قلم/ اكرم عطا الله
هنا في فلسطين لا أحد يستمع لأحد، الجميع يعتقد أن طريقه وحده هو الصواب تماماً أحزاب وأفراد، وجماعات ، العقول متناثرة والقوى كذلك، والواقع غارق في التراجع حد الانهيار والنقاش الذي يدور في الصالونات والغرف المغلقة تسيطر عليه القضايا الصغرى فيما الوطن يتعرض لأخطر أزمة منذ ولادة الحركة الوطنية الفلسطينية.
منذ سنوات يجري ترحيل للتساؤلات الصعبة بما يشي بتواطؤ الجميع مع الحالة القائمة فكل السياسيين كانوا يعرفون أن الوضع الفلسطيني دخل عنق زجاجة ضيقة منذ نهايات تسعينات القرن الماضي وربما استدرك البعض أن بداية المسار شابها أخطاء جسيمة لكن لا أحد اقترب من جدية تساؤلات اللحظة التي فرضت نفسها مبكراً منذ مقولة "لا مواعيد مقدسة "وصولاً لفشل كامب ديفيد وتجاوز المدة الزمنية للاتفاق المؤقت ليتحول الى مزمن.
لم يحدث الجدل الفلسطيني المطلوب وغاب الفكر السياسي الفلسطيني كعادته أو غُيّب واختارت القيادة الفلسطينية حينها بدائل أخرى منها الهروب الى الأمام واشعال الانتفاضة على أمل دفع الاسرائيليين نحو مساراً أكثر جدياً بعد اكتشاف سوء النوايا وتلك كما ظهر الآن لم تكن موفقة بل قاتلة، أما الخيار الآخر هو البقاء في حالة الانتظار علها تحدث ما يكفي من التغيرات الخارجية لتقدم للفلسطيني الى ما يريد على طبق التاريخ واكتشف أيضاً أن هذا الخيار لم يكن أفضل من سابقه.
كلا الخيارين لم يكونا سوى نتاج مساراً كان يقف على أرضية صلبة من الخداع الاسرائيلي يقابلها أرضية هشة من الفهم الفلسطيني وانزلاقه الى أسوأ المعادلات التي لم يكن يعرف عندما وضع نفسه بداخلها أنها ستشكل أزمة المشروع معتقداً حينها أنها السبيل نحو الخلاص والطريق نحو نهايات ساقتها أحكام التاريخ الذي ظل الفلسطيني في حالة استئناف دائم عليها لأكثر من أربعة عقود.
صحيح أن لكل تجربة فرادتها وأن الخصوصيات الفريدة لكل ثورة لا تجعلها تصل الى حد الانقلاب على السائد في منظومة العلاقة الاشكالية الاشتباكية الدائمة مع المحتل والتي تدرجت في كل الثورات بين النضال السلمي كما فعل غاندي في الهند والكفاح المسلح كما فعل "هوشي منه" في فيتنام وما بينهما من وسائل لكن لم يحدث أن أقيمت علاقة ذات طابع مؤسساتي مع المحتل صحيح أن نوايا الطرف الفلسطيني لم تكن بهذا الدهاء معتقدة أنها فترة مؤقتة ستنتهي بإقامة الدولة بعد المفاوضات التي تطلب مؤسسات موازية لكن النتيجة الآن بعد رُبع قرن على اتفاق اعلان المبادئ وبعد خُمس قرن على النهاية المفترضة للاتفاق أننا أمام علاقة مأسسة بين الاحتلال وشعب تحت الاحتلال وفي هذا كسر لكل القواعد التي حكمت العلاقة للحالات المشابهة في كل صراعات التاريخ.
اذن فإن ما هو قائم من تراكيب سياسية مأسست طبيعة العلاقة مع الاحتلال أصبحت مع التجربة جزء من تطويع الحالة الفلسطينية لصالح تحويلها الى حالة دائمة تحت السيطرة وتخضع للمقايضة في كل شيء ولديها حسابات دقيقة ومسئوليات هي مرغمة على التعاطي معها وتحقيقها بما تتطلبه تلك المسئوليات التي حملها الفلسطيني من تنازلات وتلك على امتداد ربع قرن أوجدت حالة فريدة من نوعها وحشرت الكفاح الفلسطيني في خانة واحدة وهي خانة التفاوض بلا عوامل مساندة بعيداً عن التجارب التاريخية المماثلة وتلك جعلت الاسرائيلي صاحب القرار الأخير وعندما اكتشف الفلسطيني متأخراً أن الاسرائيلي يمارس عملية الخداع كانت العلاقة القائمة مع المحتل لا تترك له خيارات كثيرة ليذهب لمؤسسات الدولية التي لم يستطيع جميعها وعلى امتداد سبعة عقود من تحريك الموقف والسلوك الاسرائيلي قيد أنملة.
إذن فإن الفلسطيني أولاً وبعد تراكم التجربة وثقلها بحاجة الى مراجعة كبيرة مراجعة طبيعة العلاقة المشوهة مع الاحتلال فلا يجوز لشعب تحت الاحتلال أن ينظم علاقته بهذا الشكل معه، صحيح أن هذا كان اعتقاد بريء في البدايات كمدخل لبناء المؤسسات ومدخل للاستقلال لكن بعد اكتشاف أن ذلك لم يكن أكثر من كمين تم نصبه بإحكام شديد انتهى الى هذه النهاية المكشوفة فان اعادة العلاقة الى طبيعتها الأولى مع الاحتلال هي الشكل الذي يجب أن يتم التفكير به ... علاقة الاشتباك وليس التكامل والتنسيق والا فإن القبول بما هو قائم يعني التسليم بكل الدهاء الاسرائيلي الذي ثبت أنه لا يريد أكثر من سلطة تمارس عملها بوصاية أو تحت مسئولية المحتل وهكذا كان خلال العقدين الماضيين.
آن الأوان للخروج من عنق الزجاجة ولدى الشعب الكثير مما يقوله ولدى مفكري السياسة ومنظريها ما يمكن الالتفات اليه في سياق مشروع التحرر من الاحتلال بل وتصبح المراجعة أكثر ضرورية بعد وصول العملية التجريبية الى طريق مسدود وارتطامها بهذا الشكل، الاسرائيلي أكثر وضوحاً مع الانزياح نحو اليمين والأميركي أكثر انكشافاً فماذا لدى الفلسطيني؟ هو سؤال اللحظة وسؤال الضرورة ...!!
نقلا عن / نبأ برس