شمس نيوز/ أحلام الفالح
ما أن تدخل ميناء غزة للتنزه والجلوس على أحد المقاعد، حتى تبدأ أصوات الأطفال من بعيد تنادي عليك "شاي، قهوة، نسكافيه، كابتشينو"، يتجولون بسرعة الظل بابتسامة بريئة بين الجالسين في محاولة منهم لبيع المشروبات الساخنة في فصل الشتاء.
تذهب والأمطار تنهمر والبرد ينخر العظام، فترى نفس المشهد هناك رغم الأحوال الجوية، ولكن البرد بالنسبة لهم ليس أسوأ من الفقر الذي أجبر هؤلاء الأطفال على العمل ليل نهار، صيف شتاء، دون ملل أو كلل.
البرد أهون من الفقر
مراسلة "شمس نيوز" تجولت في ميناء غزة وتحدثت مع الطفل فراس بكر (11 عاماً)، حيث قال "إنه يذهب لميناء غزة بشكل يومي حتى في ظل المنخفضات الجوية، وذلك للبحث عن رزقه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها عائلته.
وأضاف بكر أنه يعمل في الميناء بعد الانتهاء من واجباته المدرسية خلال فترة الدراسة، وفي الإجازة يستغل النهار بأكمله في العمل دون الاهتمام للمنخفضات الجوية التي تضرب القطاع بين الحين والآخر، خاصة أن والده هو من أرسله للعمل، بعد خسارة عمله، للمساعدة في إعالة المنزل الذي يتطلب الكثير من الاحتياجات الضرورية.
وأشار إلى أنه يعطي كل ما يجني من بيع المشروبات الساخنة لوالده ويأخذ فقط المصروف اليومي الذي لا يتعدى شيكلا واحدا، ليشعر أنه ينجز شيئا لعائلته، وأنه غير حزين بذلك العمل خاصة أن أطفالا في سنة يلهون ويلعبون ويعيشون طفولتهم.
حال الطفل مصطفى أبو خضير الذي لم يتعد الحادية عشرة من عمره وشقيقه أحمد في الثالثة عشرة، لم يكن أفضل من سابقه، حيث يتجه الشقيقان إلى ميناء غزة رغم المنخفضات الجوية لوجود العديد من المواطنين يتنزهون هناك، لذلك يضطران للذهاب لبيع بعضا من فناجين القهوة والشاي.
بابتسامة جميلة تخفي الكثير من التعب والألم يقول مصطفى إنه يتوجه للميناء لمساعدة والده الذي يعمل صيادا ويعيل سبعة من الأولاد وسبعة من البنات في مصروفهم، مشيراً إلى أنهم يعملون يومياً من الصباح حتى الساعة العاشرة مساء لطلب الرزق.
مصطفى يجري بسرعة البرق بين المتواجدين في الميناء ليسألهم إن كانوا يريدون تناول مشروبات ساخنة، ليأخذ طلبيتهم ويرسلها إلى أخيه ليجهزها بسرعة، ويعود بها لمن يريد، وطوال النهار يكون الشقيقان على هذا الحال، ويحاولون عدم الالتفات لأطفال من أقرانهم يلعبون أو يلتقطون الصور بالهواتف الذكية التي يتمناها أي شخص في ظل وضعهم السيء.
وبعد استراحة لعشر دقائق على المقعد، يأتي طفل آخر ممن يعملون ويسأل "شاي، قهوة، نسكافيه، وخلال حديثنا معه، قال لنا الطفل محمد أبو ناجي (15 عاما) إنه يعمل في هذا المجال لمساعدة والده حيث لا يمكن للوالد أن يكون بسرعة الطفل في التجول بين الزبائن وسؤالهم عن الطلبية.
وبعد سؤاله عن المدرسة أجاب بحزن شديد: تركتها قبل ثلاثة أعوام" ووجهنا له سؤالا لمعرفة السبب؟ فرد بنبرة مخنوقة: انتي شايفة الوضع كيف"، مضيفاً أن الوضع الاقتصادي الذي تمر به عائلته لا يسمح له بالدراسة، لمساعدة والده في العمل، والحصول على الرزق في محاولة لتلبية احتياجات البيت.
محمد يحدثنا وهو يلتفت إلى الأطفال في سنه من الذين يأتون بصحبة عائلاتهم للتنزه، متمنياً أن يعيش حياة كريمة، مثل ذهابه للمدرسة التي حرم منها بسبب سوء الوضع الاقتصادي، واللعب مع أصدقائه، والخروج معهم، بالإضافة لكل شيء حرم منه.
ظاهرة منتشرة
الأخصائي الاجتماعي والنفسي إياد الشوربجي، أكد لـ"شمس نيوز" أن ظاهرة عمالة الأطفال منتشرة بشكل واضح في قطاع غزة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى التربية الخاطئة في الأسرة، والتفكك الأسري، وغياب الوعي الأسري، وبعض الآباء يجبرون أبناءهم على العمل لعدم قدرة ولي الأمر على كسب الرزق.
وقال الشوربجي: إن براءة الأطفال تجعل مستوى الوعي وقدرتهم على البيع والشراء ضعيفة، لذلك الطفل يكون عرضة لمخاطر كبيرة، كالاستغلال الاقتصادي، أو الاستغلال الجنسي، أو عرضة لحوادث السيارات، بالإضافة إلى أنه يكون عرضة للكثير من الأمراض لأن قدرة الطفل الجسدية على التحمل ضعيفة.
وأشار إلى أن غياب الطفل عن الأسرة التي تعتبر الحضن الأساسي للتربية، ولجوءه للعمل في الشارع، وتحمله المسؤولية مبكراً، وتكليفه بأعمال شاقة، يترك آثارا سلبية على شخصية الطفل، خاصة أنه يجب توفير الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية الاقتصادية له في الأسرة.
ونوًّه إلى أن عمالة الأطفال مسؤولية تقع على عاتق جهات متعددة كالمجلس التشريعي "فيجب عليه سن القوانين التي تمنع عمالة الأطفال، إلى جانب دور الشؤون الاجتماعية في توفير الرعاية لأسر هؤلاء الأطفال حتى لا يلجأوا للعمل، ومسؤولية على وزارة الثقافة ووزارة الإعلام في نشر الوعي والثقافة بالمجتمع لحماية الأطفال".