غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الحوار والانتخابات الفلسطينية

مصالحة

بقلم: باسل بوحمدة

تشهد الساحة الفلسطينية حراكا سياسيا بطيئا يعكس توجهات طيف من الأفكار والتيارات المتباينة في مراميها حد التناقض بما في ذلك الدعوة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية في مناطق نفوذ السلطة الوطنية الفلسطينية التي لا تمثل قانونيا وسياسيا ووطنيا سوى نفسها في ظل معطى انفصامها عن الواقع الفلسطيني المتشظي جغرافيا وديموغرافيا، وما يستدعي ذلك من تنوع المصالح والاهتمامات لدى التجمعات أو المجتمعات الفلسطينية المتناثرة في الأرض والتي باتت تفتقر إلى الروابط التنظيمية والإدارية وربما النفسية التي تجمعها بعد أن تخلت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية عن لعب دور الممثل الشامل لخارطة انتشار الشعب الفلسطيني ومصالحه من جهة، وبعد أن ذهبت حركة حماس بعيدا في الاستحواذ على السلطة التنفيذية في قطاع غزة من الجهة الأخرى، فضلا عن تشكل طبقة سياسية في كلا منطقتي النفوذ هاتين تتحرك وفق أجندات بوصلتها الرئيسية الموجهة نحو عصب التمويل والنفوذ القادم من الخارج في غالب الأحيان، بينما لا يعلو سقفها السياسي عن سقف اتفاقية أوسلو التي طواها واقع الاحتلال والاستيطان وقضم الأراضي إلى غير رجعة إلى درجة اعلان موتها السريري من قبل حتى الأطراف الموقعة عليها.

هذا يعني أن الانتخابات الفلسطينية المزمع تنظيمها حاليا، حتى في حال نجاحها، لن تقدم بديلا عن الواقع المتهالك والمتآكل الذي بلغه النظام السياسي الفلسطيني ولن تستجيب لاحتياجات القضية الوطنية ومتطلباتها لا في اللحظة السياسية الراهنة ولا في المستقبل المنظور أو البعيد. وبالتالي فإن انتخابات من هذا النوع ستبقى عرجاء وناقصة الشرعية والتمثيل طالما بقيت ثلاثة مكونات من الشعب الفلسطيني في مهب الريح ومستبعدة بشكل كلي أو جزئي عن المشهد السياسي الفلسطيني وهي فلسطينيو 48 وفلسطينيو المخيمات والشتات، فضلا عن المكون المقدسي الذي لم تحسم مشاركته بالكامل في تلك الانتخابات المرهونة بالموقف الاسرائيلي ليس من مشاركة هذا المكون من عدمه وإنما من قضية القدس برمتها بوصفها صارت، من المنظور الإسرائيلي وبفضل حليفها الأمريكي، العاصمة الأبدية للدولة الدينية العبرية، وبالتالي فإن الحديث عن انتخابات تشريعية أو رئاسية فلسطينية أو كليهما معا بالمعنى الوطني الشامل لا يستجيب، عمليا، للواقع الجغرافي والديموغرافي الفلسطيني، ولا يمثل، تشريعيا، كل مكونات الشعب الفلسطيني، وربما هذا ما يفسر أسبقية استخدام عبارة انتخابات فلسطينية في الضفة والقطاع على مصطلح انتخابات وطنية فلسطينية.

هذا من حيث المبدأ أو من الناحية النظرية أو التاريخية، بينما أفرز الجانب العملي من مسيرة النظام السياسي الفلسطيني المستحدث ما بعد أوسلو مجموعة لا يستهان بها من العقبات الراسخة أمام أي محاولة باتجاه تطوير الأداء السياسي الفلسطيني في ظل موازين قوى متراجعة بشكل واضح بالنسبة للطرف الفلسطيني والعربي في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعربي الإسرائيلي وفي ظل المنتج الهزيل، إنْ لم يكن المدمر، الذي قدمته الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة في الضفة والقطاع لجهة إحداث شرخ عمودي وأفقي آخر طال هذه المرة ما أصطلح على تسمية الأراضي الفلسطينية المحتلة المقتصرة اصطلاحا على جزئين فقط من الخارطة الجغرافية والديموغرافية الفلسطينية، فكان الانقسام بين سلطتين لا تشبهان بعضهما سوى بالمعطى الإسرائيلي المفروض على توجهات كليهما.

