في الوقت الذي يعيش الفلسطينيون في غزة الذكرى الأولى للحرب على القطاع والمسماة “الجرف الصامد”، يقف المراقبون أمام حقيقتين: الأولى، أن العلاقة القائمة حاليًا بين النظام المصري وإسرائيل تعيش أبهى عصورها، وهي تتفوق باعتراف دوائر إسرائيلية على مثيلتها أيام مبارك. والثانية مستقاة من تقديرات وسائل إعلام إسرائيلية تشير إلى أن الجيش المصري مقبلٌ على ضرب قطاع غزة.
كل شيء متحرك في شمال سيناء سيصبح هدفًا لطائرات (إف-16) المصرية في الأيام القادمة، مناطق بدوية في سيناء وقطاع غزة كلاهما يمكن أن تستهدفه الطائرات عقابًا على تعاونهم مع المسلحين، “داعش” والإخوان سيلقون العقاب الأكبر من الجيش المصري بعد أن توافقت أهدافهم للوقوف في وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي”؛ هذا ما عنونته صحيفة تايمز أوف إسرائيل التي أوردت تقريرًا لها بعنوان “مصر ربما تقصف قطاع غزة انتقامًا لهجمات سيناء”.
السؤال ليس فيما ستفعله التنظيمات الإسلامية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ بل فيما سيقوم خريطة المواقف والتداعيات التي ستنجم عن مثل هذه الكارثة إن حصلت.
في ظل هذا المشهد، يشن الإعلام المصري حملة غير مسبوقة على حماس وقطاع غزة؛ فها هو عكاشة يتنبأ بضرب غزة، بعد أن تنبّأ بـ”الحرب على الإرهاب في سيناء”، ثم بـ”توجيه الجيش المصري لضربة عسكرية في ليبيا”، قبل أشهر من حدوثها، هاهو يتنبّأ بـ”تحرير غزة من “حماس”. يقول عكاشة، وهو أحد أكثر الإعلاميين قربًا من جهاز المخابرات الحربية، إنّ “الجيش المصري سيقوم بعمل عسكري قريب في غزة لتحريرها من حركة حماس الإخوانية”. وأضاف عن “حماس”: “عبدة الشيطان”.
الكل يدرك أن الإعلام المصري، ومعظم قنواته التليفزيونية على وجه التحديد، لا يتمتع بالحد الأدنى من الاستقلالية؛ وغالبًا ما يعكس وجهة نظر الحكومة، أيّ حكومة، باستثناء حكومة الرئيس الإخواني محمد مرسي، التي اتخذ منها مواقف منذ اليوم؛ لأنه مملوك في غالبيته لرجال أعمال كونوا ثرواتهم الهائلة أثناء حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
ومن هنا، فإن هذا الإعلام هو الترمومتر الحقيقي، إلى جانب وسائط أخرى، الذي يمكن من خلاله وبرامجه، وحملاته الهجومية، قياس حرارة سياسات الحكومة المصرية ومواقفها تجاه هذا الطرف أو ذاك؛ بل ومعرفة خطواتها العسكرية المقبلة.
ورغم اعتراف وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن المئات من أفراد الذراع العسكرية لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام، ينتشرون على الحدود بين غزة وسيناء، بالأخص عند الأنفاق التي ما زالت فاعلة، لمنع دخول أو خروج أي عناصر من وإلى الأراضي المصرية، وأن ذلك يأتي بالتعاون الكامل مع المصريين، وبسبب مخاوف من اتهام حماس بمساعدة الإرهابيين في شبه الجزيرة؛ إلا أن إسرائيل نقلت إلى القاهرة معلومات تؤكد أن حركة حماس الفلسطينية تقوم بمساعدة تنظيم داعش في سيناء. ويبدو أن التطورات الميدانية على الأرض هي التي ستحدد ما إذا كان السيسي سيستخدم ورقة ضرب غزة أم لا؛ وذلك بهدف خلط الأوراق العسكرية والسياسية، في محاولة لإنقاذ نفسه وسمعة الجيش المصري الذي تلقى ضربة قاسية في سيناء.
