غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الله تعالى.. هل يهتم؟

بقلم/ عمر محمد

بعد مشاهدة فلم كرتوني يروي قصة خاتم الأنبياء محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، بشكل مبسط، مع أطفالي ليلة البارحة، جلست أتأمل في سؤال ابنتي عندما لاحظت أمرا مريبا أثار الشكوك في نفسها، وهي تتابع لحظات قيام مشركي مكة بحصار أتباع الديانة الجديدة في شعب عبد المطلب، وكانت بفطرتها الطفولية السليمة التي لم تلوثها دنيا الكبار، غير قادرة على ايجاد أية فروق بين ما مارسه الكفار في هذا الفيلم، وبين ما يقوم به "المسلمون" من فرض حصار مباشر على أتباع نفس الديانة من المسلمين، حسبما ترامى إليه سمعها في غوطة دمشق، وتراءى لناظريها في غزة وسيناء.

وبكل ما يعنيه السؤال من بساطة في الطرح، فإنه يحمل في طيّاته من العمق الفلسفي والأيديولوجي والتأصيلي الديني، معانٍ قد تنسف منظومة التباين الأخلاقي في القيم التي يجب أن يحملها المسلم وتميزه عن باقي البشر، وفي ماهية هذا "المسلم" على أرض الواقع اليوم، وموقعه المتأخر شكلا ومضمونا عن هذه المنظومة، وحتى عن منظومات وضعية وغير إسلامية، لكنها تتبع قوانين معاصرة ترقى لحفظ كرامة وحرية الإنسان، ويتم تطبيقها في حدها الأدنى على الأقل.

هل بات "المسلم" في قالبه الحالي أشد خطرا على الإسلام حتى من كفار قريش؟ أو من أعداء الاسلام التقليديين من حكومات الدول الغربية والاستعمارية؟ في ظل التطور التكنولوجي الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي، وإمكانية وصول المعلومة والحدث بكافة تفاصيلها وأبعادها، وكأن كل من يشاهدها أو يقرأ عنها يعيشها لحظة حدوثها، على المباشر؟

ولنبسط الأمور، فلنحاول أن نتوقع رد فعل شخصين يتابعان بشكل يومي تفاصيل الأحداث في بعض البقاع، أحدهما مسلم والآخر غير مسلم لكنه يريد أن يفهم هذا الدين، ولنبدأ به كمتابع خارجي وبعيد لا يعرف شيئا عن التعاليم الحقيقية لهذا الدين، لكنه يرى الواقع المرير الذي يعيشونه "أصحاب الاسلام" .

بكل بساطة هو يشاهد مسلما يحاصر مسلما، يذبح مسلما، يقتل طفلا آمنا ببرميل متفجر، يروع امرأة محجبة، ويمنع الدواء والغذاء عن مسلمين في الغوطة مثلا، يفعل هذا كله وهو يهتف الله أكبر، ينتقل إلى هاشتاق آخر، فيشاهد معاناة مرضى يطلبون الشفاء من الله على معبر رفح، فيما علامة السجود بارزة في جبهة من يقف وراء البوابة من الجهة الأخرى، يشاهد أبناء القدس يصلون في الأقصى ثم يقتلون منذ سبعون عاما في الطرقات، يتنقل بين عناوين اليمن والسعودية، الروهينجا وأندونيسيا، أفغانستان وايران، يحاول أن يفهم موقف أتباع هذا الدين وسبب صمتهم الطويل وعدم تفاعلهم، عدم سعيهم للتغيير، رضوخهم للواقع الأليم، موتهم من نفس الكأس كل يوم دون أن يستبدلوه، لا يجد الإجابة التي يبحث عنها، ينفر ويعتقد أن ما رآه بأم عينه هو دليل مقنع على كذب ما كان يدعيه صديقه المسلم في نفس الحي الغربي حول تعاليم العدل والثورة على الظلم ومساندة المظلومين، والرحمة والتقوى والتكافل في الاسلام، والذي بالمناسبة يعيش على نفقة حكومة هذا "الكافر" كلاجئ فر من بطش أو تخلف أو فساد بلاد المسلمين.

وفي إحدى "الدول الإسلامية" التي وضعها أفضل من غيرها، فحاكمها لا يسرق كثيرا من قوت شعبه، وتكفيه بضع ملايين، يجلس مهموما أحد المسلمين الملتزمين بدينهم، بعد تناول وجبة العشاء، يشاهد نفس المشاهد على شاشة الموبايل، يتساءل كما كل ليلة، عن حال الأمة وما آل إليه وضع المسلمين، بعضهم يظلم بعضهم باسم السياسة والكياسة، بعضهم يموت باسم الدين، دماؤهم تسفك قانٍ لونها كما هي من سنين، بسلاحهم وبسلاح أعدائهم الكافرين، الفقر والتخلف لا زالوا يبسطون رداءهم، طبقات تختفي وأخرى ترتقي، ووحدها خطبة الجمعة لا زالت كما هي لم تتغير، ولا تغير خطاب أصحاب الدين، والسلاطين، والجاهلين، أو حتى مناهج التعليم، أما نحن جملة المسلمين، فنتألم من أحوال اخواننا، ونرفع أكف الدعاء في صلواتنا كل ليلة، وننفق من مالنا ما استطعنا، هذا بلاء الله أو ابتلاؤه، اللهم نجنا بأقل الأضرار وانصر المسلمين! لكنه سبحانه لحكمة لا يعلمها إلا هو لا يستجيب لدعائنا؟ أو كما قال الشيخ.

