بقلم / د.مصطفى البرغوثي
أصبح المناضل نيلسون مانديلا أيقونة عالمية لأسرى الحرية بعد أن قضى سبعة وعشرين عاما في سجون النظام العنصري قبل أن ينال حريته.
في فلسطين مئات من الأسرى الذين يصلح اسم كل منهم ليكون أيقونة للنضال من أجل الحرية، أحدهم هو نائل البرغوثي المناضل الفلسطيني الأسير الذي أصبح اليوم السجين السياسي الأطول اعتقالا في العالم، بعد أن قضى في سجون الاحتلال ما يزيد على ستة وثلاثين عاما، أي أكثر من نصف أعوام عمره التسعة والخمسين.
اعتقل في الرابع من نيسان عام 1978 وعمره لم يتجاوز عشرين عاما وأمضى ثلاثة وثلاثين عاما متتالية حتى أفرج عنه في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 ضمن صفقة "وفاء الأحرار" مع الأسرى الفلسطينيين الذين أفرج مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي شاليط.
لكنه اعتقل مجددا في الثامن من يونيو 2014، وحكم جورا بالسجن لعامين ونصف بتهمة إلقاء خطاب في جامعة بيرزيت، وكان يجب أن يفرج عنه قبل نهاية العام الماضي ولكن الاحتلال يماطل في محاولة لإعادة حكمه القديم بالسجن المؤبد.
تعرف نائل البرغوثي على من ستصبح زوجته أمان نافع عبر شاشة التلفزيون عندما اعتقلت عام 87 وزج بها في سجون الاحتلال لعشرة أعوام.
وعرض عليها فكرة الزواج بالرسائل وهو ما زال أسيرا عام 1997، وقبلت بعد تفكير طويل أن ترتبط به رغم استحالة اللقاء به بعد خمس سنوات من عرضه، وكان عليهما أن ينتظرا تسع سنوات أخرى قبل أن يستطيعا اللقاء والزواج بعد شهر من الإفراج عنه عام 2011.
وقبل أن يفلحا في بناء عائلتهما الصغيرة، عاد جيش الاحتلال لاعتقاله وأسره مجددا، ولم يحظ بتنفس الحرية سوى 32 شهراً فرضت عليه خلالها الإقامة الجبرية في منطقة رام الله، وكان عليه أن يثبت وجوده بانتظام لدى معسكر الاعتقال.
مات والده ووالدته وهو في الأسر، ولم يستطع لا المشاركة في جنازتيهما ولا تقبل العزاء فيهما، ويوم أفرج عنه في المرة الأولى، لم يجد سوى أخته في انتظاره لأن أخاه عمر كان في الاعتقال الإداري المتواصل، واليوم يمنعون شقيقته وكل أسرته باستثناء زوجته من زيارته.
قالت لي زوجته إنه لم يتناول الطعام أو الماء لخمسين ساعة أثناء مثوله الأخير أمام المحكمة، لأنه كان طوال خمسين ساعة مقيد اليدين والرجلين بالسلاسل وممنوعا من الوصول إلى دورة المياه. وإذا سمح بإعادة فرض الحكم المؤبد عليه فسيكون نائل البرغوثي واحداً من اثنين وأربعين أسيراً أعاد الاحتلال فرض عقوبة المؤبدات عليهم بعد أن أفرج عليهم في صفقة شاليط، فيما يظهر مدى استخفاف حكومة نتنياهو بالاتفاقات التي تعقدها وبالدول التي رعت تلك الاتفاقات وضمنتها.
معمر الجعبري وبسام النتشة هما اثنان من ستة أسرى من القدس أعيد فرض الأحكام المؤبدة عليهم دون سبب سوى الانتقام من الشعب الفلسطيني الثائر على الاحتلال.
علاء البازيان أسير ضرير من القدس قضى أكثر من 27 عاما في السجون وعندما أطلق سراحه تزوج ورزق بابنة، وكانت زوجته حاملا بابنته الثانية عندما أعادوا أسره فولدت ابنته الثانية بعد أن أعيد فرض الحكم المؤبد عليه.
بعض الأسرى مثل فخري البرغوثي، وقد أمضى أيضا ثلاثة وثلاثين عاما في السجون لم يستطع معانقة طفليه اللذين ولد أحدهما بعد اعتقاله، إلا بعد أن كبرا واعتقلا وزج بهما في السجن نفسه الذي كان محتجزا فيه، وعندما عانق أبناءه لم يستطع جميع الأسرى والسجانين الذين شاهدوا اللقاء أن يحبسوا الدموع في عيونهم، أما كريم يونس فقد بدأ عامه الخامس والثلاثين في سجون الاحتلال.
وهناك اليوم سبعة آلاف أسير وأسيرة منهم عدة نواب منتخبين في سجون الاحتلال، ومن بينهم 480 طفلاً وبعضهم لم يتجاوز عمره 12 عاما، وبينهم ثمان وستون مناضلة فلسطينية، وأربعة وعشرون أسيرا مصابون بالسرطان، وبعضهم مبتور الأرجل، وآخرون مهددة حياتهم بالموت بسبب أمراضهم ومحرومون من العلاج والرعاية اللائقة.
وهناك عشرة أسرى أمضوا في السجن أكثر من ثلاثين عاما و35 أسيرا تجاوزوا عدد سنوات اعتقال نيلسون مانديلا.
أما أكثر الأمور وحشية وفظاظة فهو أن إسرائيل تعتقل حتى جثامين الشهداء لأشهر طويلة ورفات بعض الشهداء ما زال محتجزا منذ أربعين عاما.
بعد هذا كله أيحق لأي كان أن يلوم الفلسطينيين على مقاومة الاحتلال؟