بقلم/ نبيل عمرو
الطبقة السياسية الفلسطينية تواجه انسداداً يكاد يكون مطلقاً على صعيد العملية السياسية مع اسرائيل، و لزوم لسوق ادلة مجسمة على ذلك، إذ لا حركة في هذا الاتجاه، ولا أفكار إنقاذ تصلح للتداول.
الطبقة السياسية الفلسطينية، مضطرة للتخفيف من حدة وسطوة هذا الانسداد، فهي إن اعترفت به، دون قدرات على معالجته فسوف تواجه سؤالاً منطقياً... لماذا إذاً أنتم باقون؟؟
إما أنها ستظل تتجاهل هذا الانسداد باحثة عن إمكانات تعويض ولو باختراع انجازات رمزية وشكلية فبذلك تبرر بقائها واستمرارها وتعايشها طويل الأمد مع الفشل.
ما هو العامل الإيجابي الذي يظهر بقوة على المشهد الفلسطيني؟
إنه قدرة الملايين الفلسطينية على تحييد الفشل السياسي، والانصراف عنه إلى ممارسة الحياة بقوة، ولذلك مظاهر شديدة السطوع والإقناع.
والضفة الغربية تصلح لأن تكون نموذجاً نابضاً في هذا الاتجاه، ولولا الوضع الاستثنائي المفروض على غزة لكانت مثل الضفة تماماً، فما الذي يجري على أرض الضفة هذه الأيام؟
رغم كل الانغلاق السياسي تشاهد في مدن وقرى وخرب الضفة تنامياً عمرانياً قد لا يوجد مثيله في أي بلد عربي، فالبنايات العملاقة تنبت كالفطر، ويقال أن في رام الله وحدها آلاف الشقق الفارغة، تنتظر مشترين أو مستأجرين.
وفي الشوارع الضيقة للمدن التي لم تحسب بلدياتها حساباً للنمو السكاني تتزاحم السيارات من كاف الجنسيات والموديلات، ودون اللجوء إلى الإحصائيات الرسمية بوسعك استنتاج أن مئات ألوف السيارات أكثر من نصفها لا شوارع له، دون أن تتوقف مئات معارض السيارات الحديثة والمستعملة عن الاستيراد، ويقال أن أنواعاً من السيارات يحتاج الراغب في شرائها إلى الانتظار على الدور شهوراً حتى يتسلم سيارته.
الشقق والسيارات على ضرورتها فهي في جانب منها تشير إلى بذخ وبحبوحة، وتصلح قياساً للنزعة الاستهلاكية المتمادية عند البشر التي تزودها البنوك المزدهرة بمقومات النمو والاتساع، إلا أن ما يقابل ذلك وهو الأهم والأعمق والأجدى، ازدحام قاعات الامتحان بآلاف الطلبة من مختلف التخصصات الأدبية والعملية والمهنية، وامتلاء الساحات على سعتها بخريجي الجامعات التي تجاوز عددها وتخصصاتها، الحاجات البديهية والتلقائية للمجتمع. ففي كل مجال هنالك فائض في ازدياد يفوق الحاجة. و بوسعك ملاحظة أن خريجي أهم التخصصات ينتظرون على الدور، وإذا كان الفائض في مجال الطب، فالمشافي الاسرائيلية فاغرة فاها لاستقبال من لم يجد عملا في بلده.
لو أن هؤلاء الناس ربطوا مصيرهم بتقدم المفاوضات أو تعثرها، فما هي النتيجة جراء الانسداد السياسي المتمادي طويل الأمد.
لقد عالج الفلسطينيون هذا الانسداد بتحييد أنفسهم عن أمراضه وأعراضه، وانصرفوا إلى حياتهم ليملأوا بلادهم بكل مظاهر ومقومات النمو والتجذر على الارض، ولولا الناس بمبادراتهم التي ترضى عنها أو لا ترضى لما بقي على الارض ما يستحق الحياة ولما بقي لفلسطين غير الفراغ والفشل والخيبة والشكوى.
شعار المرحلة:
الناس يصمدون يبنون يتعلمون يخطئون ويصيبون، وهم بعافية كلما فكوا الارتباط المصيري بينهم وبين فشل السياسيين.
شعب يفكر بهذه الطريقة ويعمل بهذه الروح سوف يصنع مستقبله ودولته.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب