بقلم/ أكرم عطا الله
فكرة اغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية هي فكرة حمقاء ، فقد كانت تلك مجرد رشوة صغيرة تقدمها الولايات المتحدة للنظام السياسي الفلسطيني ليقنع نفسه بحياد الدور الأميركي في التسوية مع اسرائيل، فالفلسطينيون حقاً تجاوزوا مسألة اعتراف الولايات المتحدة بهم بعد كل هذه الاعترافات وآخرها الأمم المتحدة.
لكن رجل الكاوبوي لا يغادر عاداته يتمنطق بمسدسه على وسطه حاملاً كيس المال على ظهره عائداً من غزواته يجرف في طريقه كل شيء بمنطق القوة، قوة المال والسلاح وفي طريق العودة يرتكب حماقات في ذروة النشوة ،نشوة القوة.
يبدو أن مكتب منظمة التحرير كان واحداً من ضحايا رحلة العودة لرجل الكاوبوي الذي قرر أن يقوم بكل الأدوار حاكم الولاية والشريف ومدعي الولاية والجاني أيضاً وهذا صعب فهمه بالنسبة لدولة عادت محملة بالأموال من دولة عربية لتغلق مكتب المنظمة.
تلك واحدة من سخريات السياسة فالأميركيين الذين يحسبون كل شيء بدقة أحياناً يشعر المرء أن حساباتهم بنتائجها خارج السياق وخارج المنطق وخارج العقل وأحياناً ساخرة كما حدث باغلاق مكتب المنظمة فالمبرر الأميركي لهذا العقاب هو أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تذهب لمفاوضات مع اسرائيل والمضحك أن الخارجية الأميركية هي من يقول ذلك وكأنها تمارس الاستغباء لأن سجلاتها تحتفظ بمحاضر اجتماعات جولات وزير الخارجية السابق جون كيري الذي عمل مع الرئيس أوباما شاهدة كيف أهين الرجل من قبل اسرائيل وكيف قلبت الطاولة في وجهه وكيف شتمته عندما وصفته بالمسيحاني والهاذي والباحث عن جائزة نوبل حتى أن موشي يعلون وزير دفاع نتنياهو عرض عليه أن يأخذ المكافأة المالية للجائزة من اسرائيل ويرحل.
لتلزم الولايات المتحدة نتنياهو أولاً بمفاوضات ، كأن الطرف الفلسطيني هو العائق أمامها فليس هكذا تدار السياسة وليس هكذا تؤخذ القرارات بشكل مكشوف مدعاة للسخرية خصوصاً لدى دولة ذات طابع مؤسسي تتوارث السياسات والملفات وتحديداً هنا الخارجية الأميركية التي تدير سياسة أكثر رصانة من هذا الشكل الساذج.
رد السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير كان يشبه القرار الأميركي في سذاجته حين اعتبر أن الولايات المتحدة ستفقد حياديتها ودورها كوسيط لعملية السلام، وكأن هناك عملية سلام أو كأن الولايات المتحدة رائدة السلام وصانعته في المنطقة ولنعد للتاريخ.
اتفاق أوسلو لم يكن نتاج جهد أميركي بل جهد ودعم نرويجي كامل وبعيداً عن أعين الولايات المتحدة الأميركية حتى ، فقد قرر الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي فتح قناة تفاوض بعيداً في أوروبا وعندما انتهت المفاوضات ذهب شمعون بيريس الى الولايات المتحدة لاطلاع وزير الخارجية الأميركي الذي كان يقضي اجازته خارج واشنطن في مزرعته وعندما عرض بيرس الرواية أجاب مساعده بغضب مع من اتفقتم؟ مع منظمة التحرير؟ أحييتموها بعد أن ماتت؟ ومع ذلك أخذت الولايات المتحدة دور البطولة في احتضان الاتفاق وكذلك كما كتب شلومو أفنيري في مقاله الذي نشره قبل سنوات بعنان "سجل الاتفاقيات.. الأميركيون يصلون متأخراً" قال أن المفاوضات بين مصر واسرائيل بدأت قبل ستة أشهر من كامب ديفيد وأن الولايات المتحدة أخذت وهج الاتفاق.
تبدل منذ عملية التسوية ثلاثة رؤساء أميركيين ووكل منهم ثماني سنوات لم يستطيعوا أن يحققوا اتفاق حقيقي بين الفلسطينين والاسرائيليين وأحسنهم في أفضل حالاته كان مجرد مترجم للرغبات الاسرائيلية هكذا وصف شهود كامب ديفيد الرئيس كلينتون وهم من جميع الأطراف روبرت مالي وحسين آغا من الطرف الأميركي والاسرائيلي بني موريس في مقابلته الشهيرة مع ايهود باراك وكذلك الدكتور اّفي شلايم وأكرم هنية عن الجانب الفلسطيني.
أما باراك أوباما الذي قال كثيراً عن حقوق الفلسطينين والدولة الفلسطينية كان أعجز من أن يلزم بنيامين نتنياهو وغادر بعد أن تبخرت رؤيته وطرد وزير خارجيته.
التجربة من الادارات الأميركية طويلة والفلسطيني يحاول أن يصدق أن الولايات المتحدة وسيطاً لعملية التسوية لكنها في لحظة الحقيقة أكثر فشلاً من أن تثبت ذلك ،هي دولة منحازة بالكامل الى جانب اسرائيل هكذا قالت التجربة وقد صدقت حنان عشراوي التي قالت في ردها على اغلاق مكتب المنظمة بأن الولايات المتحدة تعاقب الضحية وليس الجلاد، والغريب أن أميركا تسأل لماذا يكرهها العرب والفلسطينين سؤال ساخر حقاً ..!
نقلا عن / نبأ برس