غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر أزمة الخليج.. ضوضاء بلا مضمون

الكاتب/ د. عبدالستار قاسم

بما أنني كاتب فلسطيني؛ أقول بداية إننا تعلمنا عبر السنوات ألا نكون طرفا في أي صراع عربي بيني أو داخلي، وثبت أننا نتورط كلما تدخلنا في شؤون غيرنا، أو ناصرنا طرفا ضد طرف في الصراعات العربية، ولسان حالنا الآن يقول إنه إذا كان بإمكاننا إصلاح ذات البين فعلينا أن نفعل، وإلا فلنبقَ خارج الصورة.

ما يهمنا هو مصلحة المواطن العربي، ونحن يجب أن نكون هناك إن تعلقت الجهود بمصلحة المواطن واستقرار أوضاعه وأمنه. وعليه؛ فإن هذا المقال لا يعني الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، وإنما يشكل قراءة لأزمة لا يحتاجها الخليج ولا تحتاجها الأمة العربية.

ضوضاء فارغة

منذ أن أقدمت دول خليجية ومصر على قطع علاقاتها مع قطر وحصارها جوا وبرا وبحرا، والقنوات ومختلف وسائل الإعلام لا تنفك عن تقديم سيل من الأخبار حول تطورات الأوضاع في الخليج، وحول التصريحات والمواقف الصادرة عن الدول المعنية مباشرة، وتلك البعيدة الصلة.

تقريبا هناك أخبار عن الأزمة في كل نشرة أخبار على مختلف القنوات. لكن الأهم هو أن القنوات ووسائل الإعلام العربية عموما انقسمت بانقسام المواقف الخليجية، فمنهم من أخذ جانب السعودية وأخذ يدافع عنه، وهناك -وهم الأقلية- من انحاز لقطر وأخذ يدافع عن مواقفها ويهاجم الطرف الآخر. طبعا الأقلية لقطر بسبب قلة القنوات التابعة لها.

والملاحظ أن المنهجية العلمية والتغطية الإعلامية المهنية غابتا عن القنوات الفضائية، وبالتالي غابت الحقيقة إلى حد كبير. أغلب ما يتردد على مسامعنا من تعليقات وتصريحات وتحليلات يدخل ضمن إطار المناكفات، وليس ضمن بث الوعي والمعرفة.

وما يدور الآن من نشاط إعلامي على مستوى الخليج يذكّرنا بذلك النشاط الإعلامي العربي الذي ساد في مرحلة الخمسينيات والستينيات، والذي كان مجرد أفواه كبيرة تدافع عن هذا الموقف وتدين ذاك.

في كل هذه الضجة والضوضاء الخليجية لم أفهم -وأظن أن كثيرين غيري لم يفهموا- لماذا هذا التطور المفاجئ في الخليج؟ عادة نسمع لقطع العلاقات الديبلوماسية بين الدول بعض المقدمات، وتتوتر الأوضاع، وتكال التهم وبعد ذلك يتم اتخاذ إجراءات.

في حالة الخليج، نحن لم نر دخانا لنقول إن هناك نارا، وفجأة رأينا النار تشتعل والأعناق تشرئب، والألسنة تنطلق في الاتهامات والاتهامات المضادة؛ فلماذا هذا العمل المفاجئ؟ إذا كانت المسألة متعلقة بمطالب الدول الأربع فإن في ذلك مغالاة وتبريرا ضعيفا جدا للإجراءات المتخذة.

هل تعبّر المطالب المعلنة من الدول المشاركة في قطع العلاقات عن الحقيقة وأسباب الخلاف مع قطر، أم أن هناك ما هو أعمق وأكثر تأثيرا على هذه الدول؟ لم نسمع شيئا عن التنافس على القواعد الأميركية أو على العلاقات مع أميركا، ولم نسمع شيئا عن إستراتيجية الغاز القطرية ومدى تأثيرها على اقتصادات الدول المعنية.

ولم نر القوات القطرية تهدد وحدة الأراضي السعودية أو تتوعد باجتياح البحرين أو السيطرة على أبو ظبي. لم نر تطورا يهدد دولة بعينها، بل سمعنا -على مدى سنوات- عن تهم توجه لقطر من بعض الدول الخليجية ومصر. هل وجود يوسف القرضاوي في قطر يشكل عدوانا إسترتيجياً على الدول المقاطعة، وبالتالي لا بد أن تعمل على حفظ وجودها؟

ما يُروى الآن عن أسباب هذه الضوضاء غير مقنع بتاتا. ويبدو أن هناك من له مصلحة في إشعال مزيد من النيران في الساحة العربية، وإذا كان هناك من موجب جدّي لهذا الإجراء فإنه لن ينبلج إلا في النهايات.

