بقلم: إبراهيم ابراش
من بين كل مناطق السلطة الفلسطينية فإن القدس وقطاع غزة الأكثر جذبًا للانتباه والاهتمام وطنيًا وإقليميًا ودوليًا بسبب شدة التوتر فيهما والتركيز الإسرائيلي عليهما أكثر من المناطق الأخرى. قد يبدو عدم وجود علاقة بين ما يجرى في المسجد الأقصى ومدينة القدس من ناحية وما يجري في قطاع غزة من ناحية أخرى، فالمنطقتان متباعدتان والأحداث كما يبدو ظاهريًا تحركها دوافع مختلفة وظروف كل منطقة مختلفة عن الأخرى.
إلا أن قراءة دقيقة تتعمق إلى ما وراء الظاهر والمعلن رسميًا ستصل لنتيجة أن رابطًا قويًا بين ما يجري في القدس وما يجري في غزة، ففي الحالتين تجري محاولات صهيونية مستميتة لفصل هاتين المنطقتين عن سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي عن أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة في محاولة لإفشال المشروع الوطني وحل الدولتين.
بداية وظفت إسرائيل العامل الديني واستفزاز المشاعر الدينية في المسجد الأقصى لجر الفلسطينيين لمربع الصراع الديني والفصل بين ما يجري في المسجد الاقصى دينيًا وما يجري في بقية القدس والضفة وطنيًا، كما وظفت إسرائيل قطاع غزة من انقسام وحصار وتصعيد عسكري متكرر وتدمير مقومات الصمود والهاء السكان بمشاكل الكهرباء والمعابر والعمل والرواتب الخ لإبعاد الأنظار عن ما يجري في الضفة والقدس من استيطان وتهويد، وقد نجحت إسرائيل إلى حد ما في الحالتين.
ما يجري في هاتين المنطقتين المركزيتين من أراضي السلطة الفلسطينية وما آل إليه الحال فيهما هو نتيجة جهد واشتغال استراتيجي إسرائيلي متعدد المسارات. ففي القدس تم توظيف خصوصية المسجد الأقصى ومدينة القدس من الناحية الدينية، والتباس علاقة الأماكن المقدسة في القدس بكل من الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، والخلافات الفلسطينية الداخلية، بالإضافة إلى أزمة وأخطاء السلطة الفلسطينية، وفي قطاع غزة تم توظيف الفصل الجغرافي بين غزة والضفة والخلافات الفلسطينية الداخلية والصراع على السلطة.
محاولات إسرائيل لإخراج القدس من تحت إيالة ومسؤولية السلطة الوطنية الفلسطينية، ونجاحها النسبي في ذلك، يعود لاعتبارات تاريخية دينية وأسباب استراتيجية سياسية، فإسرائيل تعتبر القدس عاصمة موحدة وأبدية لها وقد اشتغلت إسرائيل على موضوع القدس منذ احتلالها عام 1967 حيث تصرفت معها، أرضًا وسكانًا، بطريقة مغايرة مع تصرفاتها مع بقية مناطق الضفة الغربية.
أما بالنسبة لقطاع غزة فقد سبق وأن كتبنا بالتفصيل عن الانقسام ووضحنا أنه نتيجة معادلة مركبة: إسرائيلية، وفلسطينية داخلية، وإقليمية ودولية، إلا أن ذلك لا يُسقط المسؤولية الأكبر عن الطرف الفلسطيني، إن لم يكن عن حدوث الانقسام والفصل الجغرافي بداية فعن استمرار الانقسام السياسي والعجز عن إبداع حلول للوحدة الوطنية تتغلب على الإرادة الإسرائيلية باستمرار الانقسام، كما أن الفلسطينيين، وخصوصًا حركة حماس يتحملون المسؤولية عن الانتقال من الانقسام إلى الانفصال.
نعم، من حق الشعب أن يتساءل أين منظمة التحرير والسلطة وحكومة التوافق الوطني مما يجري من ترتيبات بشأن غزة والقدس؟ وإلى متى سيبقى أهالي قطاع غزة وأهالي القدس ينتظرون هذه الأطراف (المنقذ الوطني الشرعي)؟.للأسف فإن موقف هذه الجهات أصبح كشاهد الزور، إما متواطئ بالخفاء أو عاجز عن فعل شيء ،وفي الحالتين فإن مسؤوليتهم لا تقل عن مسؤولية الآخرين.
استمرار حالة الانقسام والعجز الفلسطيني مع استمرار إسرائيل في استكمال مخططها سواء في القدس أو قطاع غزة يجعل أي حديث اليوم عن الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مجرد لغو ولا أساس موضوعي له على أرض الواقع.
إن لم يتم التوصل لاستراتيجية وطنية موحدة لكيفية التعامل مع قضية القدس ومشكلة قطاع غزة وإعادتهما إلى ايالة وإشراف السلطة ومنظمة التحرير، فإن أي انجاز دبلوماسي أو قانوني بخصوص الدولة الفلسطينية لن تكون له أية قيمة وسيضاف إلى عشرات القرارات الدولية حول القضية الفلسطينية التي صدرت منذ عام 1947، كما أن أي حديث ماضوي عن المقاومة وانجازاتها في قطاع غزة والتهديد بالويل والثبور إن لم تتوقف إسرائيل عن ممارساتها لن يكون إلا لغوا وخطابًا توتيريًا ممقوتًا يعزز من حالة الفتنة والانقسام دون تأثير على إسرائيل. الواقع والقوة وموازينها هم المِحك الحقيقي للحكم على الأمور وليس القانون الدولي والشرعية الدولية، ولا الشعارات والتلاعب بمشاعر وعواطف جماهير فقيرة وجائعة ومحاصرة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"