فيما أخوه بدين الله الذي يحترق بنار هذه المظالم مباشرة بإحدى البقاع الملتهبة، ويعيش ضروبا من المعاناة أشد وطئا من ظروف صاحبنا السابق، ورغم ذلك يتابع بقلق أخبار باقي المسلمين، ويحاول جاهدا منذ أعوام أن يُسمع صوته، أو أن يحرك ساكنا في نخوتهم، أو أن يوقظ فيهم تعاليم الدين، هو أيضا بات يائسا من هذا "الاسلام"، ومن أتباعه، محبطا ممن يظلمون أطفاله باسم الاسلام، وممن يغفلون عن نصرته أيضا باسم الاسلام، وممن يحملونه ديانة في هويّاتهم لكنهم أبعد ما يكونون عن تطبيق تعاليمه، بل لا يفعلون إلا عكسها وضدها، هو أيضا يدعو الله أن يرفع عنه هذا البلاء، لكنه لا يدري لماذا يشتد عليه وعلى من حوله أكثر؟ وبات في كل ليلة يتساءل، هل الله تعالى حقاً يهتم؟

في بلاد المسلمين اليوم أمثلة حية، شاملة وغنية، على جميع أشكال أنظمة الحكم، ودرجات تفاعل المجتمعات مع القضايا التي يعيشونها والأخرى المحيطة بهم، وتقريبا جميعها فشلت في الوصول لإجابات، وللوصول بقيمة الانسان والمواطن وتفاعله مع قضايا نظرائه لمستوى يليق بدعوة الاسلام، بل حتى فشلت بمقاربة الوصول لمستويات دول الغرب الكافر على الأقل. منها من تبنى الإسلام دستورا للبلاد، ومنها من جمّله بقوانين الغرب، منها من اعتمد أنظمة اقتصادية شرقية، ومنها من حكم بالنار والحديد، منها من سرق بلطف، ومنها من خطب بحب الجهاد والمقاومة، منها من باع للغرب تحت الطاولة، ومنها من طبّع مع اسرائيل في العلن، منها من سمح بالثورات والمظاهرات وأشكال التضامن، ومنها من شارك بصناعة الفتن، غيضٌ من فيض، والتفاصيل أصبحت على المباشر، وفي متناول الجميع.

يبقى التساؤل مطروحا، عندما حارب كفار قريش هذا الدين، في ظل صحوة المسلمين بقيادة رسول الله، وتصرفاتهم الصحيحة في كل خطوة وفق المنهج الإلهي في حينه، وتطبيقهم تعاليمه بحذافيرها على أخلاقهم ومعاملاتهم وتفاعلهم مع قضاياهم، وقضايا البشرية، وأطروحاتهم السياسية والاقتصادية والدينية العظيمة، هل كان أصحاب قريش يحملون نفس الدين؟ هل كانوا يعلمون بكل تعاليمه؟ هل كانوا يشعرون بالخطر على مكانتهم وتقاليدهم؟ هل خافوا من تغيير قوانينهم؟ ما هي المدة التي ظلوا يحاربون بها الاسلام قبل أن يذعنوا ويعترفوا بأخطائهم؟

للأسف، نجد كفار اليوم لا يُلامون عندما يصرّون على دينهم، أو حتى عندما يستمرون في محاربة الإسلام، على الأقل لم يجدوا ما يحثهم على تغيير قناعاتهم، أو تبديل خياراتهم، فبالنسبة لهم ما هذا الدين إلا مزيدا من البؤس لحامله، ولم نعطهم سوى الانطباعات السلبية كمسلمين في جميع أحوالنا، ظالمين أو مظلومين، بعيدين عن الهم أو قريبين، ملتزمين أو مقصرين، بل على النقيض أصبحنا نرى في مجتمعاتهم وقوانينهم وحرياتهم الخلاص لآلامنا، وبات كثير منا أقرب إلى الإلحاد واليأس وعدم فهم حقيقة الدين.

نحن اليوم كمسلمون أكبر خطرا على هذا الدين من كفار قريش، نحن اليوم أشد قبحا من أبي لهبٍ ومسيلمة، لقد خرج معظمنا من كونه مسلما حقا إلى مجرد اسم لديانة ورثها عن والديه في بطاقة الهوية، والبعض الآخر لم يعد يتعمق في دينه أو يحاول أن يفهم أو يمعن عقله أو يطبق على حياته جوهر هذا الدين، نحن ملحدون سواء أردنا أم أبينا، سواء اعترفنا أم أنكرنا، ومجرد بحث صغير على مواقع الانترنت يمكّنك من معرفة أعداد المسلمين حول العالم ومقارنة انتاجهم ومشاركتهم في الحياة العملية اليوم بنظرائهم من المجتمعات الأخرى، أو حتى نسب الفقر واليأس والانتحار لديهم، يدعوك للقلق، يكفيك أن تبحث فقط عن أقصى اهتماماتهم، أو نظرتهم إلى الله!