فشل الحصار

تعتب الدول الأربع -في بيانها الأخير الصادر عن اجتماعها في القاهرة- على قطر بأنها تخوض دبلوماسية مراهقين لأنها نشرت المطالب المطلوب منها تحقيقها. وعلى عكس ما ترى الدول الأربع؛ فإن قطر قامت بالعمل الصحيح، إذ إن نشر مطالب الأقوياء يشكل قوة للضعفاء.

يجب على الضعيف -مثلما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين- أن يجعل مطالب الأعداء الأقوياء علنية لكي يفضح نواياهم، وتهديداتهم. فالإعلان عن المطالب يشكل نداء إلى الرأي العام في كل أنحاء العالم، وصرخة للاطلاع على عنجهية القوي وصلفه وابتزازه.

لقد فعلت قطر الشيء الصحيح ولم تلتفت إلى قواعد التفاوض الغربية التي تصر دائما على سرية المواضيع، وسرية الأفكار المطروحة على طاولة المفاوضات. أهل الغرب هم الأقوياء وهم أصحاب الكلمة العليا، وهم الذين يهددون ويحاصرون ويحاربون ويقتلون، وهم دائما معنيون بإبقاء جدلياتهم الاستغلالية الاستعمارية تحت الطاولة حتى لا تلاحقهم الإدانات.

هكذا ضلل أهل الغرب الفلسطينيين وعلموهم فن سرية المفاوضات المزيف. وتحاول الدول الأربع مجاراة فن الدبلوماسية الغربية، ولا غرابة في أنها غاضبة بسبب نشر المطالب.

لقد سئم العرب إجراءات الحصار والعقوبات التي قامت بها دول غربية ضد دول عربية وإسلامية. لقد أعيانا أهلُ الغرب بإجراءاتهم القمعية وبحروبهم التي شنّوها على دول المنطقة. والحصار ليس موجها فقط ضد الحكومة أو النظام السياسي وإنما ضد الناس أولاً.

شعوبنا هي التي عانت من الحصار بصورة مذهلة، وهي التي تدفع الثمن وأمامنا مثل فلسطين ومثل اليمن. شعب غزة يعاني على مدى سنوات، وللأسف تشارك دولٌ عربية وجهاتٌ فلسطينية في حصارها وتلحق كبير الأذى بالناس. أما في اليمن، فتفتك الكوليرا بالناس ولا مجير ولا مغيث.

لقد انتقلت عدوى الحصار من دول الغرب إلى الدول العربية، وهذا في حد ذاته جريمة بحق الأمة العربية والمواطنين العرب. وهؤلاء العرب يحاصرون اليمن وقطر وقطاع غزة في الوقت الذي يتسابقون فيه للتطبيع مع الصهاينة، الذين يشكلون جوهر الإرهاب في المنطقة العربية. الصهاينة دولة محتلة، والاحتلال بالتعريف إرهاب.

سياسة الحصار مؤذية، لكنها حتى الآن لم تُجدِ نفعا ولم تحقق نجاحا. فشلت كل أنواع الحصار والعقوبات التي نفذتها دول غربية ضد العرب والمسلمين، واضطروا في النهاية أن يأتوا بجيوشهم لتحقيق ما فشلوا في تحقيقه بالحصار، وجيوشهم فشلت أيضا.

ثم أن الحصار إرهاب؛ إذا عدنا إلى التعريف الأميركي للإرهاب فإننا نلاحظ ربط الإرهاب باستعمال العنف ضد مدنيين لتحقيق مكاسب سياسية. والحصار عنف، وهو موجه ضد مدنيين عسى أن تدفعهم الضائقة إلى التمرد على الحكومة وقلبها وتشكيل واقع سياسي جديد.

يقول المثل العربي: الذي يجرب المجرّب عقله مخرّب. سيفشل الحصار على قطر وعلى اليمن وعلى غزة، والأفضل أن توقف الدول الأربع إجراءاتها الحصارية ببياض وجهها، ولا ضرورة أن تكسب عارا تاريخيا بأن عربا يحاصرون عربا.

