شمس نيوز / عبدالله عبيد
تصوير/ حسن الجدي
عند الساعة العاشرة ليلاً أخذ الأب محمد أبو هندي ( 38 عاماً) أحد بناته ليجلس على شاطئ البحر الذي لم يبعد عن منزلهم بأمتار عدة، بعد انقطاع التيار الكهربائي عند منطقة "الشمالي" بمخيم الشاطئ لساعات طويلة كما العادة، لعل نسمات البحر تنسيه هموم الفقر والحصار والأوجاع التي يعانيها كما أي مواطن يعيش في قطاع غزة.
محمد أبو هندي يعيل ستة من الأطفال حرموا من طفولتهم جراء حصار ظالم نهش أجسادهم الصغيرة لأكثر من عشرة أعوام، خصوصاً وأن والدهم أقعده المرض عن العمل منذ سنوات عديدة، فلم يشفع لفقرهم لا مرض ولا حصار ولا حتى كهرباء!
فبعد أن أخذ الأب ابنته الصغيرة وترك أطفاله الخمسة في البيت، أخذت أمهم ترتب ملابس كل واحد منهم للذهاب إلى المدرسة، وخلدت يسرى ورهف وناصر إلى النوم عند الحادية عشر ليلاً، أما الطفلين الآخرين فقد ذهب إحداهما مع والدته إلى أحد بيوت جاراتها، بحسب ما قاله أحد أقارب شهداء عائلة الهندي.
ويضيف قائلاً لـ"شمس نيوز": أشعلت الأم شمعة ووضعتها في غرفة الأطفال ثلاثة نائمين وواحد منهم كان ممدد على فرشته ينتظر عودتها حتى تعطيه الدواء الذي ينتظره"، مشيراً إلى أنها ذهبت لأحد بيوت الجيران للحصول على دواء لطفلها الذي أصابته السخونة فجأة.
لم تتعدَ الثلاثة دقائق حين عودتها من بيت جيرانها إلى بيتها المتواضع الصغير الذي يحتوى فقط على غرفتين وحمام، حتى تقف على عتبة المنزل وترى ما لا تصدقه العين..!
الصدمة الكبرى كانت حين رؤيتها لأدخنة النار المتصاعدة شيئاً فشيئاً من المنزل، ومن شدة هول المنظر لم تقدر الأم الثكلى على مشاهدة النيران وهي تتكاثر داخل البيت خصوصاً وأن الأطفال نائمين جميعاً، لتصرخ بأعلى صوت " الحقوا أطفالي.. الأولاد ماتوا..!".
بدأ الجيران يتوافدون إلى المكان ومن شدة النيران لم يستطع أحدهم أن يدخل وينقذ لو طفلاً واحداً، إلا أنهم اتصلوا على سيارات الدفاع المدني والإسعاف، لكن .. يقول أحد الجيران لمراسل "شمس نيوز"، الذي زار المكان: للأسف أتت سيارات الإسعاف والدفاع المدني بعد 27 دقيقة من الحريق".
وبعد أن أطفأت سيارات الدفاع المدني الحريق وجدوا ثلاثة أطفال "متفحمين" وواحد ما زال ممد على سرير المرض في غرفة العناية المركزة، وأنابيب العلاج تحوط به من كل صوب وحدب، ليرتقي " ناصر ويسرى ورهف" شهداء بفعل الحصار والكهرباء والأزمات والظلم الذي لحق بعائلتهم المتواضعة، بل لحق بكل عائلة تعيش في غزة المنكوبة.
وقبيل تشييع جثمان الثلاثة أطفال قابل مراسل "شمس نيوز" والد الأطفال الذي لم يقدر بنطق حتى كلمة واحدة، فهول المنظر الذي شاهد به أطفاله بعد حرقهم كان أكبر صدمة يلقاها في حياته، ليكتفي قائلاً "حسبي الله ونعم الوكيل".
ولم تكن عائلة أبو هندي الأولى ولا الأخيرة التي عانت من الحرق فقد ارتقى ستة من أفراد عائلة ضهير بالشجاعية جراء حريق بمنزلهم في يناير 2013، وكذلك طفلي عائلة الهبيل " عمر وخالد" مطلع عام 2015، لتستمر حكاية الموت المفجع جراء الحرائق.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن وفاة أطفال عائلة أبو هندي يتحمل مسؤليته كل المحاصرين لقطاع غزة، والذي ينذر بخطورة بالغة على تكرار هذه الآﻻم المؤسفة، في ظل الإنقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
وأضاف أشرف القدرة المتحدث باسم الوزارة، أن لجوء المواطنين إلى استخدام طرق بديلة تسببت في سقوط عشرات الضحايا خلال السنوات الأخيرة التي شهدت وﻻزالت على التلاعب القذر واللاوطني واللأخلاقي بقضية الكهرباء، التي باتت تشكل شبحاً يؤرق كل الأسر الفلسطينية في قطاع غزة، مما يتطلب موقفا فصائلياً أكثر حزماً مع الجهات المسؤلة عن هذه الكارثة اﻻنسانية.
وارتقى 26 شخصاً بينهم 21 طفلاً، جراء استخدام بدائل الكهرباء، كالشمع والغاز، وبإضافة 3 أطفال من عائلة الهندي يصبح عددهم 29 شخصاً بينهم 24 طفلاً، بحسب إحصائية المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.