بقلم / محمد عبد الحميد
يحرص معالي الوزير ألا تفوته فرصة واحدة، إلا واستغلها ليرجم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالقنابل الصوتية. ولا يقرأ أزمة محلية واحدة إلا ويرى فيها عنصراً للاجئين الفلسطينيين، يحملهم من خلاله العبء الأكبر لهذه الأزمة، إن في الأمن، أو الاقتصاد، أو العمالة، أو التوترات الإقليمية أو غيرها من القضايا التي تشهدها الحياة السياسية للبلاد.
ولمناسبة إخراج الموازنة الحكومية، وإبعاد الشبهات، وجد معالي الوزير أن اللاجئين الفلسطينيين يتحملون مسؤولية ما عن أزمة التمويل اللبناني، وحاول أن يلتف في مناورة بدت مكشوفة ومثيرة للسخرية حين حاول أن يبرر أسباب حماية اليد العاملة اللبنانية من اليد العاملة الغريبة، «الأميركية والفرنسية والسعودية والسورية والفلسطينية»(!).
ويدرك معالي الوزير أن العمالة اللبنانية هي التي تنافس الأميركية والفرنسية والسعودية في أوطانها، وقد أثار تصريحه سخرية البعض حين وصفوا كيف غصت بوابات العاصمة بيروت بآلاف العمال الأميركيين والفرنسيين والسعوديين الوافدين للعمل في لبنان، ليبدو التصريح عارياً، فمقصده، حسب نوايا الوزير، هم العمال السوريون، الذين يقول أنهم تجاوزوا المليون ونصف مليون سوري، والعمال الفلسطينيون اللاجئون إلى لبنان منذ الأيام الأولى للنكبة.
إطلاق الوزير النار على مصالح العمال الفلسطينيين في لبنان، ليس عملاً بريئاً. ومحاولة الربط بين وجود العمالة الفلسطينية (وغيرها) وبين الأزمات الاقتصادية اللبنانية، ليس هو الآخر عملاً بريئاً. فإذا جرى الربط بين هذا وبين مواقف سابقة لمعالي الوزير، تبين كيف يستغل القضية الفلسطينية، ليس لتأكيد موقف لبنان ضد إسرائيل، بما فيها احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وتعديها على الحدود البحرية والبرية للبنان، وليس لتأكيد مسؤولية الغرب في صناعة مشكلة اللاجئين، ومسؤوليته عن حلها، وليس للتصدي لمشاريع ترامب وغيره من الإدارات الأميركية لتصفية المسألة الفلسطينية ... بل يستغلها في إطار الحروب الداخلية الصغيرة، التي يعتقد معالي الوزير أن من شأنها أن تكبر حجمه، وأن تعمق نفوذه، وأن تزيد شعبيته، وأن تمنح تياره أبعاداً جديدة. وكأن مرحلة الحرب الداخلية في لبنان، لم تنتهِ زمناً عند معالي الوزير، وكأنها محاولة مكشوفة للنفخ في نيران هذه الحرب، إلى الحدود التي لا تشعلها، لكنها تكسبه معارك صغيرة؛ في محاولات لشد العصب الفئوي والطائفي والمذهبي، وهو يدرك جيداً أن اللاجئ الفلسطيني ليس، على الاطلاق، طرفاً، في هذه المعارك، ولن يكون، وإن حاول الكثير جره إليها، بشكل أو بآخر، فاللاجئ الفلسطيني أكثر وعياً من كل المحاولات الفاشلة والمفضوحة.
وإذا كان معالي الوزير قلقاً من خطر التوطين فإن عليه، أن يميز بين خطر آتٍ على يد إسرائيل، والولايات المتحدة، وبين خطر يحاول أن يزور حقيقته ليوحي وكأن اللاجئ الفلسطيني هو مصدره.
وليت معالي الوزير كان حاضراً في موقعة مارون الراس حين اقتحم الشباب الفلسطيني، الحدود المسيجة نحو فلسطين بالصدور العارية، غير آبهين على الاطلاق بالرصاص الإسرائيلي الذي تساقط عليهم بغزارة فاستشهد من استشهد، وخلص عندها الكثيرون من أصحاب القرار في لبنان، إلى نتيجة مؤكدة أن لا خوف من التوطين، ما دام شعب فلسطين بشيوخه، ورجاله، وشبابه، ونسائه يرفضه، ويتمسك بحق العودة إلى ديارهم مهما غلت التضحيات.
يدرك معالي الوزير أن الأمن في المخيمات أكثر استقراراً من بعض المناطق خارجه، وأن معدل الجريمة فيها يكاد يكون صفراً، رغم أنها مخيمات مكتظة بالسكان، ومحرومة من العديد من الخدمات الإنسانية ولو بحدها الأدنى.
هل تواضع معالي الوزير، كما فعل بعض من زملائه الآخرين، لزيارة مخيم برج البراجنة مثلاً أو مخيم شاتيلا، أو حتى مخيم عين الحلوة فهو هناك لا يحتاج إلى تأشيرة دخول.
ربما زيارته إلى المخيمات قد توضح له أشياء، ربما هو يعرفها، لكه يتجاهلها.
لكن على معالي الوزير أن يعرف مسبقاً أن طريق بعبدا لا يمر من مخيم عين الحلوة.