بقلم: عبد الناصر النجار
أطلقت سلطات الاحتلال الرصاصة القاتلة في معركة الحدود بشكل رسمي الأسبوع الماضي مع استهدافها التجمعات السكانية الفلسطينية في منطقة الخان الأحمر، علمًا أن إحدى أهم إشكاليات الحدود مع الاحتلال هي الأغوار الفلسطينية، أو ما يطلق عليه قادة الاحتلال الحدود الشرقية، وبذلك تستمر سلطات الاحتلال في فرض صفقة العصر بطريقتها الخاصة.
ابتداء من خطة آلون في سبعينيات القرن الماضي وليس انتهاء بحكومة الفصل العنصري الليكودية، فإن هناك إجماعًا إسرائيليًا على السيطرة الكاملة على الأغوار.
ولكن ما علاقة الأغوار بالخان الأحمر؟ لمن لا يعرف الحدود الجغرافية للضفة الغربية، فإن منطقة الخان الأحمر هي المنطقة الفاصلة بين ما يطلق عليه القدس الكبرى وبين الحدود الشرقية (الحدود مع الأردن) أي فعليًا منطقة الأغوار.
لقد تباطأ المخطط الإسرائيلي للسيطرة على المنطقة الجغرافية الممتدة من شمال القدس باتجاه الشرق قبل عدة سنوات، عندما أعلنت سلطات الاحتلال عن المشروع الاستيطاني (E1)، وهو المشروع الذي سيلتهم مئات آلاف الدونمات من الأراضي الممتدة من بلدات عناتا والزعيم والعيزرية وأبو ديس والسواحرة إلى البحر الميت.
الشوكة في قرار الضم كانت التجمعات البدوية المتناثرة في هذه المنطقة.
تمكنت سلطات الاحتلال قبل عشرين عامًا من تهجير عشرات العائلات البدوية تحت الضغط والترهيب من المناطق المجاورة للتجمع الاستيطاني "معاليه أدوميم" وأقامت مجموعة من المستوطنات الصغيرة بجوار المستوطنة الأم، من أجل تشكيل تكتل استيطاني كبير يعتبر امتدادًا للقدس الكبرى حسب المفهوم الإسرائيلي.
ومع ذلك، جرى تأجيل مخطط "E1" بسبب الضغوط الأوروبية وموقف الإدارة الأميركية السابقة في عهد الرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما.
رفضت الإدارة الأميركية السابقة هذا المخطط الاستيطاني وضغطت لعدم تمريره لأنه سيحسم عمليًا إحدى إشكاليات المرحلة النهائية وهي الحدود.
سلطات الاحتلال بدأت إجراءاتها في التطهير الديمغرافي للوجود الفلسطيني في منطقة الخان الأحمر من خلال عدة إجراءات من بينها منع إقامة أي بناء في المنطقة، علمًا أن الأبنية هي مجرد خيام أو مساكن من الصفيح للعائلات البدوية أو حظائر للماشية. ثم منعت إقامة أي مؤسسات مدنية في تلك المنطقة، وعملت على تنفيذ عمليات هدم بشكل مستعجل لأي بناء جديد يقام في المنطقة. حتى المدرسة الوحيدة لم تسلم من هذه الاعتداءات.
ولكن مع تغير الإدارة الأميركية، وسياستها لتصفية القضية الفلسطينية، تغير المشهد على الأرض، فأخذت سلطات الاحتلال الضوء الأخضر من إدارة ترامب، ومستشاريه من أجل حسم قضايا الحل النهائي الواحدة تلو الأخرى.
كانت البداية بمدينة القدس، عندما نقلت واشنطن السفارة من تل أبيب إليها، واعترفت بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، وبالتالي وفق ترامب ومستشاريه أُخرجت إحدى قضايا المرحلة النهائية من "الحل النهائي".
الخطوة الثانية تمثلت بإخراج قضية اللاجئين هي الأخرى، والتي ربما كانت العقبة في جميع المفاوضات السياسية سابقاً. حيث طرحت عشرات السيناريوهات من أجل الالتفاف على هذه القضية، أو حلها بطريقة ممسوخة.
إدارة ترامب وضمن صفقة العصر، وجهت ضربة لقضية اللاجئين من خلال وقف تمويل نشاطات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ودعواتها الصريحة إلى إنهاء هذه الوكالة الدولية. على اعتبار أن تصفيتها يعني تصفية قضية اللاجئين.
وكالة الغوث تعاني أزمة مالية وتنفذ جراءها تقليصات في مختلف خدماتها، وقد تتمكن هذا العام من الاستمرار، ولكن لا أحد يعلم ماذا سيحصل في العام المقبل أو الذي يليه. لكن المؤكد هو أن تصفية وكالة الغوث بدأت فعلياً بقرار من إدارة ترامب وبضغط من حكومة الاحتلال.
المرحلة الثالثة جاءت لحسم قضية الحدود، فمن جهة أعطت إدارة ترامب الضوء الأخضر من أجل توسيع الاستيطان فيما يسمى الكتل الاستيطانية، وأعلنت تشجيعها ضم مناطق استيطانية إلى حدود دولة الاحتلال وبشكل خاص تجمع "معاليه أدوميم" الاستيطاني.
بمعنى آخر قضية الخان الأحمر هي في صلب صفقة العصر من أجل خلق أمر واقع يخدم رؤية الاحتلال لقضية الحدود.
معركة الخان الأحمر هي معركة فلسطينية بامتياز، يجب على الجميع التصدي لها، لأن خسارتها تعني بالمطلق تغييرًا ديمغرافيًا خطيرًا جدًا، وفصل جنوب الضفة عن المناطق الشرقية للقدس. حتى الوصول إلى أريحا ضمن المخطط الإسرائيلي لسكان جنوب الضفة سيكون من خلال الشارع الجديد الذي يمتد من بيت ساحور باتجاه الزعيم ومن هناك إلى منطقة جبع ومخماس باتجاه طريق المعرجات التي ستصبح الطريق الرئيسة لمنطقة أريحا ومعبر الكرامة.
إذن هي معركة مخطط لها، ويبدو أن تنفيذ هذا المخطط على أرض الواقع أصبح مسألة وقت ليس إلاّ.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"