بقلم/ ماجد أبودية
بعد عامين من العمل بموجب موازنة الطوارئ، أقرت الحكومة الفلسطينية بالامس الإثنين أول موازنة عادية للسلطة الفلسطينية منذ 2018، حيث عملت في عامي 2019 و2020 بموجب موازنة طوارئ جراء حجز إسرائيل عائدات المقاصة الفلسطينية مرتين خلال العامين، وتداعيات جائحة كورونا في 2020، وبذلك ستكون جاهزة للعرض على رئيس السلطة محمود عباس للمصادقة عليها، لتصبح قانونا نافذا، وذلك استنادا إلى المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني، تحت "بند الضرورة"، بحجة تعطل أعمال المجلس التشريعي
موازنة العام 2021، أقرت بعجز يقدر بنحو 1.7 مليار دولار قبل المساعدات الخارجية، حيث تضمنت تقديرات صافي الإيرادات العامة لعام 2021، حوالي 3.9 مليار دولار، بزيادة 12.5 بالمئة عن العام السابق، في مقابل تقدير إجمالي النفقات بـ 5.6 مليار دولار، بزيادة سنوية 9.9 بالمئة، وجاءت تبريرات الحكومة للزيادة في الايرادات إلى نيتها ترشيد الانفاق الحكومي، وعزمها تطبيق الخطة الاستراتيجية للإيرادات الضريبية للفترة 2021-2025، التي تركز بشكل أساسي على مكافحة التهرب والتجنب الضرائبي، وتوسيع القاعدة الضريبية بشكل أفقي، مع مراعاة عدم زيادة العبء الضريبي على المواطنين، اما الزيادة في النفقات، فيعود سببه الى استحداث حوالي 6 آلاف وظيفة جديدة خلال العام بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال المشاريع التي يتم تنفيذها، الى جانب مواجهة تداعيات جائحة كورونا.
ورغم ان العام المنصرم شهد تراجعا كبيرا في المساعدات الخارجية، بضغط واضح على الدول من ادارة ترامب، الا ان الحكومة الفلسطينية تتوقع زيادة في مساعدات الدول والجهات المانحة هذا العام لتكون بحدود 683 مليون دولار، مما يساهم في تقليص حجم العجز المتوقع في هذه الموازنة الى حوالي المليار.
هناك بعض الجوانب اهتمت بها الحكومة، على امل تحقيق معدلات نمو، وتخفيف معدلات البطالة المرتفعة، وحدة الفقر المنتشر، وتحسين دخل الاسر، والمضي قدما على طريق الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، كان من اهمها تركيز الإنفاق الحكومي نحو قطاعات الصحة، والتعليم، والتنمية الاجتماعية بنسبة تصل الى 42%من اجمال الانفاق العام (17% للتعليم، 12% للصحة، 13% للتنمية الاجتماعية)، في حين تم تخصيص 20% للانفاق على الامن.
لا شك ان هناك اعادة هيكلة واضحه في بنود الموازنة، بحيث تكون اولوية الانفاق التطويري موجهة نحو برامج تعزيز التنمية الاقتصادية التي ترتكز على التنمية بالعناقيد (العنقود الزراعي، العنقود الصناعي، وعنقود تكنولوجيا المعلومات، وعناقيد قطاع غزة)، بهدف زيادة الإنتاجية، وتشجيع المنتج الوطني وصولا للاعتماد على الذات، الا انه هناك العديد من المعوقات والقيود التي فرضها الاحتلال، ما زالت بحاجة الى حلول حقيقية، ضمن خطة الحكومة والمستوى السياسي، حتى لا يترتب على تعريض القاعدة الانتاجية أثار عكسية، وتصبح التنمية مضادة للنمو، واول هذه العوائق، هي منافذ صادراتنا الى اسواