غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر نظرة تأملية في شعائر الحج

شمس نيوز/شؤون إسلامية

لنقف معاً عند نفحاتٍ وتأملاتٍ إيماني، فنـزيل الستار عن عظمة ديننا وشعائرنا الإسلامية، التي تسبر أغوار النفس الإنسانية للمسلم، فتجعله يجيب على السؤال الكبير:

لماذا كانت هذه الشعائر، وما حقيقتها وحقيقة أهدافها.. ثم ما الهدف الكبير من ركن الحج كله؟!..

إذا صنّفنا شعائر الحج.. فسنجد أنه يتكوّن من الشعائر الأساسية التالية:

1- الإحرام.

2- التلبية.

3- الطواف.

4- السعي.

5- الوقوف بعرفة.

6- النحر.

7- رمي الجمرات.

8- الإقامة بمِنـى.

 

لنلقي نظرةً تأمّليةً تحليليةً على كل شعيرةٍ من الشعائر المذكورة آنفاً :

أولاً : الإحرام خطوة تجهيزية:

في بداية الحج، يجد الحاج المسلم نفسَه أمام أول شعيرةٍ من شعائره، هي الإحرام، فيتحلّل من الثياب المخيطة، وينظّف جسده نظافةً تامةً، ويكشف رأسه، ثم يضع على بدنه -ليستره- قطعتي قماشٍ بسيطتين غير مخيطتين!..

لا يجوز للمُحرِمِ أن يخاصمَ أحداً من الناس.. كما لا يجوز له قصّ شعره أو ظفراً من أظافره، ويُحَرَّم عليه الصيد في الحَرَم، أو اقتراف أيٍ من السيئات، كما يحرم عليه التطيّب بالعطر، أو ممارسة الحياة الزوجية العادية!..

نحن إذن أمام شعيرةٍ يبدأ فيها الموسم التعبّدي للحج، وحتى يكون تنفيذها صحيحاً وكاملاً، وحسب ما تقتضيه أوامر الله _عز وجل_.. ينبغي أن يقوم الحاج المحرِم بما يلي:

ثانياً : التلبية تأكيد على أنّ الحج لله _عز وجل_ وحده لا شريكَ له:

منذ الإحرام ودخوله الحرم الشريف.. يبدأ الحاج بالتلبية ويبقى يلبي حتى آخر مدة الحج تقريباً (حتى رمي الجمرة الأولى).. فيرفع صوته بالنداء حتى يبحّ صوته، كما كان يفعل صحابة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وكما كان يأمرهم رسولنا وحبيبنا _عليه أفضل الصلاة والسلام_:

لبيكَ اللهم لبيك

لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيك

إنّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والمُلك

لا شريكَ لك

 

ثالثاً : الطواف حول قبلة المسلمين ووجهتهم أينما كانوا في الأرض كلها

الكعبة المشرَّفة هي قبلة المسلمين التي يتوجّهون إليها في صلواتهم كلها، وذلك من أي مكانٍ في أصقاع الأرض وأقطارها.. هذه الكعبة الشريفة يأتي إليها الحجاج المؤمنون مُلَـبِّين، ليطوفوا حولها سبعة أشواط، متذكِّرين أنّ هذه الكعبة قد بناها لهم أبو التوحيد والعبودية لله عز وجل وحده: سيدنا إبراهيم، مع ابنه إسماعيل عليهما السلام.. ليشعر المؤمن بمشاعر إيمانيةً خاصةً تجتاح كيانه، فهذه الكعبة ما بناها إبراهيم عليه السلام بأمر ربه سبحانه وتعالى.. إلا لتحقيق وحدة المسلمين في كل أقطار الأرض على هدفٍ واحدٍ، وليعبدوا إلهاً واحداً لا شريك له، وينبذوا كل الآلهة والأرباب المزيّفين على مرّ التاريخ والعصور!..

 

يطوف المؤمنون وهم يهتفون هتاف رسول الله صلى الله عليه وسلم:

بسم الله، والله أكبر

اللهم إيماناً بك

وتصديقاً بكتابك

ووفاءً بعهدك

واتباعاً لسنّة نبيّك

ثم يدعو كل منهم ما يخطر في باله من أدعية، متوجهاً بقلبٍ صافٍ نقيٍ إلى رب العزة جل جلاله، طالباً منه العفو والغفران، والتأييد والدعم في كل شؤون حياته!..

