غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر تركيا وما بعد الأحد العظيم

مع غروب شمس الأول من نوفمبر الجاري بدأت الأنباء الأولية تتالى لنتائج الانتخابات المفصلية الحساسة التي سجلت مفاجأة كبرى في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، وهي الانتخابات التي راقبها العالم بأسره، محبون وأصدقاء، وأصدقاء وخصوم وأعداء وما أكثرهم منذ تغير قواعد اللعبة وبروز تركيا قوة جديدة في الشرق الإسلامي، وفي معقل الأستانة القديم!

وقد تضاعف قلق الخصوم الذين يدركون أن صعود النهضة التركية الأخير كان ضمن معايير التقدم الإنساني وأدوات صناعة الدولة الدستورية الجديدة لا الفرمانات السلطانية، وذلك بعد مجمل التوافقات الإقليمية والدولية التي عقدت على حساب الشرق الإسلامي، وجمعت بصورة علنية لأول مرة بين تل أبيب وطهران على أرض سوريا ضمن مخطط عام تجاه المشرق العربي.

وهو أمر يحتاج في أصل خطته الدولية إلى تقليم أظافر تركيا ودفعها للوراء عبر إشغالها بدحرجة نار في أرضها توقف هذا الحضور المستمر لكيانها الجديد ومحوريته في الشرق ليعود كما هو منذ سقوط الأستانة كشريك دعم للقرار الغربي لا أكثر، ومعزول كليا عن الشرق الإسلامي إلا في طقوس أو عبادات مشتركة معه.

لكن هذا التراجع الذي يحسب له كل أطراف الصفقة حسابا لا يمكن أن يتحقق دون تغيير معادلة الداخل، وهي المعادلة التي تطور توترها، وأضحت تركيا بالفعل على شفا صراع داخلي عنيف سواء في إطار تنوعها القومي، أو بسبب العودة إلى العنف المسلح بين الدولة والأيديولوجيات السياسية المختلفة، أو عودة الجيش ليقود زمام المبادرة من وراء الستار وتعود الأحزاب لدور الكومبارس الذي ثبته الجيش بعد اغتيال قائد الكفاح الديمقراطي الأول عدنان مندريس.

كانت هذه الصورة حاضرة في المشهد، وكان هناك حماس كبير للخارج للوصول إليها، كما أن اندفاع القوى السياسية خصوم حزب العدالة والرئيس أردوغان كان في تطلع كبير لها، ليس لسوء نية بالضرورة ضد استقرار وطنهم التركي، لكن لحسابات تفوّق سياسي أضعفت عندها تقييم الواجبات السياسة القومية ومشتركاتها.

كما أن حزب الشعوب الديمقراطي قفز بالفعل على كل مسارات السلام، وراهن مخطئا على دولة هشة ترث حزب العدالة يكون طرفا قويا في معادلتها، ويؤسس بتنسيق مع الجناح المتشدد في حزب العمال والحزب الديمقراطي الكردي في سوريا الموالي للنظام وإيران قاعدة اجتماعية سياسية تتفق مع الصفقة الدولية لتشجيع قيام إقليمي كردستان في سوريا وتركيا.

وعمدت المعارضة يشجعها الإعلام الغربي على مواصلة الرهان على فشل حزب العدالة وخسارته للأغلبية مجددا، وبالتالي انقسامه والتضييق عليه ووقف مسيرته، ورغم أن الاستطلاعات كانت تعطي دلائل لتحسن موقع حزب العدالة فإنه لا أحد كان يعتقد أن الناخب التركي سيقلب الطاولة بهذه القوة، ويعطي هذه الثقة الشعبية مجددا للعدالة ليقود الحياة السياسية بحكومة أغلبية قوية.

إن هذه الصدمة الإيجابية فتحت الآمال مجددا أمام شعوب الشرق الذي يعاني من حروب شرسة من الاستبداد، ولا تزال دماء ضحايا اغتيال الربيع العربي تتدفق، كما أن فوضى الصراع المسلح تعصف ببلدان أخرى، وتدق الباب بقوة على بلاد أخرى في الشرق الإسلامي، وكانت تركيا الأيقونة التي تعلق بها الناس لعلها توقف حرائق الشرق، وتواصل آمال النهضة والتقدم المدني فجاءت رسالة الأحد العظيم لتبعث الآمال مرة أخرى.

