بقلم / بسام صالح
تعلمنا منذ الصغر ان ترديد الاشاعة لاكثر من مرة تصبح حقيقة، وتعلمنا ايضا ان الكذب حباله قصيرة، وهذا ينطبق اليوم على وسائل الاعلام المعادية والشبه معادية لقضيتنا الفلسطينية، وان كانت الصهيونية العالمية قد اعتمدت ترديد الاشاعات والاكاذيب بتزوير الرواية التاريخية، وتمرير الرواية الصهيونية قد نجحت بالسيطرة على وسائل الاعلام المكتوبة والمرئية على حد سواء ولفترة طويلة من الزمن، الا انه يمكن القول ان ذلك المد الصهيوني كاد ان يهزم خلال فترة التواجد الفلسطيني الثوري في لبنان، من خلال ما انتجه مركزالابحاث و الدراسات الفلسطينية في بيروت، وما انتجه الاعلام الفلسطيني الموحد والاعلام الخارجي لحركة فتح، من دراسات وابحاث ومؤلفات شكلت الغذاء الروحي والوطني والقومي والاممي لابناء شعبنا وادوات علمية لمواجهة المد الصهيوني وتفنيد روايته الاستعمارية الاستيطانية الاحلالية.
هذا النجاح الذي حققه الاعلام الفلسطيني في تلك الفترة، عانى من ازمة حقيقية بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت، واستطاع الاعلام الصهيوني الزائف من العودة مجددا، للسيطرة على وسائل الاعلام العالمية من جديد وخاصة في اوروبا، واستغل اتفاقيات اوسلو لتمرير الكثير مخططاته الهادفة لتدمير الرواية الفلسطينية، مدعوما من راس المال اليهودي الصهيوني ومن سفارات الاحتلال في كل مكان، فتغيرت العديد من المفاهيم التي كان متعرف عليها وتلقى الدعم الشعببي والرسمي في العديد من العواصم الاوروبية، بعض الامثلة فقط لتقريب ما اريد قوله، الصراع العربي الفلسطيني الاسرائيلي تحول الى نزاع، الفدائي الذي اصبح ايقونة لكل المناضلين في العالم تحول الى ارهابي، حركة التحرر الفلسطينية تحولت لحركة تدمير للكيان المغتصب، وهكذا الان الفلسطينييون لهم دولة وعندهم جواز سفر وهناك مناطق متنازع عليها وعربا يطبعون مع الاحتلال، الى فساد السلطة والقائمين عليها.... وساهم الانقسام الفلسطيني بان زاد الطين بلة، بنشر وترجمة الخلافات الفلسطينية الداخلية لدرجة ان المحادثة مع اي نصير ومتضامن مع فلسطين يتوجب عليك ان تحدد مع من تقف من الاطراف الفلسطينية، وان قلت لا اريد الحديث بالتفاصيل فهذه لا تهم المتضامنين لنتحدث عن جذور القضية الفلسطينية والاحتلال وطبيعته وعلاقاته مع الامبريالية التي اسست لهذا الاحتلال وكيفية مواجهة ذلك فلسطينيا بالتحالف مع القوى السياسية التقدمية وقوى التضامن، لتسمع الجواب نعم صحيح ويلحقه ب لكن الوضع الداخلي عند الفلسطينيين ..
قبل ايام ضمن برنامج يبثه التلفزيون الايطالي الرسمي القناة الاولى ، برنامج على غرار حزازير اوسؤال وجواب، كان السؤال ماهي عاصمة"اسرائيل" اجابت السيدة المشاركة تل اببيب، مقدم البرنامج، لا لا خطاء انها القدس، وخسرت المتسابقة مبلغا لا باس به. بعض المتضامنين الذي شاهدوا البرنامج اصابهم الغثيان، مشاورات واجتماعات عن بُعد كيف يمكن الرد على هذا التضليل. تحركت الجالية الفلسطينية بالتعاون مع المتضامنين وتقرر توجيه رسائل احتجاج للتلفزيون الايطالي مطالبينهم على الاقل الالتزام بموقف الدولة الايطالية وقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي التي لا تعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل ولا بضمها . انهالت مئآت الرسائل تحمل نفس المضمون، وتم القيام بوقفة احتجاج امام مبنى التلفزيون ورفضت ادارته استقبال وفد عن المحتجين، وقامت سفارة فلسطين بتوجيه رسالة طالبة توخي الحقائق التاريخية وعدم تضليل الراي العام بمعلومات غير صحيحة.
بعد اسبوعين وصل كل من خاطب التلفزيون ردا مقتضبا، ان هناك أراء متضاربة حول الموضوع، وانهم بعثوا ردا رسميا للسفيرة، دون ان يذكوا انها سفيرة فلسطين، مما اثار مزيدا من الاحتجاج بين الايطالين الذين كتبوا و وقعوا باسمائهم والقابهم، كمواطنين يدفعون مجبرين الاشتراك بالتلفزيون الحكومي، فلماذا يتم الرد على السفيرة وليس على المواطن. وهكذا تم ارسال مئات الرسائل من جديد، كانت نتيجتها وعدا من مقدم البرنامج بتوضيح الموضوع في اول حلقة قادمة، جاءت بعد اكثر من ثلاث اسابيع من بث الحلقة التي اثارت الموضوع، وكان التوضيح عذرا اقبح من الذنب، لم يعتذر ولم يذكر كلمة فلسطين او الفلسطينيين، وانه لا يريد الدخول في موضوع عليه خلافات لا تهم البرنامج، وانه الغى السؤال من تلك الحلقة وكأن الامر لم يكن.
بعد البحث في خلفيات الموضوع وجدنا ان التلفزيون المطيع كان قد اجرى مقابلة مع سفير الكيان المستعمر قال فيها ان من يفكر مجرد تفكير باعادة تقسيم القدس او تدويلها هو غبار في الهواء، وان "اسرائيل" هي صاحبة القرار، ولا دخل للقانون الدولي بما تقرره "اسرئيل". واختتم بان حلمه ان تقوم ايطاليا بنقل سفارتها من تل ابيب الى القدس، وان يتم ذلك قبل انتهاء فترة عمله كسفير في ايطاليا.
هل تعلمنا كيف يعمل عدونا، وكيف يتحرك سفراؤه وممثليه. اقول ذلك من باب اعرف عدوك الشعار الذي تعلمناه في الصغر. وكيف اذعن تلفزيون حكومي لموقف اسياده الخارجيين . نعم لن تنتهي القضية مع التلفزيون، وهي الان امام اللجنة البرلمانية للرقابة على التلفزيون، وهناك من الاصدقاء القانونيين الذي اخذوا القضية بين ايديهم وسيرفعون قضية تمس الراي العام الايطالي وموقف الدولة والحكومة الايطالية من قضية هي اهم قضايا الصراع الفلسطيني مع هذا العدو المحتل، الا وهي قضية القدس عاصمة فلسطين الابدية، وهي قضية كل العرب والمسلمين شاء من شاء وابى من ابى.