قلم/ أكرم عطا الله
بات واضحاً أن نتنياهو يخوض معركة البقاء بكل ما يملك من أسلحة، فالمسألة بالنسبة له حياة أو موت لن يستسلم فيها وبكل ما أوتي من ميكافيلية مكنته من أن يستمر أطول فترة حكم في تاريخ إسرائيل، وهو لا يتصور نفسه خارجه بعد أن تمكن من تصفية وإبعاد خصومه في الحزب مرتاحاً لانزياح الشارع وسيطرة اليمين في إسرائيل، هذا يعني أنه كان يعد نفسه لسنوات طويلة قادمة كما وصفه بعض مريديه "ملك إسرائيل".
جاءت التحقيقات وقضايا الفساد التي حاصرته في أكثر من ملف كان غارقاً بها مشغولاً بعقد صفقات لضمان حياة باذخة وضمان حياة طويلة بالحكم، لأن جزءاً من القضايا وتحديداً الملف الذي تم التحقيق معه أول من أمس بسببه لمدة خمس ساعات يتعلق بتحسين صورته للبقاء.
الشرطة الإسرائيلية رفعت توصياتها للمستشار القضائي في ملف الرشاوى التي كان يتلقاها من الملياردير آرنون ميلشين وجمعت كل الأدلة، وجندت شهوداً منهم مديرون سابقون لمكتبه بالإضافة إلى شهادة ميليشين نفسه، وأيضا في ملف "يديعوت أحرونوت" وضعت الشرطة يدها على أدلة دامغة وتسجيلات، وكانت التوصية بمحاكمة نتنياهو هذا قبل أن تنفجر القضية الجديدة التي أعطيت رقم 4000 والمتعلقة بمالك موقع "واللا" شاؤول ألوفيتش، وهو نفسه مالك شركة بيزيك للاتصالات الذي استفاد حوالي 260 مليون دولار تسهيلات مقابل تغطية اخبارية لصالح نتنياهو في موقع "واللا".
بعناد شديد يقاتل نتنياهو حتى لا يدان أو يسقط، يكتب على صفحته مكذباً كل فساده وفساد عائلته، وكأن ليس هناك شيء كما يقول محاولاً إرسال رسائل لمؤيديه وللرأي العام حاول النيل من جهاز الشرطة ومفتشه العام، وحاول أن يشرع قانون حصانته في الكنيست وفشل، بل ازدادت التحقيقات، وهكذا مع كل محاولاته بقيت له محاولة واحدة لقطع الطريق على القضاء، فهو لن يستسلم بسهولة بعد كل ما قام به من تمهيد لإخلاء الساحة السياسية له وحده.
يبدو أن نتنياهو الآن قد وصل إلى قناعة أن الأصفاد تقترب من يديه وأن لا خيار، وأن رسائله التي حاولها لم تسعفه أمام الدلائل التي تملكها الشرطة، وأن كل محاولاته السابقة لن تنقذه، لذا فإنه يستل ورقته الأخيرة وهي مواجهة الشرطة والقضاء بالشعب الإسرائيلي متكئاً على شارع يميني لم يعد يعنيه فساد رئيس حكومة بقدر الإيمان بأرض إسرائيل، كما كتب القيادي العمالي السابق حاييم رامون في صحيفة معاريف أول من أمس، في مقال بعنوان "فن التركيز لدى اليمين .. بلاد إسرائيل الكاملة تسبق كل شيء".
وهذا ما يفسر صمت الائتلاف اليميني الذي لم يهتز وهو يتابع أدلة الفساد التي كانت كفيلة بأن يقفز كل منهم من مركب نتنياهو الغارق بلا شك، ولكنهم ظلوا متماسكين إلى جانبه، وإن سقط نتنياهو أو تم حل الحكومة وهذا السيناريو الذي يعمل عليه، فقد تُحل لأسباب أخرى غير الفساد، أي أن يحكم حلها لتدعيم فساده ومساعدته على مواجهة القضاء، السلاح الأخير الذي يستله نتنياهو هو مواجهته بشيء آخر القضاء بالانتخابات.
