شمس نيوز/ غزة
لا تتوقف الحُروب الاستخباراتية بين الأجهزة الأمنية التابعة للمقاومة في قطاع غزة وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، فعلى الرغم من الهدوء الظاهري في أرض الميدان، إلا أن ناراً تشتغلُ تحتَ الرماد.
شعار تلك الحرب الدائرة مَنْ يخترق مَنْ على صعيد المعلومات والتعقب والمتابعة، وسلاح تلك المعركة الأول والأخير هو "الدماغ" في حرب تسمى "حرب الأدمغة".
حربٌ أصوات مدافع، شهدها عام 2020 بين المقاومة الفلسطينية وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، سجلتْ فيها سرايا القدس ضربة أمنية مُزلزلة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فيما عرف باسم عملية "بيت العنكبوت" التي اماطت سرايا القدس عنها اللثام بعد قطع جميع خيوط العنكبوت، ليغدو ذلك الحدث أبرز حدث أمني في هذه الحرب خلال العام.
"بيت العنكبوت"
ولأن "أوْهَن البيوت بيت العنكبوت"، عرضت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مطلع أغسطس 2020، وثائقياً تكشف فيه عن عمليةٍ أمنيةٍ نوعيةٍ.
ومن خلال الوثائقي، كشفت السرايا عن جزءِ من مساعيها في اختراق منظومة التجنيد وإدارة العملاء داخل أروقة جهاز الشاباك الصهيوني، إذ عملت لتحقيق ذلك، على إدارة عملية تجنيد لمُجاهدين من سرايا القدس على فتراتٍ زمنيةٍ مُتباعدَة، مع عددٍ من الضباط المُجنّدين والمُشغلّين.
وأظهر الوثائقي مراحل اتصال بين ضبّاط إسرائيليين ومُجنّدين تمَّت إدارتها ومُتابعتها بدقّة من قِبَل جهاز أمن سرايا القدس، وكانت الاستفادة من هكذا عمليات تتمّ عبر تحديد العديد من الثغرات الأمنية في عمليات التجنيد من قِبَل ضباط الشباك الصهيوني.
وخلال العملية، استمر أحد المجاهدين بالتواصل مع ضبّاط المخابرات الإسرائيلية على مدار 4 سنوات، من تلك اللحظة التي حاول الاحتلال تجنيده، وأبلغ فيها جهاز أمن السرايا الذي أوَعزو له بالإبقاء على هذا التواصُل.
وكشف الوثائقي تباعاً، عن كيفيّة التواصل وطريقة التفكير التي يتّبعها العدو أثناء تجنيد عملائه، وكيف يوهِمهم بأنه مُهتمّ لأمرهم، مع التأكيد أكثر من مرة في كل اتصال على أن المُجنّد بخير ولا داعي للخوف والهَلَع، وطمأنته أنه حتى بعد دخوله السياج، لن يظنّ أحد من الجنود أنه "مُخرِّب" وبالتالي لن يتمّ إطلاق النار عليه.
وفي التفاصيل التي نُشرت حينها عبر الميادين، يكشف أحد المُجنّدين كشف كيف كان يوصيه ضابط المخابرات بالالتزام والصلاة على الموعد، وعدم تدخين السجائر في المسجد، والتحلّي بالأخلاق الكريمة خصوصاً أمام عناصر سرايا القدس. وأكثر من ذلك، كان الضابط الإسرائيلي يقطع الاتصال مع المُجنّد ويطلب منه أداء الصلاة في وقتها!
ويشرح "بيت العنكبوت" كيف استطاع المُجنّد إيهام الضابط الإسرائيلي أنه يعمل لصالحه، وأنه يُعطيه إحداثيات صحيحة، وكيف استطاع تضليله، ويتحدّث عن محاولة ضباط الاستخبارات الإسرائيلية إرسال أسلحة إلى سرايا القدس، وإصرارهم على إدخال عتاد عسكري إلى قطاع غزَّة، ويكشف عن أسباب موافقة السرايا، وكيف انتهت القصة.
"بيت العنكبوت" كانت مفاجأة السرايا للاحتلال، وعدها خبراء في حينها صفعة للاحتلال أو كما وصفها نشطاء التواصل الاجتماعي بـ"صفعة 2020"، إذ أن نهاية الوثائقي كشفت إلقاء القبض على عميلٍ حقيقي، في تأكيدٍ جديدٍ على قُدرة جهاز أمن "سرايا القدس" على اختراق المنظومة الأمنية الإسرائيلية وتسجيل نجاحات كبيرة في تضليل عناصر "الشاباك" الذين يعملون ليل نهار لاستهداف المقاومة الفلسطينية.
انجازات أخرى
وقبل عملية السرايا الأمنية بشهر، أعلنت وزارة الداخلية بغزة اعتقال خلية تخريبية مُوجّهة من الاحتلال خلال قيامها بعمل ضدّ المقاومة.
ونقلت مصادر آنذاك كشف الأجهزة الأمنية "مخطّطاً خطيراً لمخابرات الاحتلال تحت غطاء خلايا تتبع لداعش يهدف إلى توجيه ضربات أمنية خطيرة إلى المنظومتين الحكومية والعسكرية في غزة".
وبجانب ذلك، احبطت المقاومة خلال العام محاولات عديدة لتسلل عملاء إلى داخل الأراضي المحتلة للقاء ضباط المخابرات، من خلال اعتقالهم، كما أنها أحبطت تجنيد الكثير من الشبان، الذين تستغل "اسرائيل" أوضاعهم الاقتصادية الصعبة، لإيقاعهم في وحل العمالة.
تروي مصادر أمنية، في حديث إلى "الأخبار"، جزءاً من هذه المعركة، كاشفة أن المقاومة أحبطت قبل مدّة محاولة إسرائيلية جديدة لتعطيل جزء من شبكة اتصالاتها في غزة، وقد تمكّنت من اعتقال شخصين على علاقة بتلك الحادثة.
لا نهاية
ومع تطوّر القدرات التقنية والأمنية لدى أجهزة أمن المقاومة، بات العمل الأمني للاحتلال أكثر صعوبة داخل القطاع، لكن الوحدات التقنية كشفت تطويراً إسرائيلياً جديداً في وسائل التواصل.
ولجأ العدو إلى أساليب مبتكرة للتواصل مع عملائه عبر تطبيقات مزيّفة تحمل واجهات تُشبه تطبيقات شهيرة مثل "يوتيوب" تُنصَّب على الهواتف الحديثة وتوفّر خاصية اتّصال مشفّر بين ضباط المخابرات وعملاء الاحتلال، بجانب البحث عن اساليب جديدة لتجنيد الشبان والوصول إلى معلومات عن المقاومة.
بالمقابل، تواصل المقاومة استعداداتها الأمنية تحسبًا لأي عملية اختراق يقوم بها الاحتلال، بجانب ذلك تواصل المقاومة تطوير بنيتها العسكرية المشتركة، وهذا ما كان واضحًا خلال مناورة "الركن الشديد" والتي نفذتها المقاومة الثلاثاء الماضي في قطاع غزة.