شمس نيوز/ غزة
قال القيادي في حركة حماس، غازي حمد، إن السعودية "تورطت في جبهة عسكرية في اليمن، وجبهة اقتصادية /سياسية مع قطر، وجبهة دينية /سياسية مع ايران، وهذه المعارك الثلاث خسرتها السعودية بامتياز، لأنها قادتها بطريقة مغامرة وغير مدروسة العواقب، وبدون حلفاء حقيقيين".
وأضاف حمد في مقال له، اليوم الاثنين، أن السعودية رفعت أيضًا "من وتيرة هجومها على حماس وحزب الله، وفتحت الباب أمام كتاب ومحللين لكي يبرروا للتطبيع ويهاجموا القضية الفلسطينية، وسرعان ما انقلبت على تركيا، في انحناءة مفاجئة، بعد أن كانت تدعم جهودها شمال سوريا".
وتابع: أن "السعودية تعرضت إلى ضربة قاصمة باستهداف منشاتها البترولية (ارامكو)، ووجهت اصابع الاتهام الى عدوها اللدود ايران، واعتقدت ان جيش البنتاغون سيرد عنها الضربة ويعيد لها شيئا من ماء الوجه لكن واشنطن خذلتها، كما خذلت غيرها، ورفضت ان تقتص لها".
نص المقال كاملاً
(1) رمال سياسية متحركة
الأحداث الصاخبة التي يموج بها الشرق الأوسط، عنيفة، دموية ومتقلبة، وخطيرة كونها تؤصل لنزاعات مستديمة وتقسيم بلدان وتغليب طوائف وتغيير اصطفافات سياسية.
العواصف السياسية جرفت في طريقها دولا وعواصم وتحالفات، بدءاً من اليمن مروراً بالسعودية فقطر فالعراق، ثم تجرك العواصف العاتية الى سوريا فايران فلبنان وفلسطين وتركيا وايران، وتجد صداها في السودان وتونس والجزائر.
كل هذه المناطق تموج على بحر من الرمال السياسية المتحركة، تتقلب بسرعة، تسير على الحافة، بعضها جدي الى درجة الخطورة، وبعضها الاخر مفتعل مسرحي، وبعضها متشابك معقد.
من اين يبدأ هذا المسلسل واين ينتهي؟
دعونا نبدأ باللاعب الرئيس الذي يحاول ان يقحم نفسه في خضم هذه المعادلة المعقدة.
تتوزع خياراته بين المغامرة والتردد والانسحاب.
(2) واشنطن: المغامرة، التردد والفشل
انها الولايات المتحدة، التي يدير مغامراتها السياسية رئيس مزاجي ومتقلب.
واشنطن تحاول اللعب على كل هذه الاوتار ضمن رؤيتها ومصالحها السياسية والاقتصادية، لذا تارة تجدها حليفا، ثم سرعان ما تنقلب الى متفرج أو خصم!!
هذا الرئيس المغامر والمتعطش الى اموال الاثرياء في الشرق الاوسط يتبع سياسة:( ادفع كي نقدم لك خدمات،لا شيء مجاني)، لم تعد الولايات المتحدة كما هي، تغيرت حساباتها وموازينها.
هذا تغير استراتيجي واعادة تموضع سياسي وعسكري، ما يفتح الباب امام فاعلين اخرين للدخول على ساحة الشرق الاوسط.
بدأ ترامب مغامراته السياسية المراهقة مع أخطر القضايا وأكثرها حساسية –القضية الفلسطينية، أدار ظهره لها واعطه دعمه الاعمى لدولته الاحتلال، وتصور انه أصبح المسيح القادم لاسرائيل، لذلك صفق له اليمينيون والمسيحيون الصهاينة كثيرا، والاسرائيليون رصفوا له شارعا خاصا باسمه !!
ترامب وضع القضية الفلسطينية في ثلاجة سياسية، وأبو مازن يحاول كسر جليدها دون جدوى!!
أعلن عن صفقة القرن بنهم واندفاع وسطحية مفرطة، وسوقها على انها عصا موسى، ثم ما لبث أن تراجع وتردد، وعد ثم اخلف..ثم طواها في مكتبه الى أن يحين (الظرف المناسب)!!
ثم بدأ هذا (المراهق الامريكي) يتعثر ويتخبط في الملفات الكبيرة، بدأها بالمكسيك ثم الصين، ثم فتح جبهة مع ايران، ثم انتقل ليشاغب الاتراك في تحركاتهم السياسية شمال سوريا.
