شمس نيوز/ توفيق المصري

تصوير/حسن الجدي

يجلس مالك بلباقة خلف بسطته القريبة من ميناء غزة، وللوهلة الأولى يجتاح فكرك أنه المثقف والأديب والفنان.

وعلى رغم، من أن الشريحة الأوسع من الباعة المتجولين هم ممن تركوا الدراسة مبكرًا واختاروا مفارق الطرقات للعمل، لكن مالك حبوش (26عامًا) الحاصل على عدة شهادات في مجال الاعلام والمسرح، قبل أن يعمل على "بسطة" بعدما انقطعت آماله بالحصول على فرصة عمل.

لم يتخلَ مالك عن موهبته رغم طبيعة عمله، فقرر أن يجعل "بسطته" محطة انطلاقة جديدة له في المجال الإعلامي، بعدما طوعها لخدمة موهبته من خلال تقديم برنامجه المصور "نصيحة" من أمام بسطته المتواضعة.

في صورة أخرى، يعرض مالك بضاعته بترتيب وعلى إيقاع المذياع الذي يرسل إلى مسامعنا موسيقى كئيبة، يسترجع بذاكرته اللحظات الأولى لتخرجه من مرحلة الدبلوم في عام 2010، وعمله في إحدى المؤسسات الإعلامية متطوعاً لفترة قبل أن تسقط آماله بالعمل.

ويقول، بينما يمسح عرقه بأحد المناديل التي يستخدمها للحافظ على نظافة بسطته: عملت بعد تخرجي من الدبلوم مع مؤسسة على نظام بدل مواصلات، وكان المبلغ المقرر شهريًا 50 دولار، وفي أول شهر قامت المؤسسة بـ إعطائي100 دولار.

ويضيف مالك ولازالت بقايا ابتسامته على وجهه: "بعد أول شهر عملت كمصور تحت إطار هذه المؤسسة بقيت بعدها لمدة 8 شهور بدون أي مقابل".

ويتابع مالك، بعد تلك التجربة فضلّ الذهاب إلى دراسة البكالوريوس، وتطوع خلال دراسته تلك في أحد الصحف المحلية المعروفة، وبسبب عدم تمويل مشروع الإذاعة الذي يتبع لها لم يستمر بالعمل.

خيبات توالت على مالك، رغم امتلاكه لعدة مواهب، وليس آخرها فرصة التطوع التالية، في أحد الاذاعات "المعروفة" محليًا، كان يصدح فيها صوته عبر منبرها لتقديم البرامج.

يقول مالك: "تطوعت في إذاعة محلية، وعملت 5 شهور أو أكثر على بدل مواصلات فقط، وكان لي برنامج رمضاني خلال العام الماضي، وكنت أقدم نشرات إخبارية وبرامج صباحية، ولم أستمر بالعمل معهم نتيجة احتكاري دون تقديمهم لأي مقابل مادي مرضي".

وقبل نهاية عام 2016 لجأ مالك إلى برامج التشغيل المؤقت" البطالة" في وزارة العمل، ليحظى فيها على عمل محدود المدة "3أشهر"، عمل خلالها أيضاً في تقديم البرامج الإذاعية وتدريب الطلاب.

مع نهاية عام 2016، وشارفت  فترة البطالة على نهايتها، وجد مالك نفسه مرة أخرى "بلا عمل"، لكنه لم يركن ولم يُرد أن يدرج اسمه ضمن قوائم البطالة مرة أخرى.

يقول مالك: "عملت منذ عام 2010 حتى عام 2016، لكنني لم أجمع ولا شيكل حتى في مجال عملي في المسرحيات"، ولكن وجد في العمل على بسطة ليسد عليه فراغه وليهون عليه نفسه وحتى لا يصبح عالة.

"أدركت أنني وصلت الـ26 عامًا دون امتلاكي لشيكل، ونظرت إلى مستقبلي، فلو فنان رسم، أنا لست نقطة تلاشي في خطه".. يقول مالك بعد كل سنوات عمره وبعد كل التجارب التي خاضها.

ويضيف: "على الطريق جلست أستوحي الفكرة التي يمكن أن أعمل فيها وتكون الأقرب إلى قلبي، وأن أقدم فيها بعضًا من مواهبي، وكان من الجرأة أن أقدم على شراء بسطة في منطقتي وأنا الذي عُرفت بينهم بالإعلامي والممثل"، ويعتبر مالك أن واقعه ومستقبله أهم من نظرة المجتمع.

ويتابع مالك، بينما يلبي طلبات أحد الزبائن، "ليس كما قرأت من كتاب حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب، لكني أنتمي لمهنة البيع على بسطة منذ شهر 12 عام 2016، وأحببتها".

وحبه للعمل على البسطة، دفعه لتقديم العديد من الأفكار المميزة والخاصة، حيث يقوم بالتطوير والاضافة، ومما يقدمه من الوجبات التي ابتكرها "بيتزا توست" وهي عراقية لكنه عمد على لفها ووضعها على "التوست"، ويعتبر مالك بسطته مطعمًا، كما ويقدم فطيرة مالك الخاصة به، ويقدم الكريب بسعر أقل من تكلفة المطاعم.

ويقدم مالك في شهر رمضان لزبائنه العصائر كعصير جوز الهند والخروب والكركديه، ولا يتعدى دخله اليومي20 شيقلاً.

لم تقف طموح ضيفنا عند حدود الواقع الذي ذهب به نحو البسطة، يقول "أحببت أن أكمل من بسطتي "ستريت فود street food"، موهبتي، حيث أعمل على تقديم برنامج يومي من خلفها وأقدم في كل حلقة النصائح في شهر رمضان، وأقوم بنشر الحلقات على مواقع التواصل الاجتماعي".

حصل مالك على عدة شهادات في مجال الاعلام، منها دبلوم الصحافة والعلاقات العامة وبكالوريوس الاذاعة والتليفزيون، وحاصل على شهادات في المسرح والتمثيل، وكانت بداياته في المسرح عام 2008، عبر تقديمه لأوبريت، وشارك في العديد من الفواصل الدرامية والمسلسلات بأدوار بسيطة.

إذ شارك في أوبريت "آه يا قدس" في عام 2010 خلال فعالية القدس عاصمة الثقافة العربية، وأوبريت "أقوى من السجان"، و"مسرحية الربيع العربي".

بالإضافة إلى عدد من الأعمال الفردية منها "ستاند أب كوميدي" لكن غياب التمويل حال دون رواجه، آملًا من الجهات الحكومية توفير فرص عمل للخريجين.