ما تريده إسرائيل قالته، وهو: “تل أبيب لديها معلومات عن دعم حماس لتنظيم (ولاية سيناء) المنتمي لداعش، وإنه في العمليات الأخيرة التي شهدتها سيناء، ساعدت الحركة التنظيم بالسلاح”، وهي ترى أن الوقت حاسم للانتهاء من وجع حماس مرة واحدة وإلى الأبد؛ لكن ليس بيدها هي بل بيد مصرية.
“إنه هروب إلى الأمام”، هذا ما قد يقوم به عبدالفتاح السيسي، الذي تطمئنه إسرائيل بأن الجيش المصري جيش قوي ومتماسك وأن السيسي يمتلك جيشًا منحه الثقة والولاء وأنه بعيد عن الانهيار كما حدث مع جيشي سوريا والعراق. لكن، هل هذا صحيح؟
إن الإجراءات التي قام بها النظام المصري بحق أهالي سيناء هي التي ولدت ما يعاني منه الجيش المصري اليوم، في حين إذا فكرت قيادة هذا الجيش في خوض مغامرة قصف غزة فإن توليد الانشقاقات فيه لن تكون إلا مسألة وقت.
أما حيال ما ستقوم به الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، فنحن هنا أمام مشهد وحيد كشفت عنه الحركة في السابق عندما قالت إن أي عدوان من قبل الجيش المصري على قطاع غزة سيكون الرد عليه المدن الفلسطينية المحتلة وليس مصر؛ وهو ما سيرسم لوحة كاريكاتورية ستضع المنطقة في زاوية وخيمة رغم سخريتها.
وحماس والرأي العام المصري والعربي يدركون جميعًا أن أي تحرك من قبل السيسي ضد القطاع لن يكون إلا بمباركة من بعض دول الإقليم. فهل ستحتمل تلك الدول هذا التهور وتداعياته على ساحتها الداخلية؟
أما الحاضر الآخر في هذا المشهد فهو السلطة الفلسطينية التي لا بد وأن يكون للفلسطينيين في الضفة رأيهم الحاد في ضرب حليف السلطة “السيسي” لأبناء وطنهم في القطاع، فيما من المنتظر أن يكون لعباس رأي حاد هذه المرة ضد العدوان؛ لأنه يعلم -أو يفترض أن يكون يعلم- أن كل صاروخ ينزل على رؤوس الفلسطينيين في غزة إنما يسرع في إنهائه سياسيًا من قبل مصر أولًا، وإسرائيل قبل ذلك، والأنظمة العربية كذلك، التي تريد أن تسرع في عملية خلق بديل جاهز لعباس وهو ما لم يجهز حتى اللحظة.
أما على صعيد الشق التركي من رد الفعل، فلن يستطيع أردوغان الصمت على العدوان؛ وسيفعل كل ما يستطيع فعله أمنيًا وسياسيًا من أجل الاقتصاص من إسرائيل والسيسي معًا.
أردوغان وضع تركيا في مواجهة حادة مع النظام المصري وهو يقول لجموع مؤيديه “هناك من ينتقد طريقة كلامي عن ذلك الشخص المحتل الموجود على رأس السلطة في مصر حاليًا (في إشارة إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي)”. من هنا، فلا أحد يمكن أن يتكهن تمامًا بما يمكن أن تقوم به القيادة التركية، خاصة وأن الحديث هنا عن فلسطين.
بعيدًا عما يقال بأن قنوات اتصال فتحت مؤخرًا بين النظام المصري وحركة حماس، فالكل يدرك أن السلطات المصرية الحاكمة حاليًا لا تكن أي ودّ للحركة، وهذا أمر بات معروفًا للجميع؛ وبالتالي فإن ديكتاتورية الجغرافيا تفرض نفسها من جديد على حماس، في ظل تواتر التقارير التي تتحدث عن قيام للسيسي بقذف قنبلته باتجاه القطاع، وقد أثبتت التجارب أنه رجل كلما اشتد عليه الخطب زاد في مغامرته.