تجلس والدة الطفلة "رحمة كفاية" قرب سرير العناية المركزة في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تحدق في جسد طفلتها الصغير الذي أنهكه مرض الغدد الصماء وفاقم من معاناته الحصار وحرب الإبادة التي شنتها "إسرائيل" على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م، تحاول أن تخفي ارتجاف صوتها، لكنها تفشل كلما نظرت إلى ابنتها، التي كانت حتى وقت قريب تتحرك وتلعب كغيرها من الأطفال؛ فقد سُلبت منها الحركة والكلام دفعة واحدة.
الحكاية المؤلمة بدأت منذ اللحظات الأولى لولادة "رحمة"، قبل تسع سنوات، حيث تم تشخيصها بخمول في الغدة الدرقية والنخامية، ما جعل طفولتها مرتبطة بالإبر والأدوية والمراجعات الطبية الدورية، بدلاً من اللعب والركض كبقية الأطفال.
لكن مع انتظام العلاج قبل الحرب، استطاعت العائلة احتواء المرض والتعايش معه، إلى أن قلبت حرب الإبادة كل المعادلات، تقول الأم بصوت مثقل بالألم، لمراسل "شمس نيوز": "رحمة مريضة غدد منذ أن ولدت، وتعاني من خمول في الغدة النخامية والدرقية، وكنا نتعايش مع الحالة وكانت الأدوية متاحة والرعاية موجودة، لكن الحرب انقلبت الدنيا رأساً على عقب واختفى الدواء والغذاء، وحتى الأمل".
ومع توقف إبر النمو نتيجة انقطاعها الكامل من قطاع غزة، ومنع إدخالها عبر المعابر التي تسيطر عليها "إسرائيل" واستهدافها المتعمد للمنظومة الصحية بقطاع غزة، توقّف نمو الطفلة وبدأ جسدها الصغير ينهار تدريجياً، تضيف والدتها: "رحمة بطَّلت تكبر وصارت تدخل المستشفى بشكل دائم وتقريباً كل شهر، وأصبح لديها خللاً في البوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم، وهذه أشياء غير متوفرة لا في المستشفيات ولا في الصيدليات".
لم تتوقف المعاناة عند نقص الدواء، بل تصاعدت حتى وصلت الطفلة "رحمة" إلى العناية المركزة، حيث أمضت 5 أيام متواصلة موصولة بالأجهزة، ورغم تحسنها النسبي، إلا أن آثار الوعكة الأخيرة كانت قاسية، فقد فقدت القدرة على الحركة والكلام معاً.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
خلال أسابيع قليلة فقط، خسر جسد رحمة ما يقارب ثلث وزنه؛ من 27 كيلوغراماً إلى 18 كيلو غراماً فقط، وذلك نتيجة نقص الغذاء والمجاعة التي فرضتها الحرب.
توضح الأم، بعد أن كفكفت دمعة سالت على وجنتيها: "الدكاترة يقولون إن رحمة لا تصلح لتعيش في خيمة، لكن خيمتنا في الشارع، بيتنا راح، والمنطقة لا تزال خطر، وأنا أرملة وما عنديش أي خيار ثاني".
ووفقاً للتفسيرات الطبية، فإن الطفلة "رحمة" تعاني من خلل هرموني مزمن ناتج عن قصور في الغدة النخامية والدرقية، وهو ما يؤدى إلى اضطراب خطير في الأملاح المعدنية، وهو الأمر الذي يسفر عن تشنجات، وفقدان للحركة، ومشاكل عصبية مستمرة".
وتقول والدة "رحمة" إن ابنتها تحتاج إلى علاج طويل الأمد ومراكز طبية متقدمة غير متوفرة في غزة حالياً، وتناشد منظمةَ الصحة العالمية ومؤسسات حقوق الإنسان بالسماح لابنتها للعلاج خارج قطاع غزة، مشيرةً إلى أن تحويلها للعلاج في الخارج قد يُحدث فرقاً حقيقياً في حياتها.