الله تعالى الذي أكرمهم بدينه وشريعته، وامتن عليهم أن اختصر عليهم زمنا طويلا احتاجه كفار قريش لكي يسمعوا بحقيقة هذا الدين ويسلموا، فهم لم يولدوا مسلمين مثلهم، المسلمون اليوم يحمّلون عليه أسباب فشلهم، فهو لا يستجيب دعاءهم، ولا يرى دماءهم، ولا يستطيع أن ينصر مظلومهم، ربما يهتم لما يحدث لعباده المؤمنين لكنه غير قادر على أن ينصرهم، أستغفر الله سبحانه مما آل إليه تفكير كثير من المسلمين باتوا أقرب إلى الإلحاد وأصبحوا يفضلون الاستسلام إلى خانة الظالمين أو القاعدين غير الفاعلين في دينهم ومجتمعاتهم، ولم يتساءلوا يوما إن كان الله تعالى هو من دعاهم إلى ظلم الناس؟ هل هو من أمرهم بسفك الدماء؟ هل طلب منهم الخنوع للظالمين؟ ألم يتهافتوا على الدنيا؟ ألم يناموا عن مقدساتهم؟ أم يريدون ما لهم وينسون ما هو لله وهو الغني عنهم؟ لا زال يرزقهم ويطعمهم وهم على معصيته قائمون، ثم يرمون على شماعة الإله سبحانه أسباب فشلهم وخيبتهم.

ما من جائع في بلاد المسلمين إلا لأن أحدهم قد سرق ما ليس له، أو قصر في زكاة ماله، أو أكل مالا بحرام، ما من مظلوم من أطفال المسلمين إلا لأن أحد كبارهم قد والى ظالما أو غض طرفه عن ظلمٍ، أو نسق وطبع مع الاحتلال، ما من دعاء يرد في سماء المسلمين إلا لأن الداعي لم يتوكل على الله ويؤمن به حق الايمان، أو أنه ملأ بطنه ونسي جوعى المسلمين، أو أنه جلس ساكنا لم يأخذ بالأسباب، وما من ثورة فشلت أو مقاومة نكست إلا لأنها لم تكن خالصة لوجه الله، أو شابها ظلم أو جهل أو استكبار وخيلاء، ألا إننا نصنع بأيدينا بلاءنا ونهدم ديننا، بدل أن ننشره في الأرض بأخلاقنا وسمعتنا وحضارتنا وقوتنا، ثم نسأل الله الجنة، ونعتقد في الآخرة أننا الفائزون، ألا بؤسا وتعساً لنا.

الله تعالى الذي يهتم لورقة شجر تسقط في خريف المسلمين هذا ويحصيها، ويعلم أحوال حبة خردل في ظلمات بحر التيه الذي نعيشه، قد أولى اهتماما أكبر بنا كبشر، هو خلقنا كما خلق كل شيء، لكنه جعلنا خلفاء له في الأرض، وكلفنا بعمارتها، ومن أجل هذا سخر لنا ما في السموات والأرض، وهو حقيقة واقع الأمر، فما من شيء إلا وقد مكّن الانسان منه، ورغم اعتراض الملائكة بجعل الاستخلاف من نصيب من يظلم ويسفك الدماء، إلا أنه تعالى علم ما لم يعلموا، بأن بشرا مؤمنين مسلمين له يستخدمون هذا التمكين لنشر العدل وإقامة الميزان والتقرب إليه سبحانه بالطاعات وعمارة الأرض ونشر الحضارة، فما لنا على عكس ذلك، وما أشبهنا اليوم ببني اسرائيل بالأمس، نعلم الحق ولا نتبع إلا الباطل!

قل أمر ربي بالقسط، في جميع رسالاته على ألسنة أنبيائه، كل من سكت على ظلم الانسان أخيه الانسان، وسكت عن تجاوزاته ولو في أصغر المسائل، فقد أسس لمذبحة يراها اليوم بأم عينيه، وليس له أن يجدف على الله تعالى، فالحرية التي وهبها الله لبني البشر باستخلافهم وتمكينهم، أمكن لبعضنا بها أن يكونوا من كبار الأولياء والعلماء، وأمكن لبعضنا أن يجزّوا حتى أعناق الأنبياء، كان ثمنها جميع ما نراه اليوم في هذه الدنيا من اختراعات وابداعات وعدل وجمال، وعلى النقيض كل ما نراه أيضا من قتل وظلم وافتراء، فكفانا معشر المسلمين أن نكون الأكثر بعدا عن توجيهات ربنا، بسوء استخدامنا هذه الحرية التي وهبنا، ولنكن من جديد خير أمة أخرجها للناس.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".