مطالب سخيفة

اطلعت على مطالب دول الخليج الثلاث ومصر ولم أجد فيها مطلبا واحدا ذا قيمة. هذه مطالب سخيفة إلى حد كبير، والمفروض أن تخجل الدول الأربع من نفسها.

فمثلا، تطالب الدول بوقف التعاون مع الإخوان المسلمين وطرد بعض قياداتهم من قطر. الأمم المتحدة لم تصنف جماعة الإخوان المسلمين على أنها إرهابية، وأجازت الدول لنفسها وصف من تشاء بالإرهاب وفق مزاجها الذاتي. هذا لا يجوز.

ثم من دعم الإخوان المسلمين في سوريا والعراق؟ ومن الذي يدعمهم الآن في اليمن؟ أليست هي الدول -عدا مصر- التي تتخذ إجراءات ضد قطر؟ كيف تجيز هذه الدول لنفسها المطالبة بطرد جماعة لم تخرج أبدا عن صنعها؟

أما طلب إبعاد القرضاوي فمثير للضحك والسخرية. القرضاوي صاحب رأي قد لا يعجبنا، لكن الرد عليه ليس بطرده أو قطع راتبه، وإنما بتقديم الحجج والأدلة لنقض رأيه. يجب أن تكون هناك مواجهة علمية مع القرضاوي وليس مواجهة مخابراتية.

أما طلب إبعاد القرضاوي فمثير للضحك والسخرية. القرضاوي صاحب رأي قد لا يعجبنا، لكن الرد عليه ليس بطرده أو قطع راتبه، وإنما بتقديم الحجج والأدلة لنقض رأيه. يجب أن تكون هناك مواجهة علمية مع القرضاوي وليس مواجهة مخابراتية.

الدول الأربع لا يبدو أنها تمتلك القدرة العلمية على دحض أفكاره فتلجأ إلى التحريض والوعيد. هذا الأسلوب الظلامي قد ولّى وهو من مخلفات قرون الظلام الأوروبية، لكنه يبقى بقدسيته عند العرب.

وهناك مطلب قديم جديد يتعلق بإغلاق شبكة الجزيرة. على ذات المنوال، لم يعد هناك في هذا العالم من يلاحق وسائل الإعلام والكتاب والمثقفين إلا العرب. كثيرون انفضوا عن شاشة الجزيرة، لكن لا يزال لها جمهورها الواسع، والدول المطالِبة بإغلاقها تمتلك عشرات القنوات الفضائية التي تبث أفكارا دعائية عن أنظمة عربية متخلفة، ولا أحد يطالب بإغلاقها.

المفروض أننا في مرحلة الرأي والرأي الآخر، وعلينا أن نحترم هذه القاعدة حتى ولو لم تكن في صالحنا الآني. والمفروض أن يكون من يظن أنه على حق قادرا على إيصال رأي مقنع ومختلف إلى الناس. والسؤال: لماذا كانت الجزيرة جيدة وهي تساند المعارضة في سوريا والعراق وليبيا، وأصبحت الآن سيئة؟

حاولت قطر على مدى سنين التمدد ولعب أدوار هامة على الساحتين العربية والدولية. لقد لعبت أدوارا في تقريب وجهات النظر على الساحات الفلسطينية والسودانية واللبنانية والأفريقية، ونجحت أحيانا. وقد أعطتها جهودها زخما دبلوماسيا واسعا. وتمددت قطر في مساعداتها المالية لدول وتنظيمات، ومنها ما انعكس سلبا على البلاد.

وأخيرا انتزعت قطر المونديال لعام 2022 مما يجعلها أول دولة عربية قادرة على استيعاب هذا الحدث العالمي. وربما أثار هذا التمدد القطري بعض دول الجوار التي ترى في نفسها سيدة المحيط فعملت على العرقلة والإساءة. وفي تمددها، لم تحسب قطر لليوم الأسود. أيام الأفراد والدول ليست جميعها رغدا وهناء، ولا بد أن تمر أيام سود وصعبة.

قطر فتحت يدها المالية كثيرا، وأنفقت أموالا طائلة على استثمارات في الدول الغربية، وعلى إقامة البنية القادرة على استقبال المونديال، مما أثر على ميزانيتها واضطرها إلى تقليص النفقات الذي أثر على جزء من الموظفين. وكان من المفروض أن تحسب قطر ليوم تضيق فيه أسباب الحياة، لكنها انجرت مع دول خليجية أخرى نحو نشاطات لا تعود إلا بالضرر على الجميع.


المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".