شمس نيوز/هيئة التحرير
لنعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إلى الوراء كثيرًا.. مائة عام.
في العاصمة البريطانية لندن في خاتمة شهر تشرين الأول/سبتمبر 1917، الحكومة برئاسة لويد جورج مجتمعة لإصدار وعد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، بينما يقف القيادي الصهيوني حاييم وايزمان خارج غرفة الاجتماعات مترقبًا ما سيحدث.
بعد ساعات من النقاش، يطل السياسي البريطاني مارك سايكس من الغرفة مهنئًا القيادي الصهيوني قائلًا له "دكتور وايزمان.. المولود ذكر".
بعد يومين من الاجتماع المذكور، في 2 تشرين الثاني/نوفمبر تحديدًا كانت الولادة الفعلية لـ"وعد بلفور" الذي تعهد فيه وزير الخارجية البريطاني الأسبق آرثر جيمس بلفور، في خطاب موجه إلى لورد روتشيلد رئيس الاتحاد الصهيوني في بريطانيا، بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين التي كانت خاضعة وقتها لحكم الدولة العثمانية.
ويصادف اليوم الخميس، الذكرى المئوية لوعد "بلفور"، إذ يحيي الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة والشتات، ذكرى هذا الوعد الذي كان مقدمة النكبات التي حلت بالشعب الفلسطيني، مطالبين بريطانيا بالاعتذار عن خطأها التاريخي والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وأطلق ناشطون فلسطينيون حملة تغريد على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الأربعاء، باستخدام وسم "Balfour100" للتنديد بوعد بلفور.
وشارك في الحملة نشطاء من أكثر من 25 دولة حول العالم، استخدموا فيها خمس لغات هي الإنجليزية، والتركية، والعربية، والفرنسية، والإسبانية.
وعلى صلة، جدد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مطالبته للحكومة البريطانية " بتصحيح الخطأ التاريخي، الذي ارتكبته بحق الشعب الفلسطيني" بالاعتذار عن وعد بلفور.
وقال عباس، في مقال نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية أمس الأربعاء، "آن الأوان للحكومة البريطانية القيام بالدور المنوط بها، واتخاذ خطوات ملموسة تهدف الى إنهاء الاحتلال على أساس القانون الدولي والقرارات الدولية".
وأضاف، أن "القيام بالتوقيع على وعد بلفور هو فعل حصل في الماضي، وهو أمر لا يمكن تغييره، ولكنه أمر يجب تصحيحه، وهذا يتطلب اتخاذ خطوات ملموسة لتصحيح تلك الأخطاء".
وأشار إلى، أن "وعد بلفور"، ليس مناسبة للاحتفال؛ خاصة في الوقت الذي لا يزال فيه أحد الطرفين يتعرض للظلم ويعانيه بسبب هذا الوعد.
وترفض الحكومة البريطانية الاعتذار وتصر على الاحتفال بمئويته بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو. وتقول إن "وعد بلفور موضوع تاريخي ولا نية لها بالاعتذار عنه"، بل أعربت عن الفخر بدور بريطانيا في إيجاد "دولة إسرائيل".
وتشير إلى، أن أشياء كثيرة حدثت خلال تلك الفترة، وإن الحكومة البريطانية تدرك أن الإعلان كان ينبغي أن يدعو لحماية الحقوق لجميع الطوائف في فلسطين، ولا سيما حق تقرير المصير.
فيما يرى الخبيرفي الدراسات السياسية والاستراتيجية، محسن صالح، أن الحكومة البريطانية قامت بدور متعمد وعن سبق إصرار، بجعل فلسطين تحت أوضاع لا يمكن إلا أن تؤدي إلى أضرار كارثية بالشعب الفلسطيني. وتفتح المنطقة على سلسلة من الحروب والصراعات وسفك الدماء والمعاناة.
وأضاف، في مقال على موقع "الجزيرة نت"، أنه تقع على بريطانيا "مسؤولية تاريخية لا يمكن التهرب منها، وعليها كخطوة أولى أن تقدم اعتذارها لشعب فلسطين عما تسببت فيه من كوارث لهم".
ويرى صالح، أن الاعتذار البريطاني عن وعد بلفور أمر ممكن، من الناحية النظرية. غير أن هذا الأمر يبدو بعيد المنال لأسباب عديدة، يوضحها الكاتب، بأن الطبقة السياسية الحاكمة لا تميل إلى تقديم اعتذار كهذا للشعب الفلسطيني، لخلفيات سياسية أو دينية أو ثقافية أو مصلحية وغيرها.
فضلًا عن أنه لا تزال قطاعات بريطانية واسعة تؤمن بما يسمى "الحق التاريخي لليهود في فلسطين"، وتتعاطف مع الرواية الإسرائيلية ومع ما عاناه اليهود من مظالم تاريخية (معظمها على أيدي الأوروبيين أنفسهم)، وفق صالح.
ويلفت الكاتب إلى، مخاوف بريطانية من أن يفتح الاعتذار للشعب الفلسطيني الباب لمطالبات ضخمة تنوء بها الموازنات البريطانية، تعويضًا للشعب الفلسطيني. كما يفتح الباب على ملفات بالغة الخطورة في العقلية الغربية، مثل شرعية وجود الكيان الإسرائيلي نفسه، وواجبات المجتمع الدولي تجاه إعادة الحقوق للشعب الفلسطيني.
ويخلص الكاتب إلى القول، إن الاعتذار البريطاني مرتبطًا بحسابات لا تخص البريطانيين وحدهم، وتثير غضب الحلفاء الأميركيين واللوبيات الصهيونية في العالم و"إسرائيل" والعديد من القوى الغربية.
