غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر نظرية أمن فلسطينية

بقلم: د.عبد الستار قاسم

تضع الشعوب التي تريد الدفاع عن نفسها وتحمي أرضها من الاعتداءات والبقاء محترمة نظرية أمنية تسير على هديها في ترتيب برامجها العسكرية والمخابراتية والاستخبارية والمجتمعية والاقتصادية. نظرية الأمن حيوية لأنها تشكل الأسس لمختلف الإجراءات التي من شأنها أن تصون الشعب والأمة والاستقلال والاحترام والكبرياء الوطني. وإذا كان لدولة أن تطور قدراتها الدفاعية في مختلف مجالات الحياة فلا بد من وجود منطلقات نظرية تستند إليها.

أسوق العدو الصهيوني هنا مثالًا من حيث أن لديه نظرية أمنية واضحة وذات مبادئ مترابطة تشكل كلًا متكاملًا. ينطلق العدو من مبدأ الاعتماد على الذات أولًا، والعمل باستمرار على التحرر من مساعدات الغير حتى لا تكون إسرائيل تحت رحمة أحد؛ ويقول بأن الإنتاج هو أساس البناء، ولا بد من تطوير الاقتصاد وبالتحديد الزراعة. تنص النظرية الأمنية الإسرائيلية على أن المعلومات ركن أساسي في البناء الأمني، ويجب توفير مختلف الإمكانيات من أجل جمع المعلومات المتعلقة بالعدو، وأيضًا بتطوير القدرات الذاتية؛ وتقول بأن الحرب الاستباقية هي الأفضل وذلك لإنهاك العدو قبل أن يستقوي، وإن الحرب يجب أن تدور دائما على أراضي العدو؛ وإلى غير ذلك من مبادئ وأسس.

نحن الطرف الآخر من معادلة الصراع، ومن المفروض من الناحية العلمية والعملية أننا طورنا نظرية أمنية خاصة بنا، لكن ذلك لم يحصل. نحن العرب لا نملك نظرية أمنية، ونحن شعب فلسطين لم نطور نظرية خاصة، ولا يبدو أننا حاولنا أو حتى انتبهنا إلى ضرورة وجود مثل هذه النظرية. إنني مواكب تمامًا لتطورات الوضع الأمني الفلسطيني، ولم أسمع يومًا رئيسًا أو مسؤولًا أمنيًا أو قائدًا فصائليًا يتحدث عن نظرية الأمن، ولم أقرأ لعسكريين أو مناضلين شيئًا من هذا القبيل.

النظرية الأمنية ضرورية من أجل وضع استراتيجية العمل على مختلف الصعد. وفق نظرية الأمن، يستطيع المختصون الاجتماعيون ترتيب الأوضاع الاجتماعية وفق خطط بعيدة المدى، وكذلك يفعل الاقتصاديون. والأهم أن الفصائل تستطيع الاستفادة من هكذا نظرية وتخطط أوضاعها الأمنية ونشاطاتها العسكرية والأمنية وفقها، وكذلك يفعل المسؤولون الأمنيون.

لا أريد أن أطيل حول تقصيرنا بهذا الشأن، وأفضل الانتقال إلى محاور أساسية في نظرية أمنية يمكن أن تتطور:

أولًا: لا أمن بدون الاعتماد على الذات، وخاب من اعتمد على غيره. هذا مبدأ حيوي وأساسي بالنسبة لكل شعوب الأرض، وليس فقط لشعب فلسطين. بناء عليه، لا بد لنا إلا أن نفكر فيما نعمل لكي نصل إلى هذا الوضع، ونفكر في وسائل وأساليب سدُ النقص بأقل الأضرار الممكنة. من يضع هذا المبدأ، يقيم قدراته وطاقاته وموارده القائمة والممكنة من النواحي المادية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والنفسية، الخ.

في اتفاق مكة، اتفق الفصيلان الكبيران في الساحة الفلسطينية على الاستمرار في التسول، ولم نسمع كلمة واحدة حول ما يجب أن نفعله من أجل الاعتماد على الذات.

