياة، قدّم الصحفيون في غزة صورة استثنائية عن الصحافة المهنية. طلاقتهم اللغوية، وضوح خطابهم، ووقوفهم الواثق أمام الكاميرا، جعلتهم بمثابة شهود حيّة على مأساة مستمرة.

لقد تمكنوا من التقاط تفاصيل الألم والدمار يومًا بعد يوم، بلغة عربية صحفية أقرب إلى الفن، في وقت كان فيه الحفاظ على رباطة الجأش مهمة تكاد تكون مستحيلة.

حتى رسائلهم الأخيرة – مثل نص أنس الشريف – تحولت إلى وثائق تاريخية تعكس ليس فقط المأساة الإنسانية، بل أيضًا عمق التعبير وقدرته على تصوير الاختناق الجسدي والمعنوي لشعب محاصر.

المأساة أن الصحافة في غزة باتت مهنة تقود إلى الموت المحقق. فالصحفيون الذين واصلوا عملهم، فعلوا ذلك رغم علمهم بالخطر الداهم. أنس الشريف، الذي تلقى تهديدات متكررة من المخابرات الإسرائيلية، اختار البقاء. ثم دفع الثمن حين استُهدف والده في غارة جوية.

كذلك، حين تولى رامي الغول مهمة خلفًا للصحفي الدحدوح، نُصح بأن "المهمة خطيرة"، وأن انسحابه لن يكون مدعاة لوم. لكنه رفض الانصياع، فكان مصيره الاغتيال في غارة استهدفته بشكل مباشر.

هذه القصص تجسد أن الصحافة في غزة لم تكن مجرد عمل مهني، بل واجب أخلاقي ورسالة وطنية لا تُساوم على الحقيقة.

من خلال عمليات القتل والاستهداف الممنهج للصحفيين، تسعى دولة الاحتلال إلى ما هو أبعد من إسكات الأصوات الفردية. الهدف هو إلغاء صورة الفلسطيني التي ينقلها الصحفيون للعالم.

فالمجازر التي تُوثَّق يوميًا بالصوت والصورة تُعرّي الاحتلال أمام الرأي العام الدولي، وهو ما تحاول دولة الاحتلال مقاومته بوسائل دموية.

وبغياب الصحفيين المستقلين، يصبح من السهل على دولة الاحتلال تسويق مزاعمها: أن غزة "مليئة بالمسلحين"، وأن استهداف المدنيين "ضرر جانبي"، وأن الحصار "ضرورة أمنية".

"خلية إضفاء الشرعية".. ماكينة الأكاذيب

كشف تحقيق أجرته مجلة +972 وموقع لوكال كول عن وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي تحمل اسم "خلية إضفاء الشرعية". مهمتها، وفق التقرير، هي تلفيق روايات عن الصحفيين في غزة عبر تصويرهم كعملاء سريين للمقاومة، لتبرير استهدافهم أمام العالم.

وقد أكدت مصادر التحقيق أن هذه الخلية "مدفوعة بالغضب من أن الصحفيين في غزة يشوهون صورة إسرائيل عالميًا"، ما يفضح أن الأمر ليس صدفة بل سياسة عسكرية ممنهجة.

لكن الخطر بحسب ما أكدت الغارديان لا يأتي من دولة الاحتلال وحدها، بل أيضًا من تواطؤ الإعلام الغربي الذي يكرس ازدواجية فجة في المعايير.

فعندما تعلن وزارة الصحة في غزة عن أعداد الشهداء، تُوضع هذه الأرقام دومًا بين قوسين باعتبارها صادرة عن "جهة تديرها حركة حماس". لكن عندما يُعلن الجيش الإسرائيلي ادعاءات غير مدعومة، تُنقل بلا تشكيك ولا تدقيق.

هذا الانحياز لا يقتصر على الأرقام، بل يمتد إلى السردية نفسها: فالإعلام الغربي يتجنب وصف نتنياهو بـ "المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية"، في حين يتم التشكيك المتكرر في كل كلمة ينطقها صحفي فلسطيني.

النتيجة: إقصاء الصحفيين الغزيين من جسد الصحافة العالمية، ودفن روايتهم معهم عند استشهادهم.

ما تقوم به دولة الاحتلال هو خداع منظم يهدف إلى نزع الثقة عن أي رواية فلسطينية. تُتهم حماس بسرقة المساعدات لتبرير التجويع، ثم يتضح أن مصادر من الجيش الإسرائيلي نفسه تناقض هذه المزاعم.

يُقال إن الفلسطينيين يُستهدفون لأنهم "تقدموا بشكل مريب"، بينما الرصاصات التي قتلتهم تحمل بصمات الإعدام الميداني. يُتهم الصحفي بأنه "مقاتل"، فتُقتل المصداقية قبل أن يُقتل صاحبها.

بهذا، يتحول الغموض إلى أداة: فحتى لو تعذر التحقق من الأكاذيب، يتم تمريرها باعتبارها "محتملة"، وهو ما يكفي لإفراغ الحقيقة من مضمونها.

رغم كل ذلك، يواصل الصحفيون في غزة مهمتهم. يرتدون سترات واقية كتب عليها "صحافة"، لكنها تتحول في نظر إسرائيل إلى علامة استهداف. يخرجون إلى الشوارع المدمرة، يلتقطون الصور ويسجلون الكلمات، ويدركون أن كل بث مباشر قد يكون آخر ظهور لهم.

إن ما يميز هؤلاء الصحفيين ليس فقط شجاعتهم الفردية، بل إصرارهم الجماعي على أن تظل غزة مرئية للعالم، وأن تظل المأساة الفلسطينية موثقة، مهما حاول الاحتلال أن يطمسها.

وفي ساحات غزة، تواجه الصحافة أحلك ساعاتها، لكنها في الوقت ذاته تعيش أنبل تجلياتها. فبينما يسعى الاحتلال إلى قتل الحقيقة بقتل من ينقلها، يظل هناك دائمًا من يحمل الكاميرا ويكتب الكلمة الأخيرة.

إن معركة دولة الاحتلال ليست فقط عسكرية ضد غزة، بل هي أيضًا معركة على السردية. لكن طالما بقي هناك صحفيون فلسطينيون يكتبون بدمهم وصوتهم، ستبقى الحقيقة أقوى من الأكاذيب، وسيبقى العالم، مهما حُجب عنه، يسمع صدى أصواتهم المبحوحة: "نحن هنا، ونشهد".