بقلم: سمدار بن نتان
محامية مختصة في حقوق الانسان
إن أحد التعليلات المركزية عند اولئك الذين يعارضون الافراج عن الـ 14 سجينا فلسطينيا من مواطني الدولة – الذين التزمت اسرائيل بالإفراج عنهم في 28 آذار باعتبار ذلك جزءً من مفاوضة الفلسطينيين، لكنها رفضت فعل ذلك – يقوم على ادعاء أن "الافراج عن قتلة ذوي هوية اسرائيلية هو مس بالسيادة الاسرائيلية"، كما صاغ ذلك الوزير نفتالي بينيت. إن التفرقة بين الافراج عن سجناء من سكان المناطق والافراج عن مواطنين اسرائيليين، وزعم أن الافراج عن هؤلاء الآخِرين يناقض السيادة الاسرائيلية بل سلطة القانون، هو تفرقة وزعم قد يستهويان ليبراليين من أنصار سلطة القانون (أنظروا مثلا مقالة عمير فوكس "ضرر الافراج عن السجناء"، هآرتس، 1/1/2014) ولهذا من المهم مواجهتهما.
ثمة حاجة الى منظار سياسي وتاريخي الى موقع هؤلاء السجناء (الذين أُمثل خمسة منهم) في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، كي نتناول الدعوى في شأن المس بالسيادة الاسرائيلية وسلطة القانون. إن لالتزام الافراج عن سجناء يقضون عقوبتهم من الفترة التي سبقت اتفاق اوسلو جانبا تاريخيا خاصا لا يفهمه الجمهور الاسرائيلي. إن اتفاقات اوسلو هي علامة على خط فاصل متفائل جدا في مركزه اعتراف اسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحقه في دولة مستقلة، وترك القيادة الفلسطينية للكفاح المسلح. فقد جند هؤلاء السجناء انفسهم للنضال القومي الفلسطيني حينما كانت اسرائيل تنكر هذه الحقوق الاساسية ومنعت تصريحات ظاهرة تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني الجماعية وانشاء علاقة بقادته.
ولما كان الشعب الفلسطيني قد قُسم في 1948 بصورة تعسفية بحيث بقي جزء منه في داخل الخط الاخضر وجزء آخر خارجه – ما كان هذا الصراع يمكن أن يبقى في داخل المناطق فقط. ولما كان الكفاح المسلح الذي يرمي الى التحرر من الاحتلال والسلطة الاجنبية يعتبر مشروعا فان الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير يعني أنه كان نضالا مشروعا. ولا يعني هذا أن جميع الوسائل التي استخدمت في اطاره كانت مشروعة لكن الوسائل المرفوضة لا تبطل شرعية النضال كله.
أُفرج عن أكثر سجناء ما قبل اوسلو الفلسطينيين، إن لم نقل الجميع، في نطاق جولات الافراج السابقة وبقي مواطنو اسرائيل الفلسطينيون وحدهم سجناء. ويفهم الجمهور الفلسطيني ذلك جيدا ويولي حقيقة أن جرائم السجناء تمت قبل اتفاقات اوسلو، يوليها أهمية كبيرة. وتفضل حكومة اسرائيل والجمهور الاسرائيلي الطمس على ذلك بدل أن يريا الافراج عنهم اجراءً تاريخيا لمرة واحدة يعبر عن روح المصالحة والاعتراف.
إن الوزير بينيت وسائر معارضي صفقة الافراج شديدو الغضب لـ "المس بالسيادة الاسرائيلية"، الذي ينبع من جنسية السجناء الاسرائيلية – بيد أنهم يتذكرون أن الحديث عن مواطني الدولة فقط حينما يكون الافراج عنهم قد يُقدّم، لا سمح الله، مسيرة مصالحة وانشاء دولة فلسطينية. ففي مدة الثلاثين سنة التي كان فيها هؤلاء السجناء مسجونين لم يحصلوا قط على حقوق مساوية يستحقونها بصفتهم مواطنين، كما تُبين مقارنتهم بسجناء يهود يُعرفون بأنهم "أمنيون" أو "عقائديون" – مثل ناس الجبهة السرية اليهودية، وجبهة بات عاين السرية، أو القتلة يورام شكولنيك وعامي بوبر ويونا أبروشمي. بل إن الاجراءات المتعلقة بمدة سجنهم لم تكن مساوية للإجراءات المتعلقة بمواطنين آخرين.
لم يعد يوجد تقريبا سجناء من مواطني اسرائيل يمضون سنوات سجن طويلة جدا كهؤلاء السجناء الـ 14. فان عددا منهم أنهوا في واقع الامر مدة سجن بلغت ثلاثين سنة دون أن يخرجوا لعطلة واحدة ودون أن يحصلوا على فرصة للزواج وانشاء عائلة في اثناء سجنهم كما مكّنت السلطات عامي بوبر ويغئال عمير. ولم تُحدد مدة عقوبتهم سنين طويلة. وإن استقرار رأي رئيس الدولة قبل سنتين على تحديد عقوبة سبعة منهم بفترات بين 30 سنة الى 45 سنة كان يمكن أن يكون بدء رفع الظلم، لكن هذا البدء لم تكن له متابعة. فقد أوصت لجنة الافراج الخاصة التي أوصت بتحديد عقوبتهم قبل سنتين، أوصت بإدماجهم في تأهيل مفترضة أنهم يستحقون ذلك بصفتهم مواطنين لكن الدولة لم تنفذ ذلك، بل إنها عارضت الافراج عن اولئك الذين أمضوا ثلثي مدة سجنهم وأكثر. وفشلت تقريبا كل محاولاتهم استنفاد القانون في مواجهة معارضة جهاز الامن القوية.
وفي مقابل ذلك، حينما يكون الحديث عن سجناء يهود قتلوا عربا عن بواعث قومية – تحدد فترات سجنهم بسخاء مميز وأُفرج عن أكثرهم بالفعل بعد أن أمضوا ست سنوات الى ثلاث عشرة سنة سجن فقط. أمساواة بين المواطنين؟ ليست في سِجننا.
إن الافراج عن هؤلاء السجناء القدماء سيُرى خطوة اعتراف حقيقية ومغفرة وازالة ظلم من وجهة نظر العرب من مواطني اسرائيل ايضا – بهدي من استنتاجات لجنة أور. هذا الى أن هؤلاء الاشخاص لم يعودوا خطيرين بعد 25 – 30 سنة في السجن تغير في خلالها المسار التاريخي للمجموع الفلسطيني. فقد قبلوا طريق المصالحة بالحوار والدبلوماسية ونددوا بصورة لا لبس فيها بالإرهاب الموجه على المدنيين. لكنهم في اسرائيل يفضلون ألا يسمعوا هذا التنديد وأن يؤججوا بدل ذلك نار الانتقام والقومية.
في صفقات سابقة ايضا أُفرج عن مواطنين اسرائيليين، ستة منهم في صفقة شليط وهم اليوم يمكثون في بيوتهم آمنين. وفضلا عن أنه لم يُنتقص شيء من أمن مواطني اسرائيل لم تتضرر ايضا سيادة الدولة قيد أنملة ولم تُزعزع أسس سلطة القانون. إن الظلم يجب أن يُزال وينبغي إتمام اجراء اعتراف تاريخي وتحقيقه.