بقلم / بسام صالح
ذهبنا للنوم في عالم، واستيقظنا في عالم اخر، فجأة اختفت مدينة ملاهي ديزني وفقدت باريس رومانسيتها. ونيويورك فقدت حيويتها واضوائها ولم تعد قادرة على الوقوف على اقدامها، وانطفأت شعلة تمثال الحرية ! وسور الصين العظيم لم يعد قلعة محصنة، مكة المكرمة والقدس ومساجد المسلمين اغلقت ابوابها، كما هي الكنائس والفاتيكان اغلقت الابواب امام المصلين والمتعبدين. روما بجمالها واثارها بقيت شامخة مكانها ولكن ما قيمة ذلك ان لم يراه البشر! توقفت الحياة في اسبانيا وبلاد الاندلس. واختفت لندن في ضبابها تعالج نفسها بذاتها.
فجأة اصبح العناق والقبلات اسلحة قاتلة، ان لا تقوم بزيارة والديك واقاربك واصدقاءك اصبح دليلا عن حبك لهم.
فجأة اكتشفنا ان السلطة والمال والجاه والجمال لا قيمة لهم، لعجزهم عن اعطاءك الاوكسجين الذي تكافح من اجله ومن خلاله كي تستمر الحياة.
اصبحنا في عالم يحكمه فيروس (غشاء بروتيني ميت ولكنه يبحث عن حياته بسلبها من البشر ليحيا) مرعب عدو مجهول عادل لا يميز بين غني وفقير بين ابيض او اسود، لا يميز بين الديانات والاعراق، وكشف لنا حقائق عديدة عن انظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كشف عورات هذا النظام العالمي الليبرالي الجديد المتوحش، وكشف هشاشة القيم التي طالما تغنينا بها، الحرية، المساواة التاخي. كشف لنا هذا الفيروس ان بيننا فيروسات اخرى لم تتمكن الحضارة والتطور الثقافي الانساني من اجتثاثها، بل رسخها في كثير من المجتمعات ومنها الانانية والانا، ومنها من يبحث بين الجثث وعلى الجثث وهي تلك الفئة التي تقول مادام هناك حرب فهناك امل، امل الاثراء من الحروب، ومنهم فئة اخرى، امام كل ازمة او حدث انساني تهرول لجمع التبرعات والمساعدات المالية خاصة، بعيدا عن المؤسسات الموجودة، التي تملك الشفافية وحق المحاسبة، تلك الفئة تعمل لوحدها فتشكل اللجان وتتحرك في بيئة حساسة (المساجد واماكن العبادة)لا تبخل بشئ من اجل مساعدة المحتاج من افراد ومجموعات، وتجهل او تتجاهل المؤسسات المعترف بها وشفافيتها، فتقع فريسة سهلة بين ايدي تلك الفئة الانانية التي تستغل الظرف من اجل ان تقول نحن موجودين ولا يوجد من يسال عن مصير تلك الاموال التي جمعت ولماذا جمعت ومن المستفيد منها ان استفاد احد منها فعلا.
كورونا فيروس او كوفيد19 كشف عوراتنا كانسانية جمعاء، ماذا فعلنا في العالم الذي نعيش فيه، كيف استطاع الانسان تلويث الهواء والمياه والارض، من اجل ما اسميناه التقدم العلمي التكنولوجي، دون مراعاة الطبيعة وثرواتها التي سمحت لنا بالحياة، فضلات المصانع والتصنيع تنتهي في البحار والانهار وفضلات ما يتبقى من استهلاكنا اليومي تُحرق وتَحرق معها الهواء الذي نتنفس، وعشرات الالاف من الاقمار الصناعية التي تسمح لنا بالتواصل عبر الهاتف الجوال والانترنيت والتي تبث الاشعاعات الكهرومغنطيسية الضارة بصحة الكائنات الحية قبل ان تصيب بالضرر الغلاف الذي يحمي هذه الارض من الاشعاعات. كل هذا يدخل في عصب النظام الليبرالي الجديد المتوحش، الذي جعل المال والربح هدفه الاول دون مراعاة الطبيعة ودون احترام للبشر.
والكل بلا استثناء عند اي اتصال عن بُعد يتمنى للاخر ان تنتهي هذه الجائحة وان تعود الحياة لطبيعتها، والحقيقة ان لا عودة للحياة الطبيعية السابقة فهي المشكلة وليست الامل. لقد قلب كورونا الكثير من القيم والموازين التي كانت قائمة قبل قدومه ضيفا غير مرغوب، فالقوى الدولية ومراكز القوى المالية التي كانت قائمة ربما واكاد ان اجزم انها لن تعود كما كانت عليه، وستظهر القوى التي كان يطلق عليها حتى الامس دولا ناشئة لتاخذ دور القيادة المتعددة والمتضامنة على المستوى الدولي، تلك القوى التي قدمت المساعدات لكل البلدان التي تضررت من كورونا فيروس، الصين وكوبا وروسيا التان حلتا مكان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة في مساعدة ايطاليا واسبانيا وحتى للولايات المتحدة التي تخلت عن حلفائها بل قامت بعمليات بلطجة للاستيلاء على معدات طبية كانت مرسلة من الصين لاحد البلدان الاوروبية.
كورونا فيروس ايضا كشف حقيقة اخرى حاول الاعلام العالمي اخفائها ان هيمنة الولايات المتحدة وعظمتها بدأت بالانهيار، وانها ستلجأ لخلق حروبا جديدة مع دول امريكيا اللاتينية فتحرك اساطيلها باتجاه فينزويلا ربما بمحاولة لاستعادة هيمنتها العسكرية، بعد ان سقطت سياسيا في فلسطين وصفقة العصر التي انقلبت عليها.
عودة للبداية، لنكتشف ان الطبيعة بجمالها الرائع فرضت على البشرية الانغلاق في اقفاص وعلمتنا درسا " انها ليست بحاجة لنا، فالارض والهواء والسماء بخير بدون البشر" وبعثت لنا برسالة " عندما تعودون، تذكروا انكم ضيوفا ولستم اسيادا على الطبيعة".