تقرير - جمال محمد
عندما أعلن رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بيع حصته في أول شركة اتصالات موبايل مصرية (موبينيل) لرئيس شركة أورانج الفرنسية للاتصالات الموجودة في السوق الإسرائيلية، أثيرت أزمة كبيرة في مصر؛ بسبب اتهامات سابقة لشركة موبينيل بالتجسس -من خلال عاملين بها- لصالح إسرائيل، وانتشرت حملة مقاطعة ضخمة، عززها قول القيادي الناصري والمرشح الرئاسي السابق “حمدين صباحي” عبر موقع “تويتر” إن “شركة أورانج، المالكة لموبينيل، تدعم وحدتين عسكريتين في إسرائيل عبر شركة بارتنر للاتصالات هناك“.
وجاء إعلان رئيس أورانج (موبينيل)، ستيفان ريشار، أنه “سينسحب من اتفاقية مع شركة بارتنر كوميونيكيشنز الإسرائيلية، وبالتالي تقاطع (أورانج) الفرنسية إسرائيل؛ ليهدئ الحملة المصرية والعربية للمقاطعة نسبيًا، ولكن عودة (ريشار) عن تصريحاته ضد إسرائيل وقوله (أنا بحب إسرائيل) ونفيه الانسحاب من السوق الإسرائيلية ليفتح الملف في مصر مرة أخرى، ويجدد المخاوف وسط تساؤل: هل تواجد (أورانج) في إسرائيل ومصر سيكون تطبيعًا أم خرقًا للأمن القومي؟“.
موبينيل سهلت تجسس إسرائيل على مصر
لم يقتصر الأمر على اتهام صباحي لشركة أورانج بالاستثمار في وحدتين عسكريتين إسرائيليتين، رغم نفي الشركة التي باتت تستحوذ على 99% من أسهم موبينيل، وقول رئيسها إنه “لا علاقة لها بإسرائيل”؛ ففي 23 أغسطس 2011، كشفت تحقيقات النيابة في قضية جاسوس إسرائيلي مرتبط بشركة موبينيل أن “محطات التقوية للشرطة التي أنشئت بالقرب من إسرائيل ساهمت بقوة في إيصال ترددات الاتصالات المصرية والتقاطها عن طريق إسرائيل؛ مما سهل عمل شبكة التجسس في متابعة الاتصالات الدولية والتجسس على شبكات المحمول المصرية واختراق الأمن القومي“.
وأشارت النيابة في تحقيقاتها، التي نشرتها الصحف المصرية حينئذ، إلى أن “بعض محطات التقوية للشبكة موجهة بزاوية 75 درجة داخل الحدود المصرية باتجاه منطقة صحراوية خالية من السكان، وأن تلك الجهة تجعل إشارة الاتصالات المصرية تدخل إسرائيل بنسبة محدودة بنسبة 10 كليومترات داخل إسرائيل“.
وأضافت النيابة أن “توجيه معظم الهوائيات الخاصة بشركة موبينيل في منطقة العوجة في جهة الجانب الإسرائيلي يسمح بإمكانية اختراق الشبكة المصرية وتمرير المكالمات الدولية؛ مما يؤدي لاختراق محتمل للشبكة المصرية”.
وكان “الاتحاد العالمي لحقوق الإنسان”، منظمة غير حكومية مقرها باريس، قد أصدر بيانًا قال فيه إن شركة “بارتنر” تقوم بإنشاء بنية تحتية على أراض صادرتها السلطات الإسرائيلية من فلسطينيين، وإنها تقدم خدمات للجيش الإسرائيلي والمستوطنين.
أيضًا، قال ناشطون إن شركة الاتصالات (أورانج) تمارس نشاطًا في المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما دعت منظمات شعبية تطالب بمقاطعة إسرائيل وعدم الاستثمار فيها شركة “أورانج” بدورها لإنهاء علاقاتها مع شركة “بارتنر” الإسرائيلية.
وخلال مؤتمر صحفي، وجه إليه أحد الحاضرين سؤالًا حول رده على اتهامات حمدين صباحي للشركة وعلاقتها بإسرائيل، فأجاب رئيس أورانج: “إن وجود العلامة التجارية للشركة في إسرائيل هو أمر حساس بالنسبة للشركة في مصر وإسرائيل أيضًا، ولكنه يرجع إلى عام 1998، حين تم إبرام اتفاق مع شركة بارتنر كوميونيكشن في إسرائيل بشأن رخصة استخدام العلامة التجارية (أورانج) من شركة هاتشيسون، قبل استحواذ فرانس تليكوم على مجموعة أورانج”.
وتابع: “الشركة التي تستخدم العلامة التجارية في إسرائيل ليست لها علاقة بشركة (أورانج) سوى استخدام العلامة التجارية فقط، وليس لها حق التصويت أو أي أمور مالية بشأن عمليات أورانج الفرنسية“.