يطوف المؤمنون وفق دائرةٍ لا تنتهي حتى تبدأ من جديد، معاهدين ربّ الأرباب جل وعلا بهتافهم المذكور الذي يعني:

وقفة : تتمّات الطواف :

ثم يصلي الحاج المؤمن ركعتين عند مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام، باني الكعبة قبلة المسلمين، والمؤذِّن للناس بالحج، وداعيهم للقدوم إلى هذا اللقاء العالميّ الواسع من كل أقطار الأرض وأركانها، ليجدّدوا عهدهم عند بيت الله الحرام، بالاستمرار في الحركة والعمل والجهاد حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون دينه ومنهجه هو المحكَّم بين الناس، ويُزال كل طاغوتٍ في الأرض إلى يوم الدين!..

وينـزل الحاج بعد ذلك إلى بئر زمزم، ليعبَّ من مائها المبارك، ويغسل رأسه.. فيتذكّر معجزة الله عز وجل في تفجير مياه هذه البئر إكراماً للسيدة هاجَر زوجة إبراهيم عليه السلام، وإغاثةً لها ولولدها إسماعيل عليه السلام.. وما تزال هذه المياه المتفجرة متدفقةً منذ آلاف السنين.. تفجّرت في صحراء قاحلة، واستمرت، وستستمر بإذن الله.. فشرب منها ملايين الملايين.. وسيشرب منها ملايين أخرى وأخرى.. يتذكّر الحاج المؤمن بكل ذلك، أن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، وهو وحده ناصر المؤمنين وقاهر الجبارين مهما بلغت قوتهم.. وكما تفجّر المستحيل بتفجير ماء زمزم واستمرار تدفّقه.. فسيبزغ فجر الإسلام والمسلمين من أعماق المحنة والإحباط.. وكما أغاث الله جل وعلا السيدة أم إسماعيل وولدها إسماعيل عليه السلام، في مكانٍ ووقتٍ لا يمكن فيهما –بمعايير البشر- أن تتم الإغاثة.. فهو سبحانه وتعالى سيُغيث المجاهدين في سبيله بنصرٍ وفتحٍ من عنده، يتحقق من أعماق المعاناة وحلكة الظلام، مهما اشتد اسوداداً وقتامةً ومأساويّة!..

 

رابعاً : السعي بين الصفا والمروة تجديد للعهد مع الله عز وجل

ينطلق الحجاج المؤمنون إلى المسعى، فيحثّون السير سبعة أشواطٍ أيضاً بين جبلي الصفا والمروة.. إذ يرتقون الصفا هاتفين بأعلى أصواتهم:

(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمدُ، يُحيي ويُميتُ، وهو على كل شيءٍ قدير.. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحده).

ثم يهتفون مثل ذلك أيضاً عندما يرتقون المروة..

وهكذا في كل شوط، سبع مراتٍ متتاليات، ذهاباً وإياباً.. يرتقون جبلاً، ويهبطون وادياً، ويسيرون في سهل.. يمشون تارةً، ويُسرعون ثانيةً (بين الميلين الأخضرين).. إلى أن ينتهوا من أشواطهم السبعة، داعين الله عز وجل ومسبّحين ومُلَبـِّين.. وكأنهم يجدّدون عهدهم مع الله جل وعلا ويؤكّدون عليه.. إنه عهد العمل والجهاد والدأب المستمر في سبيل الله سبحانه وحده.. فما إن يبدأ المسلم المؤمن بالسعي فيقطع مرحلةً من مراحل عمله ودأبه لنصرة دينه.. حتى يعودَ إليها من جديد، ليتفقّد ما أنجز.. فيسدّد ويصوِّبَ ويؤصِّل.. ويتأكّد من ثباته على الطريق المستقيم القويم، من غير انحرافٍ أو ابتعادٍ عن هدفه.

خامساً : الوقوف بعرفة تتويجٌ لإعلان العبودية لله عز وجل وحده

هناك في عرفات يُتمَّم البناء، وتكتمل حلقة التوجّه إلى خالق الـخَـلْق أجمعين.. التي تبدأ من اللقاء بالصلاة جماعةً في مسجد الزقاق، ثم بصلاة الجمعة في مسجد الحي، ثم بصلاة العيد في مُصلى المدينة.. وهاهو العالَم كله يلتقي الآن هنا في عرفات!.. حيث يتجلّى الله تبارك وتعالى على عباده، فيُباهي بهم ملائكته، فهؤلاء هم المؤمنون جاؤوه شُعْثاً غُبْراً يعاهدونه على الجهاد في سبيله، وفي سبيل تنفيذ أوامره في الأرض كلها، والاستمرار على حياة الدعوة والعمل والجهاد حتى الموت!..

سادساً : رمي الجمرات براءةٌ من الشيطان اللعين

يرتاح الحجاج المؤمنون المسافرون في مِنى، فهي محطة تفصل ما بين مكان العهد مع الله عز وجل في عرفات، وبين بقية أنحاء الدنيا التي سينفَّذ فيها ذلك العهد الوثيق!..

