ياسر الزعاترة
لولا الملأ ما بقي طاغية، ولولا العملاء لارتبك المحتلون في كل زمان ومكان، ولكانت معاركهم أكثر صعوبة بكثير.
ظاهرة الملأ في حالة الطغاة، والعملاء في حالات الاحتلال، ظاهرة إنسانية عرفتها كل الشعوب والأمم والأديان والمذاهب، من لدن فرعون، وربما قبله، وحتى يومنا هذا.
يحدث أحيانا أن يكون المشهد السياسي ملتبسا، بحيث يمكن لعناصر الملأ أن يبرروا موقفهم، أقله بينهم وبين أنفسهم، أكان من خلال نصوص دينية تحذر من الفتنة، أو الخروج على ولاة الأمر، أم من خلال تقدير موقف سياسي عنوانه أن الأمن والاستقرار أفضل من الفوضى، إلى غير ذلك من المبررات.
وهنا يوجد فرق كبير، بين حاكم مستبد كالذي عرفه تاريخنا قديما وحديثا، وبين طاغية من العيار الثقيل يمعن في القمع والقتل، بخاصة حين يثور الشعب ضده، ويصبح المشهد واضحا بين شعب ثائر وبين طاغية يرد على ذلك بالقتل. هنا يغدو التبرير أكثر صعوبة بكثير، ولا يقنع أي أحد.
العمالة بدورها ليست من النوع الذي يمكن تبريره بأي حال، أعني العمالة لمحتل أجنبي، بصرف النظر إن كان من نوعية المستعمرين، كما هي تجارب التاريخ المعروفة، وحيث الهدف هو السيطرة والنهب وتوسيع مجالات النفوذ، أم كان من نوع المحتل الذي يسرق أرضا ويشرِّد شعبا كما في الحالة الصهيونية على سبيل المثال.
في الحالة الراهنة، يبدو المثالان اللذان يمكن التأشير عليهما بوضوح، رغم أن هناك أمثلة أخرى، تراوح بين الحالات التي أشرنا إليها، هما المثال الإيراني بشكل عام، والحالة السورية بشكل خاص.
في سوريا يختلط الأمر بين طاغية يقتل شعبه، وبين احتلال أجنبي يهدف إلى السيطرة وتوسيع النفوذ ممثلا في الاحتلال الإيراني، الأمر الذي يبدو كذلك في اليمن وفي العراق أيضا، وعلى نحو أقل في لبنان.
في العراق، قد يجد المتعاونون مع المحتل الإيراني تحت مسمى التعاون مع الحكومة العراقية فرصة لتبرير موقفهم من خلال الحديث عن الطرف الآخر في الصراع، ممثلا في تنظيم الدولة الذي كانت لهم تجربة سيئة معه بعد عام 2007، عندما اصطدم بأكثر القوى السياسية والعشائرية وحتى المقاومة، وبالتالي فهم يأملون في أن يسفر تعاونهم مع الحكومة عن وضع أفضل للفئة التي ينتمون إليها، أي العرب السنة.
لا شك أننا إزاء اجتهاد بائس لا يستحق الاحترام بأي حال من الأحوال، بخاصة أن التجربة ماثلة أمام الأعين، أعني تجربتهم مع المالكي، فضلا عن تجربتهم الآن في مواجهة الميليشيات الطائفية وما تفعله بالمناطق التي تدخلها، ما يعني أن أحلام تحسين الوضع في حال استقر الأمر لإيران وحلفائها هو محض سراب، بخاصة إذا أخذناه كجزء لا يتجزأ من مشهد إقليمي تتمدد فيه إيران بروحية الغرور والغطرسة التي لا تخطئها العين.
لكن الموقف في سوريا هو الأكثر إثارة للاحتقار بكل تأكيد، أعني لجهة عملاء المحتل الإيراني، ومن يتعاونون مع تابعهم الطاغية الذي يقتل شعبه.
هل يحتاج المرء إلى كثير من التدقيق لكي يدرك الأبعاد الطائفية للمعركة، وللمحتل الإيراني الذي يمسك بالبلد طولا وعرضا، أم أن الأمر في غاية الوضوح في ظل ميليشيات طائفية تستجلب من كل الدنيا للدفاع عنه، وشعاراتها تصم الآذان؟!
كيف والحالة هذه يحترم هؤلاء الذين يتعاونون مع الطاغية والأوصياء عليه في إيران، بل الآن في داخل دمشق وسائر المناطق، كيف يحترمون أنفسهم؟!
كيف لسياسي ينتمي إلى الغالبية المطحونة أن يحترم نفسه وهو يعمل بوقا لدى طاغية من هذا النوع، أطلق الرصاص على العزل قبل أن تكون هناك فصائل مقاتلة، وكيف يفعل ذلك في ظل احتلال بهذا السفور، والأسوأ، كيف لشيخ يلبس عمامة، ويخطب في الناس ويصلي بهم، أن يحترم نفسه وهو يعمل بوقا لهذا الإجرام كله؟!
إن هؤلاء في واقع الحال أسوأ بكثير من عملاء الاحتلال الصهيوني، أو أكثرهم إذا شئنا الدقة، لأن الأخيرين لم يفعلوا ذلك وهم في حالة ارتياح على الأغلب، بل جرى استدراجهم بناءً على حاجات معينة، وأسقطوا إسقاطا في سلك العمالة. أما هؤلاء في الحالة السورية، فيعملون وهم مرتاحون، بينما خياراتهم الأخرى متوفرة، وإن كانت بكل تأكيد أكثر جلبا للمعاناة من العمل في سلك الطاغية وأسياده.
اليوم، وفي ظل هذا الوضوح في المعركة بين أقلية تريد الهيمنة والتوسع، وتتبجح بذلك في وضح النهار، وبين أغلبية لم تمارس الاعتداء، يغدو أي تعاون مع العدوان شكلا من أشكال السقوط الذي لا ينبغي التسامح معه بحال، الأمر الذي يبدو صحيحا بصرف النظر عن دين أو مذهب الطرف المعتدي، فكيف وهو يتعامل بروحية ثارات تاريخية؟!
لم نكن طائفيين ولن نكون، ولكل حقه في الإيمان بما يشاء، لكن ما يجري هو عدوان سافر لا يمكن للأحرار والشرفاء إلا أن يتصدوا له بكل قوة، وما يجري في اليمن كان ذروة فضيحة العدوان، فضلا عن انتظار اتفاق النووي لأخذ موافقة أميركا على مكاسب العدوان الراهنة.. وكل ذلك يفرض مزيدا من القوة في تحدي هذا العدوان وصولا إلى إجهاضه، وهو سيجهض لا محالة، مهما طالت المعركة، فقد مرت على هذه الأمة غزوات كثيرة وانتهت، وهذه الغزوة لن تكون استثناءً بحال.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب