الكاتب / هاني حبيب
بعد تأجيل وراء آخر، وفي تطور آخر على صعيد سن قوانين عنصرية إسرائيلية متتالية، تم تمرير مشروع قانون أساس يطلق عليه «قانون الوطن» أو «إسرائيل.. الدولة القومية للشعب اليهودي، وذلك بعد عودة الكنيست من إجازته الدورية وفي مستهل دورته الصيفية، إذ صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع بالقراءة التمهيدية وبالإجماع على المشروع الذي تقدم به النائب الليكودي آفي ديختر، إلاّ أن النص الدقيق لهذا المشروع لم يتم الاتفاق عليه، بل على المبادئ العامة: «الحق في تقرير المصير ينحصر في أن دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، لغتها الوحيدة العبرية، اللغة العربية لها مكانة خاصة»، علماً أن اللغة العربية، كانت تعتبر لغة ثانية من الناحية العملية، والآن باتت لغة أجنبية، مع أن أكثر من خُمس سكان الدولة العبرية يتحدثون بها.
النصوص المبعثرة للصياغات العديدة لهذا المشروع، اتفقت على أن الصياغة تتضمن تأكيد الطابع اليهودي للدولة العبرية مقارنة بطابعها الديمقراطي، وذلك من خلال الاتفاق على أن تسبق اليهودية كلمة ديمقراطية: دولة يهودية ديمقراطية، ومع أن العديد من المراقبين والمحللين الإسرائيليين، توقفوا عند هذه الصياغة، ليس فقط في تصدير اليهودية قبل الديمقراطية، بل ناقش هؤلاء، مدى صحة مصطلح الديمقراطية بينما المحتوى هو ديني بحت، ويرى هؤلاء عن حق، أن الديمقراطية تنتفي تماماً عندما يغلب عليها الطابع الديني، وفي هذه الحالة، يرى هؤلاء، أن الأمر أقرب إلى العنصرية منه إلى أي محتوى سياسي آخر، خاصة والحديث هنا عن الديمقراطية، غير أن المد العنصري ليس على صعيد حكومات إسرائيل، الأخيرة منها على وجه الخصوص، بل ان هذا المد الرسمي الإسرائيلي للعنصرية، يتوازى مع متغيرات في المجتمع الإسرائيلي، ولعلّ أحد أسباب تلك القوانين العنصرية العديدة في السنوات الأخيرة، والتي تزداد عدداً وعنصرية عاماً بعد عام، تعود مع أسباب أخرى، إلى أن ساسة الدولة العبرية وأحزابها، بما فيها أحزاب المعارضة والتي تصف نفسها باليسارية تحاول في اطار «شعبوي» انتخابي استرضاء الناخب الإسرائيلي الذي باتت عنصريته أحد مكونات شخصيته، من هنا، فإن الأمر يتعدّى المستوى السياسي إلى المستويات الاجتماعية والشعبية في الدولة العبرية.
ويمكن العودة في ذلك إلى تفسير الأمين العام لحزب التجمع امطانس شحادة، «لشعبوية» الأحزاب الإسرائيلية بهذا الصدد عندما يقول إن عقلية الجدار الحديدي وعقيدة جابوتنسكي (الأب الروحي لحزب الليكود) هي ما تحكم إسرائيل اليوم، إذ لا توجد هناك معارضة حقيقية للتوجه اليميني الذي يتحكم ويحكم في إسرائيل اليوم، ذلك أن الأحزاب الإسرائيلية باتت مدركة أنه لا سبيل للوصول إلى السلطة إذا لم تخاطب الجمهور الإسرائيلي، إذ لا يجرؤ أي حزب على اقتراح قانون يخالف الإجماع العام لدى الجمهور الإسرائيلي.
وفي الوقت الذي يخوض شعبنا الفلسطيني معركة دعم وإسناد أسرانا المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية بهدف تحسين شروط سجنهم وفقاً للقوانين الدولية التي ضربت فيها دولة الاحتلال عرض الحائط، فإن المشرع الإسرائيلي لم يتجاهل سن قوانين عشرة بشأن الأسرى خلال العامين الماضيين، من بينها قانون «التغذية القسرية»، حيث تهدد الدولة العبرية والإضراب يقترب من أسبوعه الرابع، باللجوء إلى هذا القانون لإجبار الأسرى على إنهاء إضرابهم، وفي حال رفض الأطباء المختصين في إسرائيل القيام بهذا الأمر، فإن الدولة العبرية ربما تستدعي أطباء آخرين، ربما من الهند، للقيام بهذه الجريمة بحق الأسرى والإنسانية بشكل عام.
ليس من السهل تمرير مشروع هذا القانون لدى مناقشته في الكنيست، خاصة أن الأمر يتطلب صياغة دقيقة لمضامينه العنصرية، بالنظر إلى الخلافات بين مختلف الأحزاب، بعد شهرين من المنتظر أن تبدأ الكنيست هذه المناقشات والقراءات الثلاث لإقراره بصيغته النهائية، وباستثناء بعض المؤسسات وبعض منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية والعربية في الداخل، فليس من المتوقع أن يحظى هذا المشروع، أو القانون برد فعل يتناسب مع حجم ما ينطوي عليه من عنصرية، وحتى بعض هذه المؤسسات والمنظمات، وعندما تعارض بعض بنوده، فإن ذلك يعود إلى خشيتها من المس «بالطابع الديمقراطي» للدولة العبرية أكثر منه حرصاً على المجتمع العربي في إسرائيل، تحاول هذه الجهات تصوير الكيان الإسرائيلي بوصفه واحة للديمقراطية، لكن مع مثل هذه القوانين تكشف زيف هذا الادعاء، وهذا ما تخشاه هذه الجهات.
والواقع أن هذا الأمر يفرض على الجمهور العربي ومؤسساته السياسية والاجتماعية في الداخل المحتل القيام بما هو أكثر مما قامت به للحيلولة دون سن هذا القانون؟!
المقال لا يعبر بالضرورة عن سياسة وكالة "شمس نيوز"