من هنا تولد حاجة ملحة، من بين احتياجات عديدة أخرى، لتقديم الحوار الوطني الفلسطيني على أي انتخابات فلسطينية سواء كانت تشريعية أم رئاسية ليس بغية إنهاء حالة الانقسام القائمة وبناء ركائز وحدة وطنية فلسطينية منشودة فحسب، بل للإجابة على مروحة من الأسئلة المحورية العالقة التي أدت في أحد جوانبها إلى حالة الانقسام وليس العكس، ذلك أن طرفي الانقسام الرئيسيين لم ينخرطا في معادلة الوحدة الوطنية أو تلاقي برامجهما إلا بعد أن عادت منظمة التحرير الفلسطينية بفصائلها وقياداتها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سقف اتفاقية أوسلو الموقعة مع طرف ثالث عدو وهو دولة الاحتلال في هذه الحالة، التي تفترض استمرار الصراع معه وتفرضه مثلما تفرض على الطرف الفلسطيني، أولا، امتلاك برنامج وطني شامل وواضح ومتفق عليه بشكل ديمقراطي من شأنه أن يعيد رسم معالم المشروع الوطني الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وفي إعادة بناء الأطر الوطنية التمثيلية الجامعة وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية بما تعنيه من قوى سياسية ومدنية، والتي أفرغت من محتواها الوطني لصالح سلطة وطنية طارئة على مشهد النظام السياسي الفلسطيني ولا تشكل بديلا عنها بأي حال.

في هذه الحالة يبدو جليا أن عملية تشكل السلطة الفلسطينية لا تمثل، في أحسن الأحوال، سوى جانب يسير من قضية استطالت في الزمان والمكان وتعاظم شأنها واستعصت على الحلول مثل القضية الفلسطينية، وذلك بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ قرن من الزمن والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وعودة لاجئيه إلى ديارهم، الأمر الذي لا يستقيم ولا يمكن أن يقف على قدميه، ليس في نتائجه فحسب وإنما حتى في مقدماته أيضا، بعيدا عن بناء مشروع وطني فلسطيني جامع لا يلغي خصوصيات كل مكون من مكونات الشعب الفلسطيني، لكنه يتكامل معها بصورة أفقية وعمودية معا، وذلك وفق معطيات يحددها واقع التبعثر التاريخي لتلك المكونات في الداخل الفلسطيني وخارجه.

ما يعني أن ما يبدو كبرى الإشكاليات التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في اللحظة الراهنة متمثلا في حالة الانقسام بين أكبر فصيلين فلسطينيين ستغدو في ظل المشروع الوطني الجامع مجرد جزئية من جزئيات العمل الوطني الفلسطيني وليس العكس مثلما هو حاصل عمليا في الزمن السياسي الفلسطيني الراهن.

إن قراءة متأنية للمشهد السياسي الفلسطيني الحالي تشي بتكاثر العوامل التي تحول دون تقدم المشروع الوطني الفلسطيني وهي تتلخص في ثلاثة: الاحتلال الإسرائيلي ذي الطبيعة الاجتثاثية، السلطة في رام الله التي تنازلت عن البرنامج الوطني الفلسطيني واكتفت بدورها كسلطة حكم ذاتي في مناطق وجودها المحدودة، وسلطة حركة حماس في غزة التي تعمل على ترسيخ سلطتها منفردة هناك. بعد أن كانت تلك العوامل مقتصرة على عامل واحد متمثلا في الاحتلال نفسه مضافا إلى ذلك عوامل إقليمية ودولية عديدة، الأمر الذي يدفع بين الحين والآخر إلى ظهور أصوات جديدة تعبر عن أفراد وربما كيانات سياسية وفكرية ناشئة تحاول تقديم اجابات على تلك المروحة من الأسئلة الكبرى العالقة على جدران القضية الفلسطينية والتي من شأنها، إنْ كتب لها النجاح، تصحيح مسارها وإعادتها إلى سيرتها الأولى ولو بشكل جزئي وتدريجي.

 

عن صحيفة القدس العربي

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".