بقلم: عريب الرنتاوي
فيما الأنظار تتسمر حول استفتاء كردستان العراق، وما إذا كان سيجري في موعده المقرر أم لا، وما هي التداعيات المترتبة على موجة "العناد" التي تجتاح رئيس الإقليم، فإن تطورات مهمة تجري في شمال سورية، الذي يشهد ولادة كيان كردي آخر، يغذ الخطى ويسابق الزمن، للتبلور كحقيقة قائمة على الأرض، ولا رجعة عنها.
أكراد سورية أعلنوا إقليمهم الفيدرالي، وهم يسيرون على خطى نظرائهم في الشمال العراقي، ولكن بخطوات أكثر تسارعًا ... لهم جيشهم وتمثيلهم الدبلوماسي، ولهم وزاراتهم "السيادية"، وقد أعلنوا إدارة مدنية ذاتية، وأمس، أجروا انتخابات المجالس المحلية، وغدًا وبعد غدٍ، سيستكملون بناء مؤسساتهم الفيدرالية، فإن سارت الأمور على ما يرام، انتقلوا بعدها للمطالبة بالاستقلال، مروراً باستفتاء عام، على غرار ما يجري في جوارهم القريب.
غيّروا المناهج، وقدّموا روايتهم لتاريخ سورية وجغرافيتها، فيما الأنباء تتحدث عن تغيرات سكانية كبرى يجريها الكرد في المناطق التي يسيطرون عليها، تحديدًا في القرى المختلطة، وهم إذ يتحدثون في خطابهم الدعائي عن إقليم بكل مكوناته، إلا أن الحقائق على الأرض، تشي بغير ذلك، فلا العرب لهم دور مؤثر وبحجمهم في "الإقليم" ولا السريان وغيرهم من الأقليات لهم أدوار وكلمات مسموعة.
مكاتبهم ومؤسساتهم الرسمية "مزدانة" بصورة الزعيم الكردي – التركي عبد الله أوجلان، الرجل المصنف إرهابيًا في العديد من دول العالم وعواصمه، بما فيها الولايات المتحدة، الداعم الرئيس لقوات "قسد" والحركة الكردية، وهم لا يتورعون عن التعرض للجيش السوري ومحاولة إعاقة تقدمه على بعض المحاور، مع أنهم يشددون، صبح مساء، على أنهم جزء من سورية، وأنه لا نوايا انفصالية لهم، لا علم مرفوعاً في مناطقهم سوى العلم الكردي، لا علم سورية الذي نعرف ولا أعلام المعارضة التي اشتهرت مؤخرًا.
مرجعيتهم الفكرية الأوجلانية، تتحدث عن مفهوم "الأمة الديمقراطية" بديلًا عن مفهوم "الدولة القومية"، بيد أن ممارستها توحي بنزوع لتكريس "الهوية الكردية" للإقليم ... مكان نظرية الأمة الديمقراطية لا تصلح إلا في تركيا، حيث الأكراد من حيث حقوقهم الفردية والجمعية، في أدنى السلم قياساً بأبناء جلدتهم في سورية والعراق.
لن يعود أكراد سورية إلى ما كانوا عليه قبل اندلاع الأزمة السورية في آذار من العام 2011، وهم يدركون تمام الإدراك أن الوقت غير مناسب للانفصال بدولة مستقلة، فدون ذلك خرط القتاد، إن لم يكن من قبل سورية وحليفتها إيران، فمن قبل تركيا وحلفائها في المنطقة كذلك ... لذا لا نرى مطلب الدولة حاضراً بقوة في خطاب هؤلاء، لكن "تقرير المصير" سيكتسح أدبياتهم، على نطاق واسع وليس تسللًا كما ظل يحصل حتى الآن.. وسيعيد التاريخ نفسه، وسيمشي أكراد سورية على خطى أكراد العراق، ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان، وتتحرك القوى الإقليمية لقطع الطريق على التطلعات الانفصالية، أو الاستقلالية، لأكراد سورية.
ما يجري في شمال العراق، "بروفة" يترقبها أكراد سورية بكل شغف واهتمام، فإن أفلت أكراد العراق بدولتهم واستقلالهم، سيكون ذلك فألاً حسناً لأكراد سورية، وإن نجحت القوى الإقليمي في دفن حلم الدولة الكردية، أو دولة الحلم الكردي في العراق، كان ذلك بمثابة صفعة لأكراد سورية وطموحاتهم بعيدة المدى.
من حيث المبدأ، لا تبدو فرص قيام كيان كردي مستقل في سورية كبيرة، لكن المؤكد أن هؤلاء لن يُحكموا بالطريقة القديمة، وكمواطنين من درجة ثانية، وأحيانًا كمقيمين بلا جنسية "بدون"، عقارب الساعة في الجزيرة وعفرين لن تعود إلى الوراء... هذا أمرٌ بات جزءًا من التاريخ ... لكن إن كان أكراد العراق يواجهون مصاعب جمة في نيل استقلالهم، فإن الصعوبات التي تعترض استقلال أكراد سورية، تبدو أكبر بكثير، إن لم نقل ضرباً من المستحيل.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"