وأعلنت شركة أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا (موبينيل) في فبراير الماضي عن توصلها إلى اتفاق لبيع حصتها في موبينيل المصرية إلى شركة أورانج الفرنسية، في صفقة قيمتها حوالي 209.6 ملايين يورو، وأن الصفقة تتضمن بيع أسهمها البالغة 5% في موبينيل وحقوق التصويت في شركة “إم.تي تيليكوم” التي تبلغ 28.75%، لافتة إلى أن ذلك يفضي إلى سحب مجمل استثماراتها المباشرة وغير المباشرة في موبينيل.
حملة مقاطعة إسرائيل و”موبينيل”
وكانت “الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل” التي بدأت نشاطاتها بإعلان مقاطعة شركة “موبينيل” لأنها باعت أسهمها لشركة “أورانج” الفرنسية، العاملة في المجال نفسه بإسرائيل، والتقى فيها ممثلون عن شركة “موبينيل” ممثلي الحملة، في سياق فهم الأزمة، ومحاولة تبرير عملية البيع وعدم العلاقة بين فرعها في إسرائيل وفرع مصر الجديد.
وأصدرت الحملة تقريرًا عن “انتهاكات شركة أورانج في الأراضي المحتلة” قالت فيه إن التعاون بين “فرانس تيليكوم” -التي تمتلك منها الحكومة الفرنسية حصة 25%- وشركة “بارتنر كومينيكيشن” الإسرائيلية بدأ عام 1998؛ لبدء استخدام علامة “أورانج” للاتصالات.
وأردف التقرير أنه منذ هذا التاريخ بدأت سلسلة من الانتهاكات التي تورطت فيها “أورانج” مع العمليات العسكرية لجيش الاحتلال، ومنها بناء 165 برجًا للاتصالات في أراضي حدود 67 في الضفة الغربية وهضبة الجولان المحتلتين، وبناء أبراج أخرى في المستوطنات الإسرائيلية، بالاستفادة من منع الاحتلال للشركات الفلسطينية الاستثمار في هذه الأراضي المُصادرة. بالإضافة إلى تقديم شركة أورانج “خدمات مجانية لجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين شاركوا في العدوان على غزة حتى يكونوا على اتصال مستمر مع أهلهم؛ حيث تواجدت على حدود غزة بشكل يومي ثلاث وحدات تابعة للشركة، كل وحدة تحوي مولدات كهربائية وشواحن كهربائية مختلفة ومئات من البطاريات المشحونة، كما كانت تحضر لهم مع هذه الوحدات الكعك والفواكه“.
وأضافت الحملة في تقريرها: “كتبت الشركة عبر صفحتها الرسمية على الفيس بوك أنه حِرصًا منها على تقليل التوتر بين عائلات الجنود الذين لا يمكنهم استخدام أجهزتهم المحمولة أثناء الحرب لأسباب أمنية، قامت بعمل بطاقات بريدية بالتعاون مع (الرابطة من أجل الجنود)، و(بريد إسرائيل)، وتحمل هذه البطاقات اسم (سلامًا من الميدان) وكانت توزع على الجنود كل صباح وترسل إلى العائلات عن طريق بريد إسرائيل”.
وأضافت الشركة أيضًا على صفحتها أنها ستعيد المبلغ الشهري في الفاتورة لهؤلاء الجنود بعد عودتهم، وزودت لهم حجم التصفح كهدية ليصل إلى 10 جيجابايت، وتمنت لهم العودة سريعًا إلى حياتهم الطبيعية بسلام (…). وكان موظفو الشركة يقومون بجولات في المستشفيات لزيارة الجنود المصابين وتوزيع أجهزة كمبيوتر عليهم بالمجان؛ للتخفيف عنهم، وتسليتهم أثناء فترة علاجهم (…)، كما تقوم شركة أورانج بدعم وحدتين لجيش الاحتلال ضمن مشروع أُسسَ لتهيئة جندي جيش الاحتلال التابع لجمعية (الرفاهية لجنود إسرائيل)، إحدى الوحدتين تدعى (إيزوز) وهي وحدة دبابات وناقلات جنود، ودُعِمَت من الشركة منذ عام 2005، والوحدة الأخرى تدعى (شاتشار) وهي وحده استخباراتية، ودُعِمَت منذ عام 2008″.
الأهم من هذا، أن الحملة طرحت عدت تساؤلات عن سر اختيار “موبينيل” بالذات، رغم وجود شركات أخرى مصرية تتعامل مع إسرائيل ضمن اتفاقات دولية.
وفي هذا الصدد، يقول الناشط السياسي رامي شعث، أحد مؤسسي الحملة، إن اختيار “موبينيل” عاد إلى ثلاثة أسباب أساسية: أولًا، أن حجم الانتهاكات للقانون الدولي ولحقوق الإنسان المتورطة فيها هذه الشركة في الأراضي المحتلة جاء أكبر من أي طرف آخر. وثانيًا، أن مقاطعة شركة اتصالات هي حملة لتمكين المواطن المصري المشاركة في الحراك دون التعرض لمخاطر التظاهر السائدة هذه الأيام. وأخيرًا، لأن أسلوب الحملة يرمي لطرح وسائل عمل مختلفة عن تلك التي اتبعتها حركات المقاطعة السابقة، والتي كانت تصدر قوائم طويلة بالبضائع، ومتعارضة أيضًا، فيما قال آخرون إن السبب هو ما تردد سابقًا عن علاقة تجسس لبعض العاملين فيها مع إسرائيل.
