من قلب الألم، ينهض الأمل، ومن أيادٍ مبدعة تنطلق الحكاية، في "بازار أطفالنا للمنتجات الحرفية والتراثية الفلسطينية"، لم تكن المعروضات مجرد قطع فنية تُشاهد، بل حكايات حيَّة تنسجها خيوط الصوف، وألوان الخشب، وغرز التطريز، في مشاهد تجسد حالة صبر وصمود شعب كاملٍ.
وافتتحت جمعية أطفالنا للصم بازارها التراثي للمنتجات الحرفية الفلسطينية، تحت شعار "نحيي الأمل بأيدي الأشخاص ذوي الإعاقة"، بمشاركة واسعة من المبدعين الذين جسّدوا بصبرهم وإصرارهم روح التراث الفلسطيني الذي يعيش في الذاكرة ويكبر مع الأجيال.
شارك في البازار عشرات المبدعين من الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين أثبتوا أن الإرادة أكبر من كل التحديات، وأن الموهبة لا تُقاس بالجسد، بل بروح لا تعرف الانكسار.
وضعوا أمام الزوار منتجات تحمل روح التراث الفلسطيني، مطرّزة بالشغف ومحفورة بالهوية، من مشغولات خشبية، وأعمال تطريز، ومنتجات يدوية تُحيي الذاكرة وتنقلها إلى الأجيال.
أم محمد – حرفية من ذوي الإعاقة تجلس وهي سيدة من ذوي الإعاقة الحركية، خلف طاولة امتلأت بقطع تطريز تأسر الأنظار بألوانها الدقيقة.
بابتسامة واسعة تقول: "هذا البازار بالنسبة لب مش مجرد مشاركة هو نافذتي للحياة، مرّيت بظروف صعبة جدًا، لكن التطريز ظل رفيقي.
وتضيف عندما أبد غرز الإبرة في قطعة القماش أشعر بفرحة كبيرة، كأنني تمكنت من فعل شيء مفيد وجميل رغم الوجع والألم.
وتابعت: "أشارك في هذه الفعالية لأثبت للعالم أجمع أن الإعاقة ليست ضعفا ولن تمنعنا من التفوق وتحقيق الحلم والطموح، بل تجعلني أكثر قوة واصرار لتحدي الإعاقة".
هكذا يثبت أطفالنا وأصحاب الهمم أن التراث لا يُحفظ في المتاحف فقط، بل يُصنع كل يوم، بأيدٍ تؤمن أن المستقبل يبدأ من خطوة، ومن غرزة، ومن قطعة فنية صغيرة تقول: ما زلنا هنا… وما زال الأمل حيًا.
في احتفالٍ مُلهم بالصمود والإبداع، افتُتح اليوم في غزة "بازار أطفالنا"، مُقدّماً مجموعةً واسعةً من الحرف اليدوية الفلسطينية التقليدية التي صنعها أطفال وشباب من ذوي الإعاقة بدقةٍ مُتقنة.
ويهدف هذا الحدث إلى تمكين المشاركين من خلال توفير منصةٍ لهم لعرض مهاراتهم، والحفاظ على التراث الثقافي، وبناء فرصٍ اقتصاديةٍ رغم الظروف الصعبة في القطاع.
وشهد البازار حضورًا لافتًا من الأهالي والمهتمين بالتراث والحقوق الاجتماعية، حيث تُعرض منتجات صنعتها أيدٍ لا تعرف الإعاقة بقدر ما تعرف الإصرار؛ أعمال تطريز، مشغولات خشبية، تحف تراثية، ومنتجات منزلية يدوية تعكس جمال الهوية الفلسطينية وأصالة الحرفة.
يأتي هذا الحدث ليؤكد أن التراث ليس مجرد مقتنيات تُباع، بل رسالة صمود يحملها أشخاص أثبتوا أن القدرة الحقيقية في الروح وليست في الجسد.
يقف عبد الرحمن، شاب في العشرينات من عمره، خلف مجموعة من المشغولات الخشبية المنقوشة بعناية.
ويشرح بلغة الإشارة، ويترجم لنا أحد أعضاء الجمعية: "علّمت نفسي النحت على الخشب لأنني أحب أحكي قصصنا الفلسطينية بطريقتي، كل قطعة في المعرض هي ذكرى من أرضنا".
ويتابع نحن نحتاج فقط فرصة، ومساحة نثبت فيها مهاراتنا، هذا البازار أعطانا صوت… وصوتنا اليوم مسموع من خلال أعمالنا."
يؤكد القائمون على البازار أن هذه الفعالية ليست حدثًا تجاريًا، بل مساحة إنسانية تُعيد الاعتبار لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتمنحهم منصة لإظهار قدراتهم، والاندماج في المجتمع عبر الإبداع والعمل.
فيما أكد المنظمون أن البازار يُسلّط الضوء على شعار "نصنع الأمل بأيدينا"، مُجسّداً عزم ذوي الإعاقة على المساهمة الفاعلة في مجتمعاتهم. تشمل المعروضات ملابس مطرزة، وإكسسوارات منسوجة يدويًا، وقطعًا فخارية، وزخارف ثقافية، وحرفًا زخرفية مستوحاة من التاريخ الفلسطيني والحياة اليومية.
أعرب الأهالي والزوار عن إعجابهم بتفاني المشاركين، مشيرين إلى أن كل منتج يحمل قيمةً فنيةً ورسالةً قويةً تُعبّر عن القوة.
وأكد الأخصائيون الاجتماعيون وأخصائيو التأهيل على أهمية هذه المبادرات في تعزيز الثقة بالنفس، وتنمية المهارات العملية، ودعم الصحة النفسية للأطفال ذوي الإعاقة.
من جهته تقول منسقة الفعالية: "مشاركتهم ليست دعمًا لهم فقط… بل رسالة للكل: إن التراث الفلسطيني يعيش بمن يصنعه ويحميه، والأشخاص ذوو الإعاقة هم جزء أصيل من هذا الإرث."
وأشادت المنظمات الإنسانية المشاركة بالبازار، معتبرةً إياه نموذجًا للمشاركة المجتمعية الشاملة، داعيةً إلى مواصلة الدعم لضمان فرص مستدامة للأشخاص ذوي الإعاقة في جميع أنحاء غزة.
يختتم بازار نحيي الأمل أبوابه كل يوم، لكنه يفتح أبوابًا كثيرة في قلوب الزائرين. هنا، حيث تتقاطع الهوية مع الإبداع، يصبح التراث جسرًا بين القدرة والحلم، ويصبح صوت الأشخاص ذوي الإعاقة أعلى حين ينطلق من عمل صنعته أيديهم.