ومن (مزدلفة) يجمع المؤمنون الحصيّات التي سيرجمون بها إبليس اللعين، زعيم الطواغيت وربهم المزيَّف الأكبر.. وبذلك، فالمؤمنون بعد أن عاهدوا الله سبحانه وأعطوه الميثاق الغليظ بأن يعبدوه وحده لا شريك له.. يتوجّهون لتأكيد عهدهم وميثاقهم الغليظ.. يتوجّهون للبراءة من الشيطان الرجيم، والوسواس الخنّاس، الذي يفتن الناس ليحرفهم عن طريق الحق.

سابعاً : النحر إراقةٌ للدم في سبيل الله سبحانه وحده

يتوجّه بعد ذلك الحجاج المؤمنون إلى المنحر، ليريقوا أغلى شيءٍ في الحياة الدنيا.. ليريقوا الدم لله عز وجل.. رمزاً على أنّ الدماء أرخص من المبادئ والعقيدة، فدون إسلامنا ومنهجنا.. دماؤنا وأرواحُنا رخيصةً في سبيل الحي القيوم جل جلاله، وفي سبيل تحقيق منهجه العظيم في الأرض كلها!..

ثم يتوجّهون إلى مكة ليطوفوا ويسعوا من جديد.. لتجديد العهد وتأكيده مع الله عز وجل.

 

ثامناً : العودة إلى مِنى استعداد لدخول أروقة الدنيا ودار الامتحان الكبير

ثم يتوجه الحجّاج المؤمنون إلى مِنى للإقامة فيها يومين أو ثلاثة من أيام العيد.. وتلك فترة أكلٍ وشربٍ كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها يتحلّل المؤمنون من ثياب الحج الخاصة، ويرتدون ثيابهم العادية التي سيعيشون بها في دنياهم.. وفيها يأكلون من لحوم ضحاياهم التي أراقوا دماءها لله عز وجل، وفيها يتعارفون، ويستعدّون لدخول أبواب الدنيا المختلفة، برفض مناهج الشيطان وتلامذته من الطواغيت المتسلِّطين والأرباب المزيَّفين.. وذلك برجم زعيم الباطل إبليس اللعين، سبعاً.. سبعاً، في كل يومٍ عند العقبات الثلاث.. يرجمونه وهم يصرخون:

(باسم الله، والله أكبر).

فيؤكّدون بذلك أن: (باسم الله) نرميكَ ولن نعمل بما توحيه إلينا أو توسوس به أيها الباطل اللعين.. (والله أكبر) منكَ ومن كيدكَ أيها المزيَّف الرجيم!..

بعد ذلك يغادرون إلى مكة ليطوفوا بها طواف الوداع، مؤكّدين عهد الله للعمل الدائب في سبيله.. مودِّعين بيته الحرام ورمزَ توحيده، متوجّهين من جديدٍ إلى بلادهم وديارهم المتناثرة في كل أرجاء المعمورة، حمُاةً لدينه، ودُعاةً لمنهجه، وجنوداً لإعلاء كلمته في كل بلدٍ وركنٍ من بلاد الأرض وأركانها!..

 

تاسعاً : زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلَّغ الناس دينهم

إنها المحطة المهمة التي يتوقّف فيها الحاج في ذهابه وإيابه، أو في أحدهما.. فيزور مسجد الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.. يزور المجاهد الأول الأعظم الذي بلّغ رسالة ربه للناس، وجمعهم عليها، فبلغت ثمار جهده وجهاده أقاصي الأرض، فقضى على كل طاغوتٍ يحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، وأزاح كلَّ ربٍ مزيَّفٍ يستعبد الناس، ويُذِلّهم، ويمتهن كرامتهم!..

عاشراً : العودة إلى الوطن بمغفرةٍ ربانيةٍ وعزيمةٍ لا تلين

يعود الحجاج المؤمنون إلى أوطانهم المختلفة، وفي طريق عودتهم كلما ارتقوا جبلاً، هتفوا:

لا إله إلا الله وحده لا شريك له (الهدف)، له المُلْكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيءٍ قدير (لا يفلت من حسابه أحد من الخَلْق).. آيبون تائبون (من تقصيرنا الذي مضى)، عابدون ساجدون لربنا حامدون.. صدق الله وعده (وسيصدق حتماً في كل حين).. ونصر عبده (وسينصر عباده دائماً).. وهزم الأحزاب وحده (وسيهزمهم في كل وقتٍ وعصرٍ وحين)!..