الكاتب / هاني حبيب
لعلّ أولى سقطات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إزاء السياسة الخارجية للولايات المتحدة، تمثلت في الاتصال الهاتفي برئيسة تايوان "تساي إينغ وين" بعد أيام قليلة من فوزه بالرئاسة، الأمر الذي اعتبر، إضافة إلى كونه يخالف البروتوكول، اعترافاً أميركياً بتايوان، ما يخالف السياسة الأميركية الرسمية التقليدية، الأمر الذي استدعى ترامب إلى التراجع، والاتصال بالرئيس الصيني شي جيبنغ، متأخراً، إذ إنه هاتف معظم زعماء العالم قبل هذا الاتصال، لتأكيد السياسة الأميركية التقليدية، باعتبار الصين موحدة وأن تايوان جزء منها، إلاّ أن هذا "الخطأ" الذي تم إصلاحه من خلال المكالمة الهاتفية، ربما أدى إلى مزيد من التفاهم بين البلدين، وأثمرت زيارة الرئيس الصيني إلى أميركا وعقد القمة مع ترامب، سابقة بالغة الأهمية، عندما امتنعت الصين عن التصويت، حول مشروع مجلس الأمن حول "خان شيخون" بدلاً من التصويت التقليدي بالفيتو إلى جانب الاتحاد الروسي، حول مثل هذه المشاريع، واعتبر هذا الامتناع الذي جرى أثناء وجود الرئيس الصيني في أميركا، إشارة واضحة إلى سياسة صينية جديدة في العهد "الترامبي"!
لقاء القمة الصيني ـ الأميركي، شهد تفاهمات تجارية تتعلق باتخاذ خطوات صينية لتعزيز الصادرات الأميركية والحدّ من الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة، إلاّ أن ما يضيف أهمية استثنائية، التفاهمات حول دور صيني للجم "الجنون الكوري الشمالي" ودور الصين في جنوب شرقي آسيا والعلاقات مع تحالفات أميركا هناك، خاصة اليابان، ولا يمكن تجاهل اللغة التي تحدث بها ترامب إلى نظيره الروسي حول نزع سلاح شبه الجزيرة الكورية النووي، عندما قال: في حال عدم تعاون الصين مع الولايات المتحدة فإن واشنطن مستعدة لاتخاذ إجراء من جانب واحد (شبكة يورو نيوز ـ برنامج بزنس لاين ـ 12/4/2017). وفي ذات السياق صرحت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي بأن الولايات المتحدة تعتزم "الضغط" على الصين كي تتحرك لوقف سباق كوريا الشمالية النووي، "هالي" التي أشادت بوقف صادرات الفحم الصيني إلى كوريا الشمالية تنفيذاً لقرارات العقوبات من قبل مجلس الأمن، اعتبرت أن ذلك لم يعد كافياً وبإمكان الصين أن تقوم بما هو أكثر من ذلك!
خلال اليومين الماضيين، ساد التوتر والانفعال خشية من وقوع كارثة الاصطدام المسلح، بين أميركا وكوريا الشمالية، من خلال الاستفزازات المتبادلة والتصريحات النارية ذات الأبعاد الحربية، ترامب يرسل حاملة الطائرات "كارل فينسون" مع ثلاث سفن قاذفة للصواريخ إلى تخوم الحدود البحرية لشبه الجزيرة الكورية، استفزاز قالت عنه كوريا الشمالية: إنه "جنوني"، بينما تقوم بيونغ يانغ بعرض عسكري كبير تضمن أسلحة مدمرة، من بينها حسب بعض المصادر صواريخ بحرية تطلق من الغواصات لديها قدرة نووية بإمكانها أن تهدد أي هدف، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، هذا العرض العسكري الكوري الشمالي، هو عرض تقليدي سنوي لمناسبة عيد ميلاد مؤسس الدولة الكورية الشمالية كيم إيل سونغ، غير أنه في هذا العام يكتسب أبعاداً أكثر خطورة بالنظر إلى ما يقال عن رسائل ترامب، عندما أطلقت أميركا 59 صاروخاً من نوع توماهوك على مطار سوري، ثم إطلاق قنبلة غير نووية هي الأخطر والأهم على صعيد السلاح التقليدي على قواعد لـ"داعش" في أفغانستان، قيل عن هذه "الرسائل": إنها موجهة إلى كوريا الشمالية، أكثر من كونها تحمل أبعاداً عسكرية صرفة إلى سورية وأفغانستان، بيونغ يانغ فهمت الرسالة لكن لم تستجب لها، بل على العكس، أرسلت رسائلها الخاصة، ليس فقط من خلال عرضها العسكري، بل وأيضاً من خلال تصريح لنائب رئيسها من أن كوريا الشمالية مستعدة للحرب "هذه اللحظة" إذا ما تم فرضها عليها، الأمر الذي أدى إلى تراجع من قبل واشنطن عندما نقلت وكالة "أسوشيتدبرس" (14/4/2017) أن الإدارة الأميركية لا تبحث إمكانية توجيه الضربات الصاروخية لكوريا الشمالية، في الوقت الراهن في حال أجرت الأخيرة تجربة نووية جديدة!
من غير شك أن تراجع حدة التوتر ـ نسبياً ـ يعود إلى اتصالات من خلف الكواليس قادتها الصين التي تحاول أن تلعب دوراً أقرب من واشنطن، بانتظار أن تقوم هذه الأخيرة باتخاذ موقف أقرب إلى الصين في النزاع مع اليابان حول السيادة على جزء بحر الصين الشرقي، بعدما كانت واشنطن أيدت اليابان أثناء قمة البلدين في شباط الماضي بالعاصمة الأميركية، أحقية السيادة اليابانية على الجزر التي تسميها اليابان "سناكاكو"، وتطلق عليها الصين "دياويو"، وبينما لم تتراجع واشنطن عن هذا التأييد، حتى الآن، فإن الصين من جهتها تقترب أكثر فأكثر من الترامبية، تجارة ودبلوماسية وسياسة خارجية، بين انزياح مؤقت، قد يؤدي إلى انزلاق يشكل اختراقاً كبيراً للترامبية؟!
المقال لا يعبر بالضرورة عن سياسة وكالة "شمس نيوز"