شمس نيوز/ توفيق المصري
مدّ أبو سمير يده في خزانة ملابسه، ليلتقط مفتاحًا، خبأه لئلا يكتشف أحدًا ما ورائه، واصطحبنا معه بخطوات بطيئة، ليطلعنا على كنزه.
داخل قبو منزله بحي الرمال الجنوبي غربي مدينة غزة، يخصص الحاج أبو سمير عكيلة (71عاماً)، أحد الزوايا لمقتنيات يحتفظ بها منذ طفولته، ومنها ما فاقت عمره وتناقلها عن آبائه وأجداده، يحفظ أسماءها وتاريخها جميعا كباطن كفه.
يقول أبو سمير لمراسل "شمس نيوز" وهو ينفض الغبار عن إحدى القطع، "الإنسان بلا تراث وتاريخ لا يعيش".
البابور النحاسي
يصمت أبو سمير، ويترك الحديث لقطعه النادرة، ويدخلنا في موجة من الاندهاش؛ فقد انكب منذ طفولته على الاحتفاظ بالقطع، منها ماتور مياه بريطاني يعود للعام 1938، وأخذه عن آبائه وأجداده، وماتور مياه آخر مدشن ومحفور اسمه "بلاك ستون" وهو انجليزي الصنع ويعود تاريخه لعام 1940.
يتنقل بحذر بين مقتنياته، ويمسك "بابور" كاز نحاسي، اقتناه عن جدته التي استخدمته قبله وعمره أكثر من 70 عامًا، كانت قد أحضرته معها من مصر عام 1950.
واضطر أبو سمير، لاستخدامه وتشغليه خلال عدوان عام 2014 على القطاع، وذلك بعد انقطاع الغاز عنهم.
أما ماكينة الخياطة !
لا يخفي أبو سمير غبطته، وهو يروي تاريخ مهنته، والتي عمل على نقلها لأبنائه، ويُحن لذلك التاريخ وهو يمسك بماكينة خياطة أشبه بتحفة فنية استخدمها في شبابه خلال عام 1970 إلى 1980، وعمرها الآن أكثر من 100 عام، وهي ماكينة صنعت في مدينة شيكاغو الأمريكية موديل عام 1910، وتحمل اسم "اون يون اسبشال".
كما يروي لنا بأنه تخلى عن ساعة سويسرية الصنع ماركة "تل" ورثها عن والده، وعمرها يزيد عن 70 عاماً، ليهديها لأحد أبناءه، وهي من طراز الساعات الدائرية صاحبة الغطاء تربطها سلسلة تعلق في الرقبة وتوضع الساعة في الجيب.
قاطعته زوجته لتحدثنا الأخرى عن مقتنياتها، فهي تحتفظ بقطع أخذتها من حماتها والتي استخدمتها في مدينة يافا قبل أن تحملها وتهاجر بها إلى غزة عام 1948.
يصعب التفريط بها
تقول: "قطع وأدوات وقوالب الكعك والمعمول تذكرني بالوطن المسلوب، ومحتفظة بهم عن حماتي والتي استخدمتها قبلها والدتها".
وتضيف، لمراسلنا: "هذه القطع يصعب التفريط والتنازل عنها؛ لأنها عاشت تاريخًا، ففي استخدامي لها أشعر بأني أعيش تاريخ ما قبل الهجرة، وأشتم منها رائحة يافا المحتلة".
وإلى جانب أدوات الكعك والمعمول الخشبية، فإن زوجة أبو سمير تحتفظ بصينية تقديم للضيافة منذ عام 1920 عمرها ما يقارب 100 عام، وهي من الزجاج الصافي "كرستال" شبيه بالألماس، بلجيكية الصنع، بالإضافة لكاسات شراب قديمة.
سأورّثها..
وتتابع: "كما استخدموها قبلي، فإني احتفظ بها، وسأورثها لأبنائي وبناتي ولأحفادي إن شاء الله".
