حذرت تحليلات سياسية من أن سياسات الاحتلال الراهنة تعرقل الجهود الأميركية الرامية إلى تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط، ولا سيما في ملفات غزة ولبنان وسوريا، مؤكدة أن استمرار العمليات العسكرية ورفض الانخراط في مسارات سياسية متكاملة يهددان فرص تثبيت وقف إطلاق النار والانتقال إلى تسويات أوسع في المنطقة.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا للكاتب نمرود نوفيك، المستشار السياسي والمبعوث الخاص السابق لرئيس وزراء الاحتلال الأسبق شمعون بيريز، قال فيه: "إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستحق الثناء على جهوده الهادفة إلى استقرار ثلاث بؤر توتر رئيسية في الشرق الأوسط، هي غزة ولبنان وسوريا، إلا أن دولة الاحتلال، بوصفها اللاعب الأقوى في المنطقة والحليف الأقرب ظاهريا لواشنطن، تقوض هذه الاستراتيجية على الجبهات الثلاث.
وأوضح نوفيك أن الاحتلال، عقب السابع من تشرين الأول، تبنى مبدأ "عدم المخاطرة" الذي يمنح أولوية لاستخدام القوة والسيطرة على الأرض على حساب الدبلوماسية، معتبرا أن هذا النهج ينطوي على تناقض واضح، إذ إن الضربات الاستباقية المستمرة تزيد مخاطر التصعيد بدل الحد منها.
وأشار إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يعتزم لقاء ترامب في الولايات المتحدة في 29 كانون الأول، معتبرا أن على الرئيس الأميركي، لتفادي الانزلاق مجددا إلى الحرب، أن يكون صريحا وحازما مع نتنياهو، وأن يحدد بوضوح متطلبات استقرار المنطقة وتوقعاته من حكومة الاحتلال.
ودعا، في المقابل، القادة العرب إلى إبداء دعمهم لبرنامج ترامب وجعل الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أولوية.
وفي الملف اللبناني، رأى نوفيك أن تجاهل دعوات الإدارة الأميركية لنزع سلاح حزب الله، بوصفه عملية تدريجية وفق الأعراف الدولية، وطرح توقعات غير واقعية، أسهما في تصعيد الموقف.
وأشار إلى أن الاحتلال لوّح بعملية عسكرية واسعة رغم وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه واشنطن وباريس، ويواصل في الوقت نفسه احتلال خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية وتنفيذ غارات وتوغلات شبه يومية.
أما في سوريا، فأشار الكاتب إلى أن الاحتلال ينفذ توغلات عسكرية متكررة، ويطالب بنزع سلاح المنطقة الممتدة بين دمشق وهضبة الجولان السورية المحتلة، في وقت تتمسك فيه بما يسميه "منطقة أمنية" داخل الأراضي السورية.
واعتبر نوفيك أن قطاع غزة لا يزال بؤرة التوتر الأخطر، محذرا من أن رفض نتنياهو أي دور للسلطة الفلسطينية في القطاع يهدد بتقويض خطة ترامب المؤلفة من 20 بندا، والتي أفضت إلى اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الأول.
ورأى أن هذا الرفض لا يرتبط باعتبارات أمنية، بقدر ما يرتبط بحسابات سياسية داخلية وخشية نتنياهو من تفكك ائتلافه الحاكم.
وأوضح أن الخطة الأميركية تنص على تشكيل قوة استقرار دولية لنزع سلاح حماس، وتمكين انسحابات إضافية لجيش الاحتلال، وحماية لجنة مدنية لإدارة القطاع، وتأمين عملية إعادة الإعمار، إلا أن الدول العربية التي قد تشارك في هذه القوة ترى أن إشراك السلطة الفلسطينية، ولو بشكل رمزي في البداية، شرط أساسي لشرعنة أي اتفاق.
وأضاف أن غياب دور السلطة الفلسطينية سيجعل هذه القوة، في نظر الرأي العام العربي وسكان غزة، مجرد بديل عن الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن مشاركة السلطة تمثل خطوة نحو توحيد غزة والضفة الغربية، وهو ما يعد شرطا جوهريا لتحقيق حل الدولتين.
وأشار إلى أن المرحلة الثانية من خطة ترامب، التي تشمل نزع سلاح حماس، والانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من بقية أراضي غزة، وإعادة الإعمار، وتشكيل قوة الاستقرار، لا تزال عالقة في ظل غياب المشاركة العربية، فيما يبقى وقف إطلاق النار مهددا بالانهيار وسط خروقات يومية وظروف إنسانية قاسية يعيشها نحو مليوني فلسطيني في القطاع.
ولفت الكاتب إلى أن المسؤولين الإسرائيليين استقبلوا التفاؤل الأميركي بقرب بدء المرحلة الثانية بالتشكيك، وبموقف يوحي بالاستعداد لاستئناف العدوان، خاصة بعد عودة أسرى الاحتلال، ما أضعف الحافز لدى الاحتلال للالتزام الكامل ببنود المرحلة الأولى.
وذكر أن ترامب، إدراكا منه لمخاطر التصعيد الإسرائيلي على بنيته الإقليمية، تدخل شخصيا، حيث أفادت تقارير بأنه دعا نتنياهو إلى التروي في سوريا خلال اتصال هاتفي مطلع كانون الأول، إلا أن رد الأخير اقتصر على خطوات محدودة لم تترجم إلى تغيير حقيقي في السياسة.
ومن بين هذه الخطوات، أشار نوفيك إلى الموافقة على إعادة فتح معبر رفح باتجاه واحد فقط، يسمح بالخروج دون العودة أو إدخال المساعدات، في تعارض واضح مع خطة ترامب التي تنص على حركة الأفراد والمساعدات في الاتجاهين.
كما خفف نتنياهو لهجته بشأن لبنان، وأوفد مسؤول اتصال مدني بمهمة اقتصادية محدودة، فيما ربط أي تقدم في سوريا بتلبية مطالب أمنية إسرائيلية قصوى.
ورأى الكاتب أن هذه التنازلات المحدودة قد تفسر دعوة ترامب إلى عقد اجتماع مباشر مع نتنياهو، هو السادس بينهما خلال ولايته الثانية. وذكر بأن تجارب سابقة أظهرت أن ترامب يتحرك عندما يواجه جبهة إقليمية موحدة بخطة قابلة للتنفيذ، كما حدث عشية تنصيبه، وفي آذار مع الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، وفي تموز مع المبادرة السعودية-الفرنسية.
وختم نوفيك بالقول إن الخيار أمام الرئيس الأميركي بات واضحا: إما فرض الانضباط على أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أو ترك بنية إقليمية هشة تنهار تحت وطأة التصعيد التدريجي الذي تقوده حكومة نتنياهو، محذرا من أن نافذة تفادي حرب جديدة تضيق بسرعة.