ثانيًا: في ظل العدوان أو الكوارث والمصائب، لا يوجد ما هو أجدى من التماسك الاجتماعي وتطوير مفاهيم العمل الجماعي والتعاون المتبادل والتكافل والتضامن. كان من الأجدى لنا التخطيط باتجاه ترسيخ أواصر الترابط الاجتماعي والمحبة والتعاطف داخل المجتمع، وذلك من اجل تطوير مجتمع يستطيع أن يمتص الصدمات. مما أراه في الساحة الفلسطينية، يبدو أننا عملنا ضد هذا المبدأ وفضلنا التفسخ الاجتماعي وتطوير الروح العائلية القبلية التعصبية مما أضعفنا في مواجهة العدو.

ثالثًا: المقوم الأخلاقي في غاية الأهمية لمن أراد أمنًا لمجتمعه وشعبه. يجب الحرص على التميز الأخلاقي بحيث يبقى الضمير الإنساني حيًا ومتحفزًا دائمًا من أجل الإيثار والوفاء والصدق والإخلاص في العمل والقيام بالواجب والدفاع عن الحق، الخ. المجتمع المتدهور أخلاقيًا أو المعاني من الانحطاط يجد نفسه بسهولة تحت سطوة الآخرين وهيمنتهم. للأسف نحن لا نملك نظرية في الأخلاق، ويصعب أن نجد قائدًا فلسطينيًا يعرف في نظرية الأخلاق.

القوة أخلاقية أولًا، وإذا توفر السلاح دون وجود أخلاقيات السلاح فإن السلاح لا يصمد. أكبر دليل على ذلك هزيمة عام 1967 حيث كان العرب أكثر عددًا وعدة من إسرائيل، لكنهم ولوا الأدبار. ودليل آخر من واقعنا الفلسطيني المؤلم حيث تكثر البنادق ويقل الحصاد.

رابعًا: السرية أساسية في العمل الفلسطيني، ومن المفروض أن يرضع الفلسطيني حليب السرية لكي يقي نفسه ويستطيع اتقاء شر الأعداء ورد اعتداءاتهم. الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده محاصر بالأعداء، وهم يجمعون عنه المعلومات ويرصدون ويخططون ويضربون ويقتلون ويشردون. أجهزة أمن إسرائيل والبلدان العربية والأوروبية وأمريكا ترقبنا وتراقبنا، وأجهزة أمن دول كثيرة في مختلف أنحاء العالم تجري خلفنا وتتحسس أخبارنا وأحوالنا من أجل إبقائنا مشردين بعيدين عن وطننا، ومن أجل تمكين إسرائيل.

يبدو أننا "الثورة" الوحيدة في العالم الني تناضل عبر شاشات التلفاز. نحن مكشوفون كالكف المفتوح أمام العدو، ويندر جدًا جدًا أن نحتفظ بسر. نحن نعمل الآن ضد أمننا وضد مصالحنا ونساعد العدو بتتبعنا وضربنا.

خامسًا: خلق حالة من توازن الرعب بيننا وبين العدو. نحن لا نستطع تحقيق توازن عسكري مع إسرائيل بسبب ظروفنا، لكنه من الممكن إقامة نوع من توازن الرعب من حيث أن المقاومة تملك عادة قدرة على المباغتة والمناورة التكتيكية أكثر بكثير مما يملك الجيش النظامي.

سادسًا: التمييز بين الحياة المدنية للفلسطينيين والمقاومة دون الفصل بينهما. يجب عدم إنهاك الناس بمزيد من المصائب من خلال تجيير الحياة المدنية الفلسطينية لصالح فصيل باسم المقاومة، ويجب تنسيق الحياة المدنية بطريقة تخدم المقاومة مع اتخاذ الاحتياطات الأمنية التي تجنب الناس دفع الأثمان الباهظة. جمهور الناس سيدفع ثمنا بالتأكيد، لكن يجب أن يكون الهدف باستمرار إخراج الحياة المدنية بقدر الإمكان من دائرة الصراع الدموي.