(3) السعودية وعش الدبابير!!
ترامب وضع السعودية نصب عينيه، ليس كونها تشكل ثقلا سياسيا ودينيا ،بل كونها تمتلك ابار النفط، واعلن أنه يمكن الدفاع عنها مقابل المال، ورغم ملف السعودية في مجال حقوق الانسان الا أنه اغمض عينيه طمعا في الثروة السعودية.
بسرعة فائقة، تبنى ترامب (الاصلاحي) الجديد محمد بن سلمان ودعم خطواته كي تكون السعودية في الواجهة السياسية. محمد بن سلمان صدق محابيه، واعتقد انه يقود عملية اصلاح حقيقية، لكنه وقع في حفر سياسية عميقة، كان اولها قتل الصحفي خاشقجي، وكانت اول ضربه له (في مقتل)، اظهرته كشاب مغامر يحاول اثبات نفسه انه يقود بلاده نحو الانفتاح والعالمية.
السعودية فتحت على نفسها (عش الدبابير) !!
تورطت في جبهة عسكرية في اليمن، وجبهة اقتصادية /سياسية مع قطر، وجبهة دينية /سياسية مع ايران، وهذه المعارك الثلاث خسرتها السعودية بامتياز، لأنها قادتها بطريقة مغامرة وغير مدروسة العواقب، وبدون حلفاء حقيقيين.
ثم رفعت من وتيرة هجومها على حماس وحزب الله، وفتحت الباب امام كتاب ومحللين لكي يبرروا للتطبيع ويهاجموا القضية الفلسطينية، وسرعان ما انقلبت على تركيا، في انحناءة مفاجئة، بعد ان كانت تدعم جهودها شمال سوريا.
السعودية تعرضت الى ضربة قاصمة باستهداف منشاتها البترولية (ارامكو)، ووجهت اصابع الاتهام الى عدوها اللدود ايران، واعتقدت ان جيش البنتاغون سيرد عنها الضربة ويعيد لها شيئا من ماء الوجه لكن واشنطن خذلتها، كما خذلت غيرها، ورفضت ان تقتص لها.
ترامب، ذلك المتعثر، تخلي ايضا عن الاكراد، وقال لهم بلهجة ساخرة (على الأكراد أن يطلبوا من نابليون بونابرت حمايتهم من العدوان التركي..وأن يقاتلوا بمفردهم".
حين يفشل ترامب سياسيا فانه يستخدم عصاته المحببة(العقوبات الاقتصادية)، وهذا ما فعله مع ايران وتركيا، ولوح بها لروسيا والصين، غير ان عصاة ترامب هذه لم تعد ترهب/تردع أحدا، لان هنالك الكثير من الاساليب التي يمكن الالتفاف عليها.
(4) ايران.. البحث عن مكان في الاقليم
ايران مثلت نموذجا مختلفا، محل جدل ومحل خلاف بين خصومها وحتى أصدقائها.
ايران تريد-وباصرار- اثبات نفسها كقوة اقليمية لا يمكن تجاوزها، وقد نجحت الى حد ما في فرض نفسها بقوة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ورغم العقوبات الاقتصادية الا انها تحدت البيت الابيض واستمرت في برنامجها النووي، ووقفت بقوة وصلابة ضد سياسات السعودية في المنطقة، وتشير كثير من التحليلات العسكرية والسياسية ان ضرب منشآت ارامكو السعودية كانت بقرار وتنفيذ منها،وانها ارادت ان تلقن السعودية درسا في الردع ومحاصرة دورها في الخليج واليمن.
السعودية، على ما يبدو استوعبت الدرس جيدا، وبدأت تبحث عن مخرج لها في اليمن، وأيقنت ان (المتغطي بأمريكا عريان)، وأن عليها ان تعالج مشاكلها في المنطقة، خصوصا مع ايران، لذا بدأت في تسريب رسائل ذات مغزى.
لحقتها الامارات، التي سارعت الى اعادة تصويب علاقتها مع ايران، رغم انهما خصمان لدودان في اليمن وفي كثير من قضايا المنطقة.
ايران مقتنعة ان لديها من القدرات والامكانيات لتجاوز العقوبات الامريكية، وحتى تجاوز الانظمة العربية الهزيلة التي لم تعد تشكل لها أي مصدر تهديد.
لكن مشكلة ايران في ملعب الشرق الاوسط "عويصة"، اذ انها دخلت في مناطق نزاع طائفي وحساس جدا في العالم العربي، ولم تنجح في تسويق نفسها كقوة تدعم الديمقراطية والربيع العربي، لذا فان (ابتلاعها) في المنطقة لن يكون سهلا.
