بقلم: عبد الناصر النجار
"جمعة الكاوتشوك" كانت كلمة السر في الأسبوع الثاني من مسيرة العودة، والهدف من دخان الكاوتشوك حجب سلاح الاحتلال القاتل عن صدور فتية وأطفال وشيوخ ما زالوا يعتقدون بأن عودتهم إلى قراهم المهجرة مسألة وقت ليس إلا.. وأن نظرية التاريخ لا يمكن أن تفشل مع حق العودة، بمعنى أن دورة القوة والهيمنة التي تعيشها دولة الاحتلال لا بد أن تنتهي.. كغيرها من الدول والإمبراطوريات التي مرت على أرض فلسطين.
القضية الفلسطينية مترسخة بشكل راسخ في أجساد أصحابها وكل المدافعين عنها من العرب والمسلمين المؤمنين بعدالتها، والمعتقدين أن القضية الفلسطينية ما زالت قضيتهم الأولى، على الرغم من النوائب التي تعصف بالدول العربية، والتي أساسها حرف الأنظار عن القضية الفلسطينية وتثبيت دعائم الاحتلال.
القدس هي قلب فلسطين والأمتين العربية والإسلامية ولا حياة للجسد دون قلب. ولكن للأسف المشكلة اليوم ليست في النظام العربي المهلهل، ولا في المواقف الضعيفة، ولا في محاولة جر الجماهير العربية إلى مشاكلها الداخلية، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية، ولكن المشكلة اليوم تكمن في النخب العربية التي من المفترض أن تكون المدافع الأساسي عن القضية الفلسطينية وعلى رأسها القدس، إلا أن مجرد نظرة إلى هذه النخب تكشف عن مدى هوانها على نفسها وضعفها، وهذه النخب وخاصة النخب الإعلامية يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى، وهي الأكثرية، يلاحظ أنها الأقرب إلى النفاق "ومسح الجوخ" لأولياء النعمة بطريقة رخيصة، ولا شك في أن شعارها هو "في سبيل الوظيفة والمال يهون كل شيء وحتى لو كان الإذلال".
الفئة الثانية من النخب ما زالت رهينة الماضي، ترى أن كل شيء جميل في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي لا بد من الحفاظ عليه والتغني بأمجاده... هم يعيشون في قوقعة الماضي غير قادرين على الانفلات نحو المستقبل وتقبل المتغيرات في المنطقة. ومحاولة التأثير الإيجابي على الجمهور.
الفئة الثالثة، وهي الأضعف والأقل عدداً وعدة، وتضم القادرين على رؤية الواقع على حقيقته، وأصحابها على دراية بالمخاطر التي تحيط بالمنطقة العربية، ولديهم وجهة نظر إيجابية في طرح الحلول، ومحاولة الخروج من النفق المظلم، ولكن أصواتهم غير مسموعة وتأثيرهم أضعف إلا من حلقات أو ندوات هنا وهناك. وربما بعضهم يبدع خارج الحدود العربية في بلدان المهجر والاغتراب ولكن طريقهم صعبة وهم ما زالوا يحاولون.
مما سبق نلاحظ أن الخطر يكمن في النخب التي تندرج ضمنها الفئة الأولى المنافقة والمتسولة لفتات رزقها... وهي الأخطر لأنها للأسف تسيطر على كثير من المراكز الفعلية والمؤثرة في وسائل الإعلام، تعمل بكل جهد لتشويه الحقائق، وربما تحلم أن تغير معتقدات الناس والجماهير العريضة لإرضاء أسيادها، لأن أعضاء هذه الفئة ليسوا أكثر من عبيد.
في ندوة حول القدس في مهرجان عربي كبير كان من المفروض تسليط الضوء على المخاطر التي تتعرض لها المدينة المقدسة.. وتحشيد الرأي العام العربي أمام ما تتعرض له المدينة المقدسة من هجمة أميركية ـ إسرائيلية تحاول القضاء على عروبتها وفلسطينيتها بشكل كامل. المتحدثون في الندوة هم من الإعلاميين المهمين في مواقعهم. فلسطينيو الهوى وعروبيون أصلاء... ولكن المقدم وهو صحافي يعمل في مؤسسة كانت مرموقة، ولكنها شبه منهارة الآن، حرف الأنظار عن القضية برمتها، ما أثار حفيظة المتحدثين، فهو لا يرى أن للقدس أي قدسية ولا يراها للمسلمين فقط وإنما أيضاً لليهود أيضاً، وأن لهم حقاً فيها، ولا يرى أن لا قيمة لبذل كثير من الجهد لمواجهة الأمر الواقع لأن ذلك يحد من تنمية المنطقة. وبالتالي لا يجوز اعتبار إسرائيل هي العدو، لأن هناك عدواً أخطر من وجهة نظره وهو إيران.
هذا مثال على أحد أفراد هذه النخبة المتساقطة... بعد الندوة توجه عشرات الأشخاص نحو هذا "المرتزق" للتعبير عن استيائهم، لأنه كان من المفروض أن تكون أسئلته موضوعية، ومن أجل القدس وفي سبيل القدس. فما كان منه إلاّ الرد بأن تلك هي وجهة نظره.
أعجبني رد رئيس تحرير صحيفة قومية مصرية عليه بالقول له: "أقسم بالله لو كنت موجوداً في مكان آخر لضربك الجمهور بالأحذية"، عندها تذكرت مقولة الشهيد القائد كمال ناصر "حتى لا تصبح الخيانة وجهة نظر"...!
في النهاية، من يحمي القدس هم أهلها، ولعلّ التاريخ يشهد على ذلك، وواقعة الأبواب الإلكترونية تشهد، ولا شك في أن ملايين الحناجر العربية والإسلامية التي خرجت رافعة صوتها هي من ساهمت بإسقاط "صفعة العصر"... فهل يعتبر هؤلاء؟!
وشر البلية عندما نسمع ونشاهد فرداً من الطائفة الشيعية المحترمة في لبنان وهو يحاول تشويه هذه الطائفة بالانحياز إلى عدو الأمة الأصيل.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"