شمس نيوز/ توفيق المصري
تصوير/ حسن الجدي
وضعت الطفلة منة الله البيطار (13 عاماً) إعاقة بصرها في حقيبة المدرسة وارتدت بدلة الكراتيه فور انتهاء الدوام، مدت يدها نحو وجه أخيها وهي تسدد لكمة مليئة بالقوة، ثم ألحقتها بركلة من قدمها نحو خاصرته، في صورة تمثيلية لاعتداء عليها.
بصوت يملؤه التحدي والاصرار، وهي تتلقى التمرينات داخل أكاديمية المشتل لألعاب الدفاع عن النفس غرب مدينة غزة، قالت الطفلة منة الله: "الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لهم الحق في الحياة، ولهم الحق بالمشاركة في المجتمع".
"كفيفة لكني أبصرك أمامي، لا تمد يداك، أرى حركتها، تجول في المكان وسأشعر في أي منطقة تسير".. بهذه الكلمات أدخلت الطفلة منة الله مراسل "شمس نيوز" تجربة عملية لتتبع خطواته، كانت كفيلة بإثبات أن الاعاقة ليست إعاقة الجسد.
وتضيف منة الله، وهي تلتقط أنفاسها أثناء التدريب، لقد اتجهت مع بداية عام 2017 لتعلم رياضة الكراتيه؛ لتغيير الصورة النمطية عن المكفوفين، وبالأخص الفتيات "الجناح المكسور" لتجعلها قوية قادرة على الدفاع عن نفسي.
وتمارس الطفلة منة الله رياضة الكراتيه، عن طريق الإدراك الحسي منذ أسبوع، وانتقلت لتدريب آخر أكثر عمقًا في الرياضة، في كيفية مواجهة التحديات والاعتداءات.
"لا أرى فرحته لكني أشعر بها، فهو وفّر لي كل الأدوات المطلوبة ويدعمني، والدي هو عيني التي لم أبصر، ولدعمه أنا أشعر بفرحة كبيرة والثقة بالنفس لأنه جعلني أول طفلة كفيفة تمارس رياضة الكاراتيه في غزة".. تقول الطفلة منة الله عن الفرحة التي أدخلها والدها إلى قلبها.
وتتمنى منة الله، أن تشارك تمثيل فلسطين في المسابقات الدولية ، وبحافز تتجاهل إعاقتها تتمنى أن تصبح بطلة المستقبل لهذه الرياضة والحصول على جوائز عالمية.
يـأخذ المدرب حسن الراعي (38عاماً)، على عاتقه تدريب الأشخاص ذوي الإعاقة "بالمجان"، المدرب الراعي حاصل على التصنيف الآسيوي في التدريب والتحكيم، ويعمل على تدريب المكفوفين وفق برنامج الادراك الحسي العالمي المخصص لتدريب الأشخاص ذوي الإعاقة من الإعاقة البصرية.
ويقف أمام الطفلة منة الله أخيها مؤمن-الكفيف أيضاً- والذي يكبرها بأعوام، يشجعها لتسدد نحوه المزيد من اللكمات، حتى تتقن هذه الرياضة.
أخيها مؤمن (16عاماً) اللاعب في المنتخب الفلسطيني لذوي الاعاقة، بدأ حديثه، قائلاً: "إن هذه الرياضة أعطتنا الثقة بالنفس والعزيمة والإصرار والإرادة لهزيمة الاعاقة".
دفعة أمل لهما
ويضيف الشاب مؤمن، أنه يمارس هذه الرياضة منذ وقت سابق هو وزملاء له كفيفين، لكنه وجد رغبة أخته منة الله في ممارسة هذه الرياضة دفعة أمل لهما.
وحول ممارسة أخته رياضة الكاراتيه، يقول "إن هذه الرياضة بالنسبة لبنت هي أهم من الشباب ولكونها مكفوفة، فمن الممكن أن يتم التعدي عليها بالضرب، فهي لا بد أن تتمتع بأساسيات الدفاع عن النفس بعزيمة قوية، من أجل اثبات نفسها".
وبعزيمة وتحدي، يتابع: "الحمد الله تخطينا حاجزاً كبيراً ما بيننا وما بين الأسوياء، وهناك الكثير منهم لا يمارسون هذه الرياضة، وإن شاء الله نصل لحلمنا وأن نصل للحزام الأسود".
عن المعيقات
يتحدث الشاب مؤمن أن المعيقات التي تواجههم هي في وسائل النقل والمواصلات، في ظل عدم تبني أي مؤسسة لهم.
ويتساءل: هل الكفيف يشكل خطراً على الاحتلال الاسرائيلي؟، مضيفاً: "في شهر 8 من العام 2016، كان من المفترض أن أخرج عبر معبر إيرز(بيت حانون) للمشاركة في بطولة في نابلس".
ويسرد بالقول: "فوجئت برفض الاحتلال إعطائي تصريحاً، علماً بأنه قبل المنع الأخير بمدة 4 شهور خرجت عبر إيرز إلى دبي، ومثلت فلسطين وحصلت على مرتبة الأول على فلسطين والثالث على مستوى العالم، كما وحصلت جوائز ببطولة على مستوى غزة".
أب لمكفوفين
كالجبال شامخاً، لم تسقط منه دمعة تحدث حازم البيطار (42 عاماً) الأب لـثلاثة أبناء مكفوفين، منهم منة الله، ومؤمن، وأكبرهم معتصم، سخر نفسه لخدمة أبنائه عبر توصيلهم ومرافقتهم، ووصل لأبعد من ذلك عبر الاقتراض من أحد البنوك؛ لشراء سيارة تسهل وتيسر عليه وعلى أبنائه الوصول لمقاصدهم، في ظل تغلبهم المستمر.
استهل أبو معتصم، قوله: "قبلت بطرح أحد المدربين لتدريب ابني في البداية، وبعدها لتدريب ابنتي، وهذا جعلني أفكر بعمق أن ابنتي تحتاج للقوة، بغض النظر كونها فتاة وتمارس رياضة تبدو شابة، وليكونوا بذلك من أوائل المكفوفين في تعلم هذه الرياضة، وذلك لكسر الإعاقة خاصة أن بيتاً كل أبنائه مكفوفين ولإضافة رونق إلى حياتهم".
ويشير الأب إلى، أنه كان يعمل موظفًا حكوميا في المعابر والحدود قبل أحداث الانقسام، وأن راتبه 2400 شيكل لا يكفي لتلبية احتياجات أبنائه، من ماكينات "برايد" لتعلم الكتابة، مطالباً كل المؤسسات الانسانية بدعم أبنائه، في ظل عدم تبني أي مؤسسة لإعاقتهم وفي ظل عدم تلقيهم للشؤون الاجتماعية.