بقلم: د.أحمد عزم
رغم أن (الأونروا) تأسست قبل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بسنوات وقبل اتفاق أوسلو بعقود، فإنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهدد بعقاب القيادة الفلسطينية عبرها، وفيما هذا الرئيس يتعامل بردود الفعل والهبات الارتجالية، فإنّ الإسرائيليين سارعوا لدراسة استغلال الفكرة لتحقيق أهداف بعيدة المدى. في الأثناء فإنّ الأونروا وعملها، باتت أشبه بالسكين ذات الحدين؛ الذي يفسد حياة اللاجئ، وفي الوقت ذاته يديمها ولا يستغني عنها، فتحولت لسلاح بيد الفلسطينيين وضدهم.
عندما تأسست وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1949، كان المتوقع أنّها ستتعامل مع قضية اللاجئين، بطريقتين. الأولى، تقديم مساعدات عاجلة للحياة اليومية للفلسطينيين، مع أنّ اسمها بحد ذاته، وبعد نحو عام فقط على نكبة فلسطين، يشي أنها تتضمن برنامجاً لعدم العودة، فهناك "تشغيل". علما أنّ الاسم الأول، في نهاية العام 1948، كان "هيئة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين"، دون ذكر التشغيل. لكن فضلًا عن أهمية المساعدات وفرص العمل التي قدمتها الوكالة، تحولت الوكالة لإحدى طرق صيانة الهوية والقضية الفلسطينية بحسب ما يرى جزء من الفلسطينيين والعالم، على الأقل.
أحد الاستنتاجات الممكنة أنّ القضية الوطنية تزدهر إذا وجد اللاجئ والإنسان كفاف يومه وما يكفي حياته، وأحيانًا حتى عندما يصيبه الثراء، بقدر ما يدفعه العوز للنقمة، فبمجرد تمكن بعض الشبان من العمل (عبر الوكالة أو غيرها) ومن الدراسة بدأوا ينظمون ثورتهم. وأصبح التسجيل في وكالة الغوث، مع الوقت جزءا من تسجيل الحق بالعودة. وهذا مثلا ما فعله طبيب فلسطيني مقيم بألمانيا، يكاد لا يتقن العربية، فبذل جهدًا هائلًا، بعد عشرات السنوات من نكبته في العام 1948، ليحصل على بطاقة الوكالة، طبعاً ليس طلبًا للمساعدات بل لتأكيد من هو وطني، في ظل غياب وثيقة تثبت فلسطينيته يورثها لأبنائه.
الآن تهدد إدارة دونالد ترامب بوقف ما تقدمه لوكالة الغوث، عقابًا للقيادة الفلسطينية والفلسطينيين على رفضهم قرار "رفع القدس عن الطاولة" كما يسميه ترامب، أي رفضهم شطب جزء أساسي من قضيتهم، مع أنّ الوكالة لا تتعامل أصلا مع جانب سياسي، وليست القيادة الفلسطينية من ينفق أموالها ويوجهها. أمّا تعليق بنيامين نتنياهو، فكان تأييده الحل التدريجي للوكالة، وتحويل مهامها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (التي تمّ تأسيسها بعد عام تقريبا من تأسيس الأونروا وترعى شؤون باقي لاجئي العالم)، وهدفه ألا يكون هناك منظمة خاصة بالفلسطينيين، وأن يجري الاهتمام بخدمات المعوزين وحسب، وبالحد الأدنى، هذا رغم أنّ المفوضية السامية تقدم خدمات للاجئين تتضمن حماية قانونية وأمورا لا تقدمها الأونروا.
ما تزال مشكلة اللاجئين تراوح مكانها في كثير من المجالات، فوضع بعض مخيمات اللاجئين لا يلبي متطلبات الحد الأدنى للحياة الإنسانية، من حيث البنية التحتية، ومتطلبات النظافة، والحياة الصحية بحدها الأدنى، في أسوأ حالاتها، ولا تتضمن تقديم خدمات أساسية، فمثلا مع أزمة الكهرباء الخانقة، في قطاع غزة، أين دور الوكالة في توفيرها؟ رغم ذلك بات شطب الوكالة مقدمة لشطب حق العودة، وإلغاء صفة لاجئ، وللطلب من السلطة الفلسطينية، الواقعة تحت الاحتلال، تحمل هذه المهمة نيابة عن الاحتلال والعالم، والطلب من دول أخرى توطين اللاجئين.
تهديدات الولايات المتحدة بعقاب الفلسطينيين سياسياً بتجويعهم وقتلهم عبر عدم توفر ما هو أقل من الحد الأدنى من العلاج ومتطلبات الحياة، فرصة لفتح عدة ملفات، أولها الطابع الطوعي لمساهمات دول العالم في ميزانية الوكالة، فحتى دول سببت نكبة فلسطين مثل بريطانيا وغيرها لا تلتزم بتوفير متطلبات الوكالة، ما يجعل الوكالة (وبالتالي الفلسطيني) متسولًا على أبواب الحكومات. وثانيا، طبيعة ومستوى الحياة في المخيمات وبعض الخدمات (منها الكهرباء)، وثالثا، العملية السياسية المطلوبة لعودة اللاجئين.
لقد كان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية العام 1964، باعتبارها منظمة اللاجئ الفلسطيني ليناضل حتى يعود، ثم تحولت للوطن المعنوي ومقدّم خدمات للاجئ، حاملة ضمناً جزءاً من مهام الأونروا. حان الوقت لتقدم دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير، والفلسطينيون تصورا مفصلا لوضع اللاجئين وكيفية ردع العالم ووكالة الغوث من الهروب من مسؤولياتهم.
صحيفة الغد
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"