لا تريد ايران لقوة اخرى ان تنافسها في المنطقة، لذا فإنها تلجأ الى طرق واساليب وسياسات تحرض خصومها عليها، وأحيانا تحرج اصدقاءها.
امام ايران عدو غير هين، ينافسها في القوة وتوسع النفوذ، اسرائيل!
وضعت اسرائيل ايران في مرماها، وحرضت على محاصرتها ومعاقبتها ووقف برنامجها النووي واخراج قواتها من سوريا، ووجهت جيشها المحتل ضربات عسكرية الى قواعدها في سوريا ولبنان، ثم امتدت الضربات الى مقرات الحشد الشعبي في العراق، وتباهى نتنياهو انه اخترق النظام النووي الايراني وحصل على كثير من الوثائق والمستندات خلال عملية قرصنة خطيرة، وكان الاستغراب ان ايران لم ترد على كل هذه الهجمات المتكررة سوى بالتهديد، ويبدو انها كانت تتجنب الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة دون ان تكون مستعدة جيدا، خاصة في ظل العقوبات التي تحاصرها.
بدأت اسرائيل تشعر ان سياساتها في محاصرة ايران لم تعد تجدي كثيرا، وان عليها ان تبحث عن خيارات اخرى، خاصة بعد ان فشلت في اقناع الامريكان بتوجيه ضربة عسكرية لها، وفي اقناع الاوربيين في نفض يدهم من دعم مشروعها النووي، وايضا في احساسها ان ايران اصبحت ذات تأثير نافذ على المنطقة حولها.
استغلت اسرائيل ضرب منشآت ارامكوا لتنصب نفسها الشرطي والمحقق حيث اكد نتنياهو ان ايران هي التي تقف وراء الهجوم، غير ان هذه(الفرقعة) الاعلامية لم تلتفت انتباه أحد.
لذلك، يحاول نتنياهو الآن التخفيف من حدة هجومه على ايران ، حتى لا يبدو وكأنه يضغط على الأميركيين للتحرك عسكريًا ضدّ إيران، في مغامرة من غير الواضح إن كانت ستنجح أم لا.
اما ايران فهي (تتصيد) من بعيد وترقب التحركات الاسرائيلية، وبدأ جنرالات في اسرائيل يدعون الى عدم الدخول في مواجهة خاسرة مع ايران.
(5) اسرائيل ..المأزومة داخليا
رغم قوتها العسكرية الهائلة واستقرارها السياسي ونموها الاقتصادي وتطورها في كثير من المجالات، الا ان اسرائيل تواجه تحديات كبيرة في المنطقة. وهذه التحديات لم تتوقف، تزيد وتنقص، تقترب وتبتعد، لذا فان اسرائيل دوما في حالة استنفار، وتحاول أن تقاتل على اكثر من جبهة، (عسكريا) ضد غزة ولبنان على وجه الخصوص، و(سياسيا) ضد نفوذ ايران وقوة تأثير تركيا.
اسرائيل تسوق نفسها-عالميا- انها الوحيدة(ديمقراطيا)،المتفوقة (عسكريا)، المتطورة(اقتصاديا)، ومن هذه الواجهات تحاول الدخول الى الخواصر(الضعيفة)، وتبحث عن مخارج لعزلتها السياسية.
اليوم تدخل حالة انسداد سياسي في تشكيل الحكومة، لكن هذا قد يكون مؤقتا، ولا ينبغي للمتسرعين ان يعولوا عليه في ان اسرائيل دخلت أزمة مستحكمة وانها تسير في حالة انحدار.
بخلاف العرب، تعلم الاسرائيليون دوما الا يصلوا الى الحافة في خلافاتهم الداخلية.
لكن تبقى اسرائيل دائما مهددة، خائفة ومتخوفة، مستنفرة، تشك في كل شيء حولها، تخشى وتحسب حسابا لكل تغير في المنطقة أو قوة صاعدة، لذا فان أذكياء السياسة يجب ان يتعلموا جيدا كيف يحشرون هذا(الوحش) في الزاوية وكيف يستغلون نقاط ضعفه ،وسيكتشفون ان اجباره على التنازل أسهل مما كانوا يظنون.!!
(6) تركيا.. الحرب على جبهات متعددة
تركيا محرك قوى للمعادلة في الشرق الاوسط، بقوتها الاقتصادية وحضورها السياسي وكاريزما قائدها أردوغان، غير أن محاولة الاخرين محاصرتها تجعلها مشغولة بنفسها وتعزيز قوتها والحفاظ على أمنها واقتصادها.
