بقلم / صادق الشافعي
لا تزال زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة واجتماعه مع الرئيس ترامب والنتائج التي خرجت عن الزيارة، تتفاعل على اكثر من مستوى.
نتائج الزيارة وأداء نتنياهو أرضت معسكر اليمين وفي أساسه ومقدمته معسكر الاستيطان. حتى نفتالي بينيت الأكثر يمينية وتمسكاً بتوسيع الاستيطان ومنافس نتنياهو الأول على زعامة اليمين وعلى قيادة الدولة مدح أداء نتنياهو، بالذات انه التزم بما طالبه به ولم يأتِ على ذكر «دولة فلسطينية».
الزيارة الهامة استعادت حرارة العلاقة التحالفية بين أميركا ودولة الاحتلال إلى درجة لم تصلها قبل ذلك. نتنياهو قال عن ذلك: أقول لكم بمسؤولية، لم يكن هناك صديق أكبر لإسرائيل من الرئيس ترامب. هذا يوم جديد لعلاقات إسرائيل- الولايات المتحدة.
لكن أهم النتائج العملية، هي أن أميركا ترامب تخلت عن وشطبت «حل الدولتين» بوصفه الحل الأساسي الذي تبناه المجتمع الدولي، فشطبت بذلك موقفاً التزمت به طوال سنوات أوباما الثماني على الأقل.
لا يغير من هذه الحقيقة قول ترامب الرجراج غير الحامل لأي اقتراح أو مشروع بديل أن لا فرق لديه ان يكون الحل في حدود «دولة واحدة، دولتان، ما تقررونه أنتم» ( بلا تحديد لمن تعود «أنتم»، لكن الجو العام يؤكد أنها تعود لدولة الاحتلال).
ولا يغير من الحقيقة أيضا، قول مندوبة أميركا في الأمم المتحدة ان واشنطن تدعم حل الدولتين بين الفلسطينيين وإسرائيل لكنها تفكر في بدائل (خارج الصندوق).
في مقابل هذه الحقيقة لم يأت الرئيس الأميركي على ذكر إنهاء الاحتلال ولا الاستيطان، وأعطى بذلك ضوءاً أخضر لدولة الاحتلال للاستمرار فيهما. وهو لم يأت على نقل السفارة الأميركية الى القدس، فهي، كما يبدو، لم تكن من أولويات نتنياهو تأجيلا لردة فعل الدول العربية التي يأمل بإقامة علاقات معها.
في المقابل، فان نتنياهو كان حريصاً أن يبرز بجلاء موقفه الرافض لحل الدولة الواحدة ولحل الدولتين أيضاً «لا أريد ان أحكم مليوني فلسطيني،... ولكن أيضاً لستُ معنياً بأن أكون عرضةً لاستقرارهم المهزوز». وكان حريصاً بعد اللقاء مع الرئيس ترامب وفي مقابلة تلفزيونية، على إيضاح شروطه للسلام، متجنباً تماماً تعبير دولة «ليس مهماً التسميات، المهم المحتوى. السلام يتطلب من الفلسطينيين القبول بإسرائيل كدولة يهودية، والتخلي عن أفكارهم وأوهامهم بتدمير إسرائيل، وإسرائيل تتمسك بحقها بالسيطرة الأمنية على غور الأردن وإلا سوف نحصل في المناطق الفلسطينية على دكتاتورية إسلامية أُخرى».
ما تقدم بقدر ما يعطي مواقف العدو درجة عالية من الوضوح تصل حد الصفاقة والخطورة العالية، فانه يطرح عدداً من العناوين الأساسية والأسئلة:
العنوان الأول، أن دولة الاحتلال تعلن نفض يدها نهائياً من فكرة قيام دولة فلسطينية مهما كانت محدودة المساحة والصلاحيات، ومعها تنفض يدها من مشروع الدولتين الذي يتبناه المجتمع الدولي.
هي لم تكن يوما مقتنعة وقابلة حقيقة بأي من المشروعين، لكنها وصلت الآن إلى حال من التمكّن تسمح لها المجاهرة بذلك. لعب الدور الأساسي في وصولها الى حال التمكّن هذا، توسعها الهائل في الاستيطان بالذات مع قراراتها الأخيرة بناء 6000 وحدة استيطانية جديدة، ومع ما يفتحه قانون التسوية الأخير من آفاق واسعة للاستيطان بحيث يصبح حل الدولتين غير قابل للتطبيق عملياً وواقعياً. واستفادت الى ذلك من حال تردي الوضع العربي العام، وأيضاً من انتخاب الرئيس الأميركي ترامب ومواقفه شديدة الانحياز والدعم لها.
العنوان الثاني، أن بازار الجدل، بين قوى ومكونات دولة الاحتلال، حول مشاريع بديلة عن الدولة الفلسطينية قد فتح على آخره.
كل المشاريع المطروحة تتفق في الجوهر على مشتركات:
أولها أن البديل للدولة الفلسطينية، كيان إداري تقوده إدارة فلسطينية بدون سلطات سياسية او أمنية أو عسكرية، حيث تبقى هذه السلطات حصراً بيد دولة الاحتلال ومباشرتها. وانه لا يشمل القدس ولا الأغوار، ولا يشمل بالطبع المستوطنات.
وانه يقام على ما يتبقى من الضفة الغربية على مساحة لا تشكل اكثر من 40% من مساحة الضفة الكلية بعد ضم المستوطنات.
بازار الجدل لا يستثني فكرة التبادل السكاني (المقايضة) للتخلص من عدد كبير من فلسطينيي 1948 بالذات في منطقة المثلث، ولا يستثني العودة الى الحكم الإداري المباشر للمناطق، ولا حتى الكونفدرالية مع الأردن.
العنوان الثالث، ان دولة الاحتلال تناور للهروب من الحل أولاً مع الفلسطينيين، الى استعدادها للحل أولا مع العرب، ودون ان تعلن قبولها المبادرة العربية، وبحيث يأتي السلام مع الفلسطينيين ملحقاً ونتيجة للسلام مع العرب، في اتجاه معاكس تماماً لما تنص عليه المبادرة العربية.
والسؤال، هل تستطيع الولايات المتحدة تعميم موقفها بشطب حل الدولتين ليصبح موقفاً للمجتمع الدولي أو على الأقل لدوله النافذة. أم أن المجتمع الدولي سيكون قادراً على امتصاص الاندفاعة الأميركية وحصرها في حدود علاقاتها الثنائية مع دولة الاحتلال.
الرهان ليس سهلاً والنجاح فيه سوف يعتمد على صلابة الموقف العربي الفردي والجماعي في رفضه ومقاومته لشطب حل الدولتين سواء في مواقفه الفردية والجماعية، أو في علاقاته الثنائية مع أميركا، أو بمواقفه في منظمات وهيئات المجتمع الدولي، وفي سد الثغرات التي تنفذ منها ادعاءات دولة الاحتلال. وأيضاً في تصعيد الدعم والاحتضان لنضال الشعب الفلسطيني وصموده والاحتضان الجماعي لحركته السياسية المتمسكة بحق قيام دولته.
والرهان سوف يعتمد بداية وقبل ذلك، على وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة هذا الخطر وانسجام وتكامل أداء مكوناته الرسمية والتنظيمية والشعبية، وعلى نجاحه في تجاوز انقسامه، أو على الأقل النجاح في تحييده وتسكينه.