سابعًا: تطوير برامج من شأنها التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في كل مكان، وربط كل فئات الشعب الفلسطيني بشبكة واحدة من القيم الأخلاقية والثقافية والفكرية. ثقافة ضفاوي وغزاوي ومخيمجي وفلاح ومدني، الخ، يجب أن تختفي.

ثامنًا: لا رحمة بالعملاء لأنهم كالسرطان. نحن الآن نتمتع بنسبة لا بأس بها من العملاء والجواسيس على كافة المستويات، وقد ربينا أغلبهم بأيدينا. هؤلاء يثيرون الفتن وينقلون الأخبار ويفسدون علينا حياتنا ومخططاتنا. هذه مسألة مرتبطة أساسًا بالتسيب الأمني المتغلغل في الفصائل وخلايا النضال الوطني.

تاسعًا: الفصل بين السياسي والمقاومة. على السياسي أن يترك المقاومة وشأنها، وعلى المقاومة أن تطور برامجها وتقوم بمهامها بمعزل عن السياسي والتطورات السياسية في الإقليم والمنطقة. أنهك السياسي المقاومة وساوم عليها، وحولها في كثير من الأحيان إلى حالة استهزاء وتندّر.

مواجهة الأزمة الأمنية القائمة حاليًا

كنت أتمنى أن تخيب توقعاتي حول تفاقم الانفلات الأمني في الشارع الفلسطيني، وحول الصراع الدموي بين فتح وحماس، لكن المعطيات الموضوعية أكبر بكثير من التمنيات. لقد تقدمت باقتراحات ومشاريع أمنية كثيرة عبر الزمن، لكنني لم أجد أذنًا صاغية حتى من جمهور الناس الذين يطلبون حلا كلما بثوا همومهم الأمنية. أجدد هنا اقتراحي لإحلال الأمن الداخلي الفلسطيني، وألخصه بالتالي:

1- اعتبار كل سلاح علني بما فيه سلاح المهرجانات والأفراح والجنازات سلاحا خائنا، ويجب التعامل معه على هذا الأساس من قبل جميع الناس الفصائل وقوى الشرطة. تقوم جميع وسائل الإعلام الفلسطينية بشن حملة إعلامية واسعة ومكثفة ضد كل سلاح علني عدا سلاح الشرطة الفلسطينية.

2- سلاح المقاومة ليس سلاحًا علنيًا، وقوته في سريته.

3- السلاح المرخص إسرائيليا ليس سلاحًا وطنيًا ويجب التخلص منه بطريقة أو بأخرى. السلاح المرخص إسرائيليًا هو السلاح الذي سمحت إسرائيل بإدخاله وفق اتفاق أوسلو وما تبعه من اتفاقيات، وذلك السلاح الذي تم تزويد الأجهزة الأمنية به بعد ذلك بمعرفة إسرائيل ورعايتها.

4- حل الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدا جهاز الشرطة، وحل القوة التنفيذية التي أقامتها حركة حماس. الأجهزة الأمنية الفلسطينية لا تستطيع الدفاع عن الأمن الوطني الفلسطيني، ولا تستطيع مواجهة كتيبة صهيونية. إنها أجهزة علنية، ومن السهل على إسرائيل استهداف العناصر التي ترى فيها عدوًا.

5- البحث عن أعمال إنتاجية لأعضاء الأجهزة الأمنية المحلولة مع الإبقاء على رواتبهم الحالية وذلك حفاظًا على لقمة خبز عائلاتهم.

6-   إقالة قادة جهاز الشرطة الأساسيين على مستوى الضفة والقطاع وعلى مستوى المحافظات، وتعيين قادة وطنيين مستقلين لا علاقة لهم بالفصائل الفلسطينية؛ كما أنه يجب تعيين محافظين من الوطنيين المستقلين. التوصية بتعيين هؤلاء يتم بالتوافق بين رئاسة السلطة ورئاسة الحكومة، ويصادق عليها من قبل المجلس التشريعي بعد تفحص السجلات الشخصية.

7-   تكون الشرطة مسؤولة عن الأمن المدني (الداخلي) في الضفة والقطاع. يحظر على الفصائل التدخل بالأمن المدني الفلسطيني إلا إذا طلبت قيادة الشرطة ذلك بكتاب خطي يوضح الأسباب الموجبة لذلك، ويحدد تمامًا مجال ومدى التدخل المطلوب، والمكان والزمان المطلوب فيهما التدخل.