المشاغب ترامب هدد تركيا أكثر من مرة بمعاقبتها اقتصاديا، وبعض الاوروبيين تواطئوا معه، والعرب انقسموا حول سياسات انقرة ، غير أن أردوغان تجاوز عنق الزجاجة ونجح في جمع الاتراك حوله ودعم مساره السياسي والعسكري، وكانت هذه علامة قوة له.
تركيا خرجت عن الطوق الامريكي، وقررت أن تخوض حملة عسكرية ضد توجهات البيت الابيض كي تحافظ على حدودها وتمنع قيام دولة للاكراد شمال سوريا . اسرائيل استنفرت، ونظرت بخطورة كبيرة، كونها تعتبر الاكراد حليفا لها وتدعم دولة لهم تمزق من خلالها سوريا، واعتقدت ان امريكا ستدعم موقفها وحثتها على دعم الاكراد بالسلاح والعتاد، غير انها صدمت بالانسحاب الامريكي، وفسح المجال امام ترتيب اوضاع المنطقة الحدودية.
اسرائيل صرخت واستصرخت الامريكان الذين اصموا اذانهم، وانقرة داهمت وأفشلت المشروع الكردي في ميلاد دولة حليفة للصهاينة.
يبدو ان تركيا تسير بخطى واثقة ، وخطابات اردوغان تؤكد انه ماض بقوة نحو تحقيق الامن لبلاده وتنظيف الحدود من المشاغبات الطفيلية للاكراد.
الامريكان سلموا ورفعوا رايتهم البيضاء، وذلك المتعثر ترامب اعترف: (اردوغان قائد، صديقي الفذ)!!
(7) الخروج من الركود السياسي
في الشرق الاوسط المشتعل، هناك دول تحاول الخروج من حالة الركود السياسي. بعضها فشل، والاخر يتململ، والثالث بدأ يحبو خطواته الاولى.
تونس نجحت في اعادة النظام الديمقراطي الى حظيرتها، والسودان انتزعت حالة من الاستقرار السياسي النسبي من خلال ترتيب انتقالي سلس، والجزائر- بعنت واجهاد- تحاول اللحاق بالدور، اما العراق فقد دخل طور الغضب الشعبي ضد فساد الحكم وتعسف الطائفية وتهلهل النظام، لكن غير معروف الى اين ستؤدي به هذه الفوضى. ولبنان لحق بموكب الغضب الشعبي ، غير ان عملية احتواءه او الالتفاف على مطالبه وارد . صحيح هناك ضغط في الشارع لكن القوى اللبنانية (المبعثرة) سياسيا وطائفيا، تقاتل الا تفقد دورها و(حصتها) في الحكومة .لذا فان لبنان مقبل على فترة متقلبة قد تدفع اما الى انهيار النظام أو تؤدي الى تغيير حقيقي.
هناك دول (صامتة)، لا صوت لها ولا حراك. تتفرج على الاحداث حولها وتكتفي بتصريحات هزيلة وبيانات فارغة. فقط تجلس على مقاعد الاحتياط.
اللاعبون الباقون
المنطقة تسير الى تغيرات، ربما تكون ضبابية او فيها قليل من الايجابية المستندة الى ارادة بعض الشعوب .
لاعبون كثر غادروا الملعب بعد ان فقدوا قوتهم وتأثيرهم.
هناك ثلاثة لاعبون رئيسون سيبقون في ساحة الملعب : ايران وتركيا ودولة الاحتلال. بين الثلاثة صراع خفي ومعلن، سيحاول كل طرف تعزيز قوته ونفوذه بالمنطقة ،و امريكا تحاول التخفيف من وجودها السياسي والعسكري( لانها لا تريد ان تدفع من خزينتها)، والروس لن يشكلوا منافسا بديلا لان مشاكلهم الاقتصادية تطغي عليهم.
اسرائيل تريد اختراق منظومة الشرق الاوسط من بوابة التطبيع، وايران تحاول من بوابة (تصدير الثورة) والدخول الى مناطق النزاعات، وتركيا الصاعدة –بدرجة أقل- تحاول ان تبعد عن نفسها (شرور) الازمات الصاخبة في الشرق الاوسط.
هكذا حال الشرق الاوسط، يتقلب على صفيح ساخن، وقد يطول هذا التقلب لفترة غير معلومة، لكنه سيبقى محل صراع بين (الكبار).