وسبق هذا مطالبة خمس منظمات غير حكومية فرنسية ونقابتين، بينها “سي سي إف دي أرض متضامنة”، وجمعية فرنسا فلسطين تضامن، ونقابة “سي جي تي”، في نهاية مايو، من أورانج “التعبير علنًا عن رغبتها في فك ارتباطها والتنديد بما ترتكبه بارتنر من انتهاكات لحقوق الإنسان”.
وقالت هذه المنظمات -في تقرير- إن الشركة الإسرائيلية، ومن خلال ممارستها أنشطة اقتصادية “في المستوطنات الاسرائيلية؛ تساهم في استمراريتها الاقتصادية، وبقائها، وتساعد بذلك في إدامة وضع يعتبره المجتمع الدولي غير قانوني”.
أزمة “Orange” في إسرائيل
وبدأت أزمة “Orange” في إسرائيل لاحقًا بعد مصر، عندما أعلنت مجموعة “أورانج” الفرنسية للاتصالات رغبتها في إنهاء تعاونها مع شركة “بارتنر” الإسرائيلية للاتصالات، متأثرة على ما يبدو بحملة المقاطعة، ولكنها قوبلت بتهديدات إسرائيلية وعقوبات أمريكية؛ ما جعلها تتراجع، في ظل عدم فاعلية المقاطعة العربية لها.
فقد قام موظفو شركة “أورانج” في إسرائيل بخطوة احتجاج خاصة بهم وغطوا شعار الشركة في المقر الرئيس بالعلم الإسرائيلي، بعدما قالت الشركة في بيانها إن “الهدف الأول لمجموعة (أورانج) هو الدفاع عن ماركتها والحفاظ على قوتها في كل الأسواق التي تتواجد فيها، وهي ليست لديها أي نية للدخول بأي شكل من الأشكال في أي نقاش سياسي”.
وكان مدير شركة Orange العالمية، ستيفان ريشار، قد صرح خلال زيارة في القاهرة أنه كان يُود لو يفسخ العقد مع الشركة التي تتبنى شعار أورانج في إسرائيل “غدًا” لو كان قادرًا على ذلك، لو لم تكن تداعيات ذلك هي دفع غرامات كبيرة. وجاءت هذه التصريحات خلافًا لأقوال سابقة قالها “ريشار”، الذي قال -في زيارة لإسرائيل (عام 2012) في إطار “مؤتمر الرئيس”- إن “هذه أول زيارة لي في إسرائيل، وعلي القول إنني أكتشف هذا الواقع بحماسة كبيرة، أنا مسحور بما أراه“.
وردت الشركة الإسرائيلية بأن أقوال “ريشار” جاءت بسبب ضغط من جهات داعمة للفلسطينيين وهو قد انصاع لها، إثر دعوة عدة جهات في فرنسا شركة “أورانج” إلى قطع علاقاتها مع شركة “بارتنر” الإسرائيلية للهواتف الخلوية بسبب نشاطاتها في المستوطنات في الضفة الغربية.
ثم بعثت الحكومة الإسرائيلية رسالة حادة اللهجة للحكومة الفرنسية بسبب هذا الموضوع، وتقدم السفير الإسرائيلي في باريس برسالة احتجاج حادة إلى مسؤولين في قصر الإليزيه وإلى وزارتي الخارجية والاقتصاد الفرنسيتين.
وأعقب هذا تصريح وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أن فرنسا “تعارض بحزم مقاطعة إسرائيل“. وقال فابيوس -في بيان- إنه “إذا كان يعود لرئيس مجموعة أورانج أن يحدد الاستراتيجية التجارية لشركته، فإن فرنسا تعارض بحزم مقاطعة إسرائيل”.
تراجع لصالح إسرائيل
ولكن، لاحقًا، تراجع “ستيفان ريشار” وقال لوكالة الأنباء الفرنسية إنه يشعر بالأسى بسبب المشاكل التي أثارها تصريحه قبل أيام بأن الشركة ستنسحب من الشراكة مع ثاني أكبر شركات الاتصالات الإسرائيلية، وأضاف: “لقد دخلت أورانج السوق الإسرائيلية لتبقى“.
كما نشرت صحيفة “يدعوت أحرونوت” الإسرائيلية تصريحًا لريشار قال فيه: “نحن نحب إسرائيل”؛ ما قد يفتح باب الجدل والهجوم على الشركة مرة أخرى في مصر ويفعل حملات المقاطعة، خصوصًا أن أحد الأسباب المحتملة لبيع “ساويرس” الشركة إلى “أورانج” هو حملات المقاطعة المستمرة لشركته في مصر، خصوصًا من التيار الإسلامي، والتي كان أبرزها اعترافه بخسارة 100 ألف مشترك عام 2011، عقب نشره صورة للشخصيات الكارتونية (ميكي ماوس وميمي) وهما باللحية والنقاب عبر حسابه على تويتر؛ ما اعتبر “إساءة للمسلمين” اضطره للاعتذار عنه ست مرات.