بقلم: إبراهيم ابراش
دعوة الرئيس أبو مازن لانتخابات عامة وردود فعل الأحزاب عليها والتفاعل الشعبي الكبير معها أربكت المشهد السياسي الفلسطيني وخلطت الأوراق وغيرت الأولويات حتى قبل أن يتم الإعلان عن موعدها أو أي تفاهمات بشأنها، فهل الانتخابات باتت وشيكة أم أنها همروجة للهروب من استحقاقات أخرى ؟
كنا نتمنى نجاح سياسة التوافق والتراضي وإعادة بناء النظام السياسي دون اللجوء للانتخابات أو أن يكون توافق مسبق عليها حتى لا تتكرر تجربة الانتخابات التشريعية 2006 وحتى لا نخضع للابتزاز الإسرائيلي، إلا أن عشرة سنوات من حوارات المصالحة لم تنجح في التوفيق بين الأحزاب، وخلال هذه السنوات العجاف تشكلت طبقة سياسية مستفيدة من الانقسام وبقاء الأمور على حالها ومعنية بإفشال أي جهود لإجراء الانتخابات وهي في ذلك تلتقي مع مصلحة إسرائيل، وبالتالي أصبح بقاء الأمور على حالها تدميراً للقضية الوطنية مما جعل الانتخابات مطلباً شعبياً عاماً لأن الشعب لم يعد يثق بالنخب السياسية القائمة ويريد التغيير وخصوصاً عندما يرى نجاح الانتخابات في إخراج مجتمعات من أزماتها بل ومن حالة حرب أهلية كما هو في تونس .
فما أن أعلن الرئيس أبو مازن من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي عن توجهه لإجراء انتخابات عامة حتى حدثت همروجة كبيرة حول الانتخابات وانشغلت كل الأحزاب وشغلت معها الشعب بقضية الانتخابات مع أنها ليست المرة الأولى التي يدعو فيها الرئيس إلى إجراء الانتخابات فالأمر حدث عدة مرات كما أن كل تفاهمات المصالحة كانت تؤكد على إجراء الانتخابات ،فما الجديد الذي يجعل مسألة الانتخابات تثير كل هذا الاهتمام ؟ وهل هذا مؤشر على نضج ووعي سياسي عند الأحزاب والنخب الحاكمة وأن الظروف الآن أصبحت مواتية لإجرائها؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها والهدف ليس الانتخابات بحد ذاتها ؟
من الطبيعي أن يعلن الرئيس عن رغبته في إجراء الانتخابات لأنه رئيس كل الشعب والمسؤول الأول عنه والانتخابات استحقاق دستوري لا يمكن التهرب منه إلى ما لا نهاية أو التذرع بأن إسرائيل هي المُعيق ،كما أن الرئيس استشعر أن الشعب يريد الانتخابات وأن النظام السياسي وصل لطريق مسدود، ولا نستبعد أنه تلوح في الأفق تسوية سياسية جديدة تحتاج لتجديد شرعية مؤسسات السلطة ،أيضا لم يكن أمام الأحزاب إلا الترحيب بالانتخابات وخصوصا أنها دائما كانت تتهم القيادة بأنها لا تريد إجراء الانتخابات، وإن كنا نتمنى صدق نوايا الجميع واستعدادهم فعليا لخوض مغامرة الانتخابات إلا أن الخشية أن يكون هذا الاهتمام الكبير بالانتخابات هدفه إبعاد الأنظار عن المأزق الذي تعيشه كل الأطراف الفلسطينية .
فقبل دعوة الرئيس للانتخابات كان الاهتمام منصبا والحديث يدور حول ضرورة الانتقال من مرحلة الحكم الذاتي إلى الدولة وحول قرارات القيادة بوقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وتنفيذ قرارات سابقة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير ووقف كل الاتصالات مع إسرائيل الخ ،ولم يتم تنفيذ أي من هذه القرارات والتوجهات مما وضع السلطة والقيادة في مأزق ،وبالنسبة للفصائل الأخرى وخصوصا حركتي حماس والجهاد فمأزقهما لا يقل عن مأزق الطرف الأول حيث وصلت المقاومة بكل أساليبها من صواريخ وأنفاق ومسيرات عودة لطريق مسدود ،كما أن اتفاقية الهدنة لم تحقق ما كانت الفصائل تأمله وخصوصا تحسين الأوضاع المعيشية في قطاع غزة ورفع الحصار .