في الطابق الثاني لمنزل أبو سمير، تسكن زوجة أخيه، أم منذر عكيلة (60عامًا)، والأخرى تحتفظ ببعض التحف لديها، منها تماثيل صناعة تايوانية، وقوارير ورود عمرها يفوق الـ 40 عاماً، بالإضافة إلى 6 صحون ماركة "روميو وجولييت النادرة"، ورثتها عن جدتها قبل 40 عامًا.
أما الحاج سعدي بلبل "أبو درويش "71عاماً"، ولد وترعرع في مهنة النجارة اليدوية أو صناعة الأدوات الفلسطينية البدائية، والده وأجداده احترفوا قبله هذه المهنة، ومازال يحتفظ بأدواتهم التي استخدموها في صناعتهم ويصل عمرها لـ 150 عام أو ما يزيد.
رغم اقتراب الحاج سعدي من عقده الثامن، إلا أنه يجلس في مكانه على مفترق السنافور من حي الشعف شرق مدينة غزة تماما كما كان يفعل في طفولته.
يحتفظ الحاج سعدي، في ورشته بمعدات الصناعة التي استخدمها أجداده، منها فريزة عمرها أكثر من 80 عاماً، وفارة يقتنيها وعمرها أكثر من 150 عاماً، ومبرد خشبي ومقدح يدوي يعمل بلا كهرباء وعمرهما من عهد الانتداب البريطاني لفلسطين، ومقصاً نادراً أن يعرفه أحد.
يطالب بمتحف!
ويتمنى الحاج سعدي من الجهات الحكومية، تقدير مقتنياته التي لا يمانع في استخدامها في المعارض والمتاحف، معتبراً أنه يجب عليها أن تحتفظ بها، لأن قطعه كفيلة بإيصال رسالة إلى العالم "أن الفلسطيني هو التاريخ وصاحب الأرض".
الشاب سعيد شبلاق (27 عاماً)، فيحتفظ كذلك بقطعة نقود فرنسية بحجم كفة اليد من النحاس، ويعتقد أنها من القطع القديمة والنادرة، تصلح للعرض في المتاحف الفلسطينية.
ويسرد سعيد قصة حصوله على هذه القطعة: "أعتقد أن تاريخ القطعة يعود للعام 1828، وأنها من العملات التي كانت تتداول في فلسطين، عهد الاحتلال البريطاني أو الفرنسي أو العثماني".
ويستذكر الشغف الذي رافقه منذ طفولته ليحصل على هذه القطعة من جده، "هذه القطعة النقدية كان يحتفظ بها جدي من قبلي، وكنت كلما زرت جدي، أتأملها بعد وضعها على رف تذكاري إلى جانب مجموعة من الصور".
ويتابع: "جدي عاش فترة الولاية المصرية على القطاع وقبلها البريطانيين، وتوفي في العام 1989، وسارعت بعد فترة من وفاته لحصولي على القطعة النقدية، والآن أحتفظ بها منذ طفولتي".
ويعمل سعيد باستمرار على تنظيف هذه العملة النقدية؛ من أجل الحفاظ على رونقها، ويعتقد أنها تساوي آلاف الدولارات.
اهتمام غير حكومي
قسم العلاقات العامة في جامعة الإسراء الفلسطينية، افتتح قبل نحو بضعة أشهر متحف خاص داخل المقر المؤقت للجامعة شرقي مدينة غزة ضم المئات من القطع الأثرية النادرة والمتنوعة.
المسؤول عن المتحف، أوضح لمراسلنا، بأن الجامعة بادرت بالبحث عن هذه المقتنيات وشرائها من عدد من المواطنين الذين ورثوها أبّا عن جد، وكانوا يحتفظون بها بعيدا عن أعين الناس.
وأشار إلى، أنه من الضروري بمكان عرض هذه التحف القيّمة والتي تروي تاريخ حضارتنا على جميع الوفود والزوار الأجانب وعلى المواطنين الفلسطينيين خاصة الطلاب؛ كي يتعرفوا على تقاليدنا وعاداتنا وحضارتنا الضاربة في جذور الأرض".
ونوه المسؤول إلى، أن الجامعة الخاصة تنشئ حاليا مكانا أكبر وعلى مواصفات عالمية لنقل المتحف إليه، وذلك داخل مقرها الجديد غربي غزة.