إن دراسة وتحليل نتائج الانتخابات التي قفزت بحزب العدالة إلى قرابة الـ50% مهمة جدا لمعرفة توجه الناخب ومستقبل الحياة السياسية في تركيا:

1- أول ما يعنينا هنا قوة رد الشعب التركي، وذكاؤه في تقييم الواقع المحيط به من كلتا القوميتين الأناضولية والكردية، وتثبيته لقرار الاستقرار، ودفع مخاوف الاستثمار الإقليمي والدولي إلى الوراء من أمام حدوده الوطنية.

2- النهر المتدفق من الاتهامات الذي هوجم به الرئيس أردوغان وإرث العدالة وواقعه وكل منجزاته السياسية، خاصة إخراج الدولة الحديثة من قبضة التدخل العسكري وإطلاق مشروع النهضة جاء بنتيجة معاكسة، فصفع الناخب التركي كل أطرافه المحلية والخارجية، خاصة حركة الخدمة، وزعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح دمرطاش.

3- كانت المفاجأة الكبيرة أيضا حجم التصويت في قاعدة الناخبين الأكراد لصالح العدالة وضد مشروع حزب دمرطاش، وتمسكهم بالأمل بالعودة إلى مشروع السلام الكردي الذي تبناه العدالة، ولو كان ضمن واجبات المشروع ردع جناح التطرف في الـ"بي كا كا" لوقف عمليات القتل التي استأنفها ضد الأمن والجيش والمصالح التركية.

4- هذا الأمر يعطي تفويضا للعدالة لإعادة بلورة مشروع السلام الكردي بعد طمأنة الأناضوليين والأكراد معا على أمنهم وبالتالي إخراج تركيا من بورصة الدحرجة الدولية ولو مرحليا عبر قرار شعبي ورسمي مشترك قدمته أعلى سلطة وهي سلطة الناخب.

5- نستطيع القول إن نتيجة الأول من نوفمبر ونتيجة انتخابات يونيو/حزيران الماضية أوصلتا رسالة مهمة لحزب العدالة هو بحاجة كبيرة لوعيها، وهي أن أغلب الشعب التركي معه ومع مشروع النهضة، لكن لا بد من حركة إصلاح داخلي ومراجعة قوية لهياكل الفساد التي تتسرب تحت مسيرة النماء الاقتصادي.

6- إن قرار الأحد العظيم صفعة قوية لكل تشكيل سياسي تركي حاول أن يستعيد أي مستوى نفوذ أو طموح على حساب نقض مشروع النهضة وعودة عسكرة السياسة، وهذه من أهم الرسائل الشعبية.

7- فتح يوم الأحد العظيم الباب مجددا لإصدار الدستور الجديد الذي يحصن الحياة السياسية والتقدم الديمقراطي، ويفكك ترسانة بيروقراطية من إرث طويل لو تزامن مع أدوات إصلاحية مخلصة، وبالتالي يتعزز الاستقرار السياسي وممانعته الذاتية.

هذا داخليا أما إقليميا، خاصة في ظل الاستقطاب الخطير الجديد، وتوافق الصفقة الدولية الإقليمية على حصار المشرق العربي فإن انتخابات الأحد الماضي أعطت دعما لحضور تركيا في هذه التوازنات الدقيقة لصالحها وصالح المشرق العربي.

ومن ذلك:

1- مواجهة التغول الإيراني المدعوم اليوم غربيا وروسيا في سوريا، ودعم فرصة عودة قوية للميدان الثوري بقوى سوريا الأصلية من الجيش السوري الحر وحلفائه كحركة أحرار الشام وتحييد الغلاة، والضغط باتجاه المنطقة الآمنة بالتحالف القائم مع الرياض والدوحة.

2- مجمل مشروع الاحتواء المزدوج لداعش (تنظيم الدولة الإسلامية) وإيران يحتاج حراكا من ذات هذا التحالف يمنع استثمار هذه التدخلات العديدة التي تراعي حساباتها دوليا وإقليميا على حساب الشرق الإسلامي.

3- أربع سنوات قادمة ستساعد حزب العدالة على وضع خطوط عامة وإستراتيجية لدور فكري ومشاريع سلام نسبية أو كلية في مواطن الصراع بالشرق الإسلامي وتجديد موقفه الإغاثي ونصرته لقضية فلسطين وغيرها من قضايا المعاناة الإسلامية.

لقد باتت نهضة تركيا محل تطلع واسع، فمع عشرات الملايين من الناخبين الأتراك كان هناك مئات الملايين من المسلمين صوتت قلوبهم لأجل استقرار تركيا واستئناف نهضتها التي يرقبونها باهتمام لاستنساخها فتنجح في أرضهم، صوتوا لها لأن تركيا باتت حاضرة سياسيا وإنسانيا نجدة لأرض مضطهدة أو لاجئ طريد.

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".