وهكذا جاء موضوع الانتخابات كمركب إنقاذ أو ملهاة لتوجيه الأنظار من مأزق الأحزاب والنخب الحاكمة إلى قضية تجد قبولا واهتماما عند الشعب، كما أن دعوة الرئيس لانتخابات عامة جاءت بصيغة مبهمة وعامة وموجه للرأي العام الخارجي وفي سياق انتقاد السياسة الإسرائيلية التي تعطل كل شيء بما فيها الانتخابات مع اتهامات مبطنة لحركة حماس ،أكثر مما هو موجه للداخل حيث يدرك تعقيدات المشهد السياسي الداخلي مطالبا "الأمم المتحدة والجهات الدولية ذات العلاقة للإشراف على إجراء هذه الانتخابات"، مؤكدا أنه سيحمل المسؤولية الكاملة لأية جهة تسعى لتعطيل إجرائها في موعدها المحدد، فالرئيس لم يحدد موعدا للانتخابات كما أنه طالب بإشراف دولي عليها لأنه يعرف صعوبات إجرائها .
سننطلق من حسن النية بافتراض أن كل الأطراف الفلسطينية حاولت أن تفي بوعودها للشعب وتنفذ التزاماتها الوطنية وقراراتها إلا أن هذا لم يحدث سواء بسبب خلل داخلي عندها أو بسبب قوة الخصم وخداعه وغياب إرادة دولية للضغط على إسرائيل، وبالتالي فإن لجوئها للانتخابات إن كان بحسن نية وإرادة حقيقية قد يشفع لها ،وخصوصا أن فلسفة الانتخابات تتضمن منح مخرجا للنخب الحاكمة للخروج من مأزق سياسي تمر به أو الهروب من استحقاقات أكثر كلفة من مغامرة الانتخابات، إلا أن استمرار المناكفات وغياب أي بوادر للمصالحة ولو في حدود التهيئة للانتخابات يثير شكوكا قوية حول مصداقية النخب السياسية بالاحتكام للشعب من خلال الانتخابات ،لذا فإن على الشعب التحرك ووقف هذه المهزلة لأن الانتخابات ليس منحة من حاكم بل حق للشعب .
ما يميز موضوع الانتخابات في هذه المرة وبغض النظر عن نوايا النخب الحاكمة هي حالة الغضب عند الشعب على السلطتين والحكومتين وفقدان السلطتين مصداقيتهما وتراجع شعبيتهما حيث تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن كلا من حركة حماس وحركة فتح تتراوح نسبة تمثيلهما شعبيا ما بين 20% و30% فقط ووجود مؤشرات جادة على استعداد الشعب للتمرد على السلطتين و البحث عن بدائل عن الحزبين، وبالتالي قد تكون الانتخابات بالنسبة للحزبين الكبيرين أهون الشرور إن تصرفا بعقلانية، لأن الانتخابات في النهاية تقوم على إرادة ورغبة الشعب وليس رغبة النخب الحاكمة ولو تُرك الأمر لهذه الأخيرة ما فكرت بالانتخابات .
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن طرح تساؤلات منها : علاقة هذه الانتخابات باتفاق المصالحة في أكتوبر 2017 وورقة الفصائل الثمانية حول المصالحة وكلتاهما أدرجتا الانتخابات كخطوة لاحقة إما لتمكين الحكومة أو لتشكيل حكومة وحدة وطنية ؟وهل ستحل الانتخابات تلقائيا المشاكل وقضايا الخلافات التي عجزت حوارات المصالحة على حلها ؟
نتفهم حالة الغضب عند الشعب ورغبته بإجراء الانتخابات بأي ثمن ما دام استمرار الأمور على حالها لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدهور وضياع القضية الوطنية، إلا أنه إن كان لا بد من الانتخابات فعلى الشعب الاستمرار بالضغط على النخب السياسية حتى لا تتهرب من الاستحقاق الانتخابي، كما يجب انبثاق قوى سياسية جديدة حتى لا يُترك الأمر كمنافسة بين نفس الأحزاب والنخب المأزومة، كما أن درجة من المصالحة مطلوب قبل الانتخابات لضمان انتخابات ديمقراطية نزيهة تجري بسلاسة، دون ذلك وفي ظل وجود سلطتين متعاديتين في الضفة وغزة واستمرار حالة العداء والتخوين والتكفير وعدم الاستعداد للجلوس على طاولة واحدة للتوافق على متطلبات إجراء الانتخابات بسلاسة لا نعرف كيف ستنجح الانتخابات وكيف ستتعايش حركتا فتح وحماس بعد الانتخابات في ظل نظام واحد وسلطة واحدة ؟
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"