خطة نتنياهو المكشوفة وهي حل الحكومة من خلال عرقلة التصويت على الميزانية التي يجب إقرارها حتى منتصف هذا الشهر وفقاً للقانون الإسرائيلي بأنه إذا لم تقر الموازنة بموعدها فهذا يعني حل الحكومة والتوجه لانتخابات جديدة.
ولكن كيف يتم عرقلة إقرار الموازنة في ظل الانسجام القائم ورغبة الأحزاب المشاركة في الائتلاف بالبقاء كما نتنياهو والتمسك بهذه الحكومة؟ هنا تبدو أزمة قانون إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية الذي أخرجته الأحزاب الدينية فجأة واضعة شرط تمريره وتحويله إلى قانون أساسي لمصادقتها على الميزانية.
نتنياهو والمراقبون يعرفون أن الاستجابة لهذا الشرط سيثير انتقادات كثيرة من قبل الأكثرية، بما في ذلك مؤيدوه وشريكه ليبرمان الذي قاتل ضد هذا القانون بسبب عدم المساواة التي يتضمنها النص الذي يقول "الخدمة العسكرية في إسرائيل إلزامية للرجال والنساء اليهود، ولكنها غير إلزامية للعرب واليهود الذين يدرسون التوراة" وبالتالي لن يقبل نتنياهو المصادقة على القانون، ما يعني عدم موافقة الحزبين الدينيين على الموازنة وهما حزبا شاس ويهدوت هتوراة.
على الجانب الآخر، فإن الشريك الأبرز في الائتلاف موشي كحلون المنشق السابق عن حزب الليكود ووزير المالية الحالي يهدد بالمقابل بتفكيك الحكومة والانسحاب من الائتلاف والذهاب لانتخابات برلمانية مبكرة إذا لم يتم المصادقة على ميزانية 2019 في موعدها خلال أسبوعين.
آخر ما في جعبة نتنياهو هو قلب الطاولة السياسية على الجميع متفاهماً مع اليمين الصلب في الحكومة والعودة للبقاء، وحينها تدخل إسرائيل في عملية انتخابية، ويتم تجميد التحقيقات ولا يستطيع المستشار القضائي إعداد لائحة اتهام أثناء الانتخابات وقبلها، وبالتالي تجميد كل شيء، وهكذا فإن الاستطلاعات التي يدركها الليكود ما زالت في صالحه وتعطيه فرصة مضمونة للعودة للحكم.
ولأن لا بديل حتى الآن يظهر منافساً لنتنياهو في الحزب ولا أحد يطالب بإقالته، لذا فهو المرشح الوحيد لرئاسة الحكومة باستثناء ما قاله عضو الكنيست حزان وهو شخصية بهلوانية لا تؤخذ على محمل الجد، وبالتالي فإن السيناريو الطبيعي بعد الانزياح الشعبي نحو اليمين هو إعادة كتلة اليمين بأغلبية واضحة وفي طليعتها حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، وهكذا يضع القضاء في مواجهة مع الشارع، فالشارع قد انتخبه للتو وهو يريده قائدا لإسرائيل لأربع سنوات قادمة، وبالتالي فإن القضاء إذا ما أعد لائحة اتهام فهو يعمل ضد رغبة الشعب الإسرائيلي وضد المصالح القومية لدولة إسرائيل.
لا يهم نتنياهو تلك المعادلة المهينة لأحد أركان المؤسسات القوية التي ضمنت لإسرائيل دولة بهذه القوة، لكن الأهم هو أن يستمر بالحكم ولو على ركام اسرائيل ومؤسساتها.. هذا جيد لجميع أعداء وخصوم إسرائيل ..!
المقال يعبر عن رأي كاتبه