غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

صفقة القرن طرقت بابي

زياد خداش

بقلم: زياد خدّاش

كانت الساعة قد تجاوزت الواحدةَ ليلاً، كنا نياماً.. أُمي وأبي وجدي وجدتي وحفيدان وأنا.
طرقٌ متواصل على الباب، نهض أبي مفزوعاً، فتح الحفيدان عيونهما، بَحلقا في الباب، استيقظ جدي وجدتي: يا رب سترك، فِش عنا ولاد كبار شو بدهم؟

-لا أحد يأتي بعد منتصف الليل إلا الجنود، هكذا تعودنا في المخيم.
فتح أبي الباب، كانت صفقة القرن تقف خلف الباب مبتسمةً وتحمل على ظهرها كيساً بلاستيكياً أسودَ من النوع الذي يضعون فيه القمامة.

-أنا صفقة القرن، أعتذر عن الإزعاج، ولكنني لا أستطيع أن أمشي بالشارع بهذا الكيس المملوء بملايين الدولارات إلا ليلاً بعد أن ينام البشر فاعذروني.. اعذروني.
-ما الذي تريدينه يا صفقة القرن؟

-كيس الملايين من الدولارات هذا مقابل كيس ذاكرتكم وأحلامكم جميعاً، وسيكون الأمر سهلاً عليكم، لقد اكتشفنا عقاراً سرياً يلغي الذكريات والاحلام في بضع دقائق ويجعل الذاكرة بيضاء وجديدة، ويحيل الأحلام الى رماد.
سمعتُ ضحكاتِ جدي وجدتي وأبي وأُمي.

- جرِّبوا، لن تخسروا، العقار على شكل سائل لطيف الطعم، بضع دقائق وأسحبُ منكم الذاكرة والحلم.
استمر أبي وأمي وجدي وجدتي بالضحك، قلت لصفقة القرن: لكن ذاكرتي قوية وأحلامي أقوى، ولن ينفع معها أي عقار.
-لماذا لا تجرّبون، جربوا فقط.

لم ينقطع ضحك البيت.
قلت لصفقة القرن: سأجرب على ذاكرتي، أنا لدي ذكريات قوية أعتقدُ أنها ستفيض على عقارك وستلغيه او تحوله الى جزء من ذكرياتي.

(بيارات جدي، رأسه الذي لم تسِل منه قطرةُ دم، قصص جدي مع الأصحاب، السمسم والبرتقال، صيد العصافير، الزيتون والفول والقطار والعلية وأعراس الفلاحين، ونهارات الحصاد، والسحاحير التي ينام فيها الأطفال بينما الأمهات مشغولات بمساعدة الرجال في الزراعة والبناء والحصاد، السهر والنوم فوق السطح، موت أحد أعمامي طفلاً، مدرسة أبي التي تعلم فيها طفلاً).
هذا جزء من ذكرياتي يا صفقة القرن التي أورثها لي جدي، أما حلمي فهو أن أعود الى قريتي المخطوفة وأبنيَ هناك بيتاً جميلاً، وقرب البيت تقف سيارة جاكوار فاخرة، أركبها كل صباح وأذهب الى يافا حيث هناك أُعلّم الكتابة الابداعية في جامعة يافا.

شربتُ العقار، وبعد بضع ثوانٍ طلبت مني صفقة القرن أن اسرد لها ذكرياتي وأحلامي، سردتُ لها كل ما قلته قبلاً عن جدي والفول والقطار والعلية والعصافير والبرتقال والسحاحير والأمهات الرائعات، وحين سكتُّ اعتقدَت صفقة القرن بأن العقار قد ألغى حلمي، فقالت لي ساخرة: اُسرد لي حلمَك، أريد أن أعرف إن ألغاه العقار أم لا، قلت لها مرة أخرى: أريد بيتاً جميلاً في قريتي تقف قربه سيارة فاخرة من نوع ( جاكوار).

ذُهلَت صفقة القرن من قوة ذكرياتي وقوة حلمي.
راحت تطلب مني مرةً أخرى سرد ذكرياتي وحلمي علها تجد معلومة ناقصة أو كلمة ضائعة هنا او هناك، سردتُ للمرة الثالثة ذكرياتي وأحلامي.

حين وصلتُ الى السيارة الفاخرة التي تقف أمام بيتي لم اذكر نوعها، فصاحت صفقة القرن مبتهجة: ها أنت تنسى، بدأ مفعول العقار.
ضحك جدي ضحكةً ضخمة زلزلت البيت والمخيم: لم ينسَ حفيدي نوع السيارة، كلُّ ما في الأمر أنه باع (الجاكوار) واشترى ( فراري).

عن صحيفة الأيام

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".