8- مسؤولية مرافقة رئيس السلطة ورئيس الوزراء وغيرهما تقع على عاتق الشرطة فقط.

9-لا يحق لأي شخص أو جهة أن تشكل حراسة خاصة حتى لو كان على مستوى الحرس الشخصي.

10- تتعاون الفصائل مع الشرطة لضبط عناصرها وإعادتها إلى ممارسة النشاطات التي تعهدت بممارستها نحو التحرير. إذا رغبت بعض الفصائل أن تتخلى عن المقاومة فإن عليها إلقاء السلام والتحول إلى أحزاب سياسية والانخراط في الحياة المدنية.

11- يكون الأمن الوطني من صلاحية فصائل المقاومة، وتقوم هذه الفصائل بالترتيب فيما بينها لإقامة غرفة عمليات مشتركة سرية منفصلة تماما عن المستوى السياسي. الفصائل المقاومة لا تتدخل بالحياة المدنية سواء اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو إداريًا، لكنه من حقها أن يتم ترتيب الأوضاع المدنية بطريقة تخدم عملية مواجهة الاحتلال وهدف التحرير.

12-  محاصرة تجار السلاح ومحاسبتهم.

13- إقامة جهاز قضاء يستجيب لمتطلبات العدل وإقامة الميزان.

14-  تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في الاقتتال الذي جرى في قطاع غزة.

15-  إشراك جمهور الناس في حراسة المتطلبات الأمنية الفلسطينية.

16- تتم الترتيبات الأمنية الفلسطينية بإرادة فلسطينية حرة وبمعزل عن القوى الخارجية.

17-  يصار إلى وضع ميثاق فلسطيني يجمع عليه الفلسطينيون في كافة أماكن تواجدهم ليكون البوصلة التي يهتدي بها الجميع ويُحاسب وفقها الجميع.

لا حل لمشاكل الشعب الفلسطيني الأمنية إلا بمعالجة الأسباب التي أدت إلى وجودها. النقاط أعلاه تقضي على الأسباب، والمقال أدناه يوضح هذه الأسباب.

الخطر الأمريكي-الإسرائيلي

تقوم أمريكا الآن بالتعاون مع إسرائيل بتقديم العون الأمني والعسكري لحكومة الضفة الغربية، ويقوم دايتون بالتحديد بأعمال الوصاية على الفلسطينيين ويقدم التوجيهات للأجهزة الأمنية.

ما يقوم به الأمريكيون خطير جدًا لأنه يخدم في النهاية الأمن الإسرائيلي. الشعب في الضفة الغربية يريد القضاء على الفلتان الأمني، ويعبر عن ارتياحه مع كل إجراء يتم اتخاذه ضد الزعران والأشقياء وحرامية السيارات، لكن من المفروض ألا يتم استخدام هذا الأمر لتبرير الانصياع للمتطلبات الأمنية الإسرائيلية وملاحقة سلاح المقاومين الفلسطينيين. يضع الأمريكيون والإسرائيليون بسياساتهم الأمنية الداعمة لحكومة الضفة المجتمع الفلسطيني أمام خطر جديد سيقود حتما إلى تصادم داخلي عنيف. الطريقة التي تتم فيها مواجهة الزعران والفلتان الأمني خطيرة جدا ولا يقصد منها خير الشعب الفلسطيني ومصلحته.

إنني أدرك تمامًا ضعف المقاومة الفلسطينية وعدم جدية العديد من الذين يقولون عن أنفسهم مقاومين، لكن هذا لا يعني ملاحقة سلاح المقاومين. ملاحقة سلاح المقاومة عبارة عن دعم مباشر لإسرائيل، وعبارة عن إضعاف للشعب الفلسطيني. الحل هو البحث عن سبل الارتقاء بالمقاومة، وليس ملاحقتها تحت حجة مقاومة الإرهاب. الأولى أن نقاوم الإرهاب الصهيوني والإرهاب الأمريكي.

 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".