بقلم: هاني حبيب
هي كارثة بالتأكيد، هي فاجعة أكثر من أن تكون مجرد حادثة قد تكون نتيجة للإهمال أو نتيجة لعملٍ مدبّر تظل كارثة بكل المقاييس، لكن إذا كانت نتيجة للإهمال فمن هي الجهة المسؤولة التي تتحمّل تداعيات هذه الكارثة، فإذا كانت مدبّرة فمن هي الجهة أو الجهات المسؤولة عنها وما هي استهدافاتها ومن يقف بشكلٍ مباشر أو غير مباشر وراءها، وباختصار هل هناك انفجار أو تفجير؟ هذه الأسئلة حول الكارثة التي ألمت بلبنان عبر فجيعة العاصمة بيروت ستظل بلا إجابات واضحة ومحددة إلى حين صدور نتائج التحقيقات الأولية على الأقل والتي من المتوقع أن تصدر، اليوم، بعد مضي خمسة أيام على تشكيل لجنة التحقيق اللبنانية بهذا الصدد.
رغم هول هذه الكارثة، إلا أن لبنان يبقى هو لبنان الذي عرفناه، يتوجّع ويتألّم لكن لا يفنى ولا ينكسر، لبنان مركز التناقضات والتعارضات والتقاطعات والتحالفات والمكشوف على كل الأنحاء القريبة والبعيدة هذا هو لبنان الذي كان يُقال على لسان طبقته السياسية في فترة ما إن قوّة لبنان في ضعفه، هذه المقولة قد سقطت على الدوام وبات حاضنا للمقاومة الفلسطينية ولثورة الشعب الفلسطيني كما هو الآن ومركزا لمقاومة الشعب اللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولم تكن لهذه المقولة أي مسوغات سوى تبرير سطوة نظامه الطائفي وتحالفاته الغربية والفرنكوفونية وشد رحاله بعيدا عن انتمائه العربي للسماح بتقاسم الحصص بين مختلف أجنحة طبقته السياسية، والحديث هنا لا يتعلّق بحكومةٍ حالية أو حكوماتٍ سابقة بقدر ما يتعلق الأمر بجوهر النظام السياسي الطائفي، ولبنان هو لبنان فرغم الكارثة المحدقة وتداعياتها لم يكن من المستغرب لكن من المستهجن أن تستثمر بعض أطراف طبقته الزبائنية هذه الفاجعة منذ اللحظة الأولى لحساباتها الشخصية والفئوية الضيقة، ومع أن الأمر يستوجب إطفاء الحريق قبل البحث عن المتسبّب فإن التصرّف على طريقة ترامب في إصدار الأحكام والمواقف المتشنجة والاستباقية لإلقاء اللوم بإيحاءات مباشرة وغير مباشرة على أطراف أخرى رغم وضوح الصورة ما يُشير وكأن هذه الفاجعة لم تغيّر شيئا فيما يتعلّق بطبيعة الطبقة السياسية الحاكمة.
في تقديرنا أن الأمر لا يتعلّق بالإصلاح الحكومي ولا بمُحاربة الفساد والفاسدين رغم أهمية ذلك، إذ إن جوهر المسألة يتعلّق بطبيعة النظام الطائفي الزبائني وبينما الإصلاح كان مطلوبا دائما وأبدا إلا أنّه ليس كافيا للوصول إلى إصلاح حقيقي دائم بمعزل عن معالجة جوهر الأمر، وقد لاحظنا أن الحراك الشعبي اللبناني خلال الشهور الأخيرة قد حاول أن يقدّم خارطة طريق للإصلاح إلا أنّه تجاهل مع ذلك المطالبة الجدية بتغيير النظام الطائفي من برامجه ما مكّن الطبقة السياسية الحد من تأثيراته، ومن جديد فإن القضية لا تتعلق بأفراد وشخصيات وحكومات يمكن إزاحتها واستبدالها بل في جوهر النظام السياسي الذي يتوجب تغييره وليس مجرد تعديله أو تنقيحه هنا أو هناك، هذا هو الحل الذي كان دائما ما يوضع جانبا لصالح استمرار سطوة النظام الطائفي والمناطقي والزبائني.
في هذا السياق، نعتقد أن الخلاف حول طبيعة لجنة التحقيق أمر مشروع بالنظر إلى جملة من المعطيات ليس أقلها عدم ثقة الجمهور بالمؤسسة الحاكمة كما كان الأمر عليه طوال عقود طويلة، إلا أن المشكلة ليست في الخلاف بحد ذاته بل بمرامي واستهدافات أطرافه، فالبعض لا يريد أن يرى مخاطر التدويل في حين لا يرى البعض الآخر مخاطر الانطواء على الذات، المحكمة الدولية الخاصة باستشهاد الحريري استمرت لأكثر من 15 عاما قبل أن تقدم نتائج تحقيقاتها ومع أن هناك فرقا ما بين لجنة التحقيق والمحكمة إلا أنه في كلا الحالتين فإن جملة من التدخلات والمهاترات والحسابات الداخلية كانت وستظل لا تمنح محكمة دولية أو لجنة تحقيق دولية بمجرد أنها كذلك القدرة على التمسك بقيم العدالة والحياة.
لبنان هو لبنان، فقد كان من المأمول أن يتوحّد في ظل هذه الكارثة، أي أن يتغيّر ومع ذلك ما زال منقسما على ذاته، أحد مشاهد هذا الانقسام تجلى في ناحيتين متعارضتين، فبينما نرى أن عددا من المواطنين اللبنانيين قد تقدموا بطلب عودة الانتداب الفرنسي على لبنان من خلال جمع توقيعات وبسرعة تدعو إلى الشك وتقديمها للزائر الكبير الرئيس الفرنسي، وبالمقابل، كانت هناك آلاف التجمهرات الشبابية والمتطوعين التي قامت بتنظيف الشوارع وإعادة ترميم ما أمكن من المنازل والبحث عن المفقودين في ظل المشهد الذي يشير إلى جوهر لبنان الحقيقي الذي يريده اللبنانيون، لبنان المنشود الذي يتوجّع ولا ينكسر.