قد لا يراقب الفلسطينون حجم التغيرات الهائلة في المجتمع الاسرائيلي والأهم انعكاسات ذلك على مجموع المؤسسات في الدولة العبرية، اسرائيل تسير بسرعة جنونية نحو اليمين القومي الذي يتقاطع مع اليهودية الدينية، إن أبرز تعبير عن ذلك الانزياح الهائل كان يتم بهدوء من خلال انحسار الكيبوتس، وزيادة المستوطنة فالكيبوتس على امتداد تاريخ الدولة كان مفرخة العلمانية التي حكمت اسرائيل في العقود الثلاثة الأولى والآن تسييد المستوطنة بقيمها المتطرفة نظام الحكم في اسرائيل، كان ذلك بشكل خفي والآن تسقط تلك المؤسسة بشكل معلن في أيدي المتطرفين.
التيار القومي الديني اليهودي بات يسيطر على السياسة الاسرائيلية والذي ينتمي له معظم أعضاء الحكومة من حزبي الليكود والبيت اليهودي هذا طبيعي وبدأ يظهر على المؤسسة السياسية، لكن منذ سنوات تبدو المؤسسة الأمنية قد تم السيطرة عليها من قبل مرتدي القبعات الدينية الذين يحيط نتنياهو نفسه بهم إذ تشهد التعيينات في عصر نتنياهو مجموعة من هؤلاء، من يعقوب عميدور رئيس مجلس الأمن القومي السابق صاحب اللحية الطويلة والقبعة مروراً ب يورام كوهين رئيس الشاباك الذي يعتمر القبة وصولا للتعيين الجديد لمفتش عام الشرطة روني ألشيخ نائب رئيس الشاباك وهو من المستوطنين. أراد بن غوريون أن يبقي الجيش علمانيا باعتباره بوتقة الصهر الوحيدة لمهاجرين من كل العالم بل ووضع مؤسسات التفكير في يد المؤسسة الأمنية وليس كما قال "بيد هواة السياسة المتشاكسين" ويقصد أعضاء الحكومة والكنيست. خطورة الأمر من تمدد التيار القومي الديني وسيطرته على مؤسسات الدولة هو منظومة القيم والثقافة التي يحتكم لها ففي إسرائيل تيارين متدينين التيار الديني الجريدي ممثلا بحزبي شاس ويهدوت هتوراة والتيار القومي الديني وهو يمثل الأحزاب القومية ولكن في إسرائيل فإن القومية والدين يتشابهان فقد رفضت المحكمة في إسرائيل خلال الأسبوع الماضي تسجيل الإسرائيلية كقومية حيث بقيت اليهودية هي التي تمثل قومية اليهودي. هذا يجعل شكل الصراع مختلفا بمغادرة العلمانيين للطوابق العليا للسياسة والأمن في إسرائيل .. ويجعل البحث عن تسوية في ظل سيطرة هذا التيار تبدو شبه مستحيلة لهذا فعل نتنياهو كل ما هو ممكن للهروب حتى من المفاوضات فلم تعد إسرائيل تريدها ولم يعد الحديث عن حل الدولتين قائما في المجتمع أو السياسة في إسرائيل لأن الفكر السياسي المسيطر في إسرائيل يعتبر أن أحداث التوراة تجسدت في الضفة الغربية من قبر يوسف في نابلس وقبر راحيل في بيت لحم والحرم الإبراهيمي الذي تسميه التوراة "مغارة الماكفيلا في الخليل" .. فهل نتصور أن عقلا بهذه الثقافة سيذهب للتفاوض للتنازل عن أرض التوراة؟ بل وأبعد عن ذلك أن الصراع في ظل هذه الثقافة يتحول لصراعا دينيا .. ربما النموذج الأبرز لذلك هو القائد السابق للواء غفعاتي "عوفر فنتر" أثناء عدوان غزة الصيف الماضي فقد أشار في التعليمات التي وزعها على جنوده أثناء الحرب أن "المعركة على غزة هي جزء من حرب دينية تهدف إلى إلحاق هزيمة بعدو يكفر بآلهة إسرائيل "هذا العقيد لم يخلع بزته العسكرية وهو الآن يشارك بدورة لمدة عام في مركز الأمن القومي بعدها تتم ترقيته ليصبح رئيس مقر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية. أصبحت التوراة مرجعية الصراع مع الفلسطينيين بما تحمله من تعليمات ومفاهيم ضد الآخر وللأرض والسيادة وبضمنها منطقة المسجد الأقصى الذي ورد في سفر الملوك الإصحاه السادس باعتباره الهيكل الذي يجب أن يعاد بناءه ، نذر الحرب الدينية أطلت في الانتفاضة الأخيرة حين اقتربت الحكومة الإسرائيلية من الحرم وفقا لأيدلوجية مسلحة بالقوة العسكرية .. وهذا ما أثار الفلسطينيين وأخرج مارد التمرد من قمقمه .. إن الثقافة الجديدة تعني أن إسرائيل تحول الصراع من صراعا وطنيا إلى صراعا دينيا يعبر عنه ممثلو الحكومة من وزيرة الثقافة ميري ريغيف مرورا ب تسيفي حوتبئيلي التي تريد رفع علم إسرائيل على قبة الأقصى ونفتالي بينيت وريث القومية اليهودية والاستيطان هذا التحول أو الانزياح قد لا يكون سيئا للفلسطينيين إذ أن ذلك قد يقضي على القواسم المشتركة لإسرائيل مع دول العالم وبالتحديد أوروبا والولايات المتحدة يعزل إسرائيل التي تذهب نحو غيتو اليهودية بمفاهيمها القروسطية ويؤجج صراعا أراد كل العالم إخماده .. لكن كل ذلك يتطلب برنامجا فلسطينيا مختلفا قادر على المواجهة والتسريع بعزل إسرائيل وقطع آخر خيوط خارجية لها .. المؤشرات قائمة في تراجع موقع إسرائيل العالمي والمقاطعات المتتالية .. برنامجا قادرا على أن يكون أكثر مرونة في مخاطبة العالم ...مرونة تكشف إسرائيل ولا تقدم تنازلات لتطرفها .. برنامج تعزيز الصمود في الداخل .. وقادر على ممارسة لعبة العلاقات العامة في الخارج .. نحن أمام إسرائيل جديدة .. إسرائيل الدينية ..!
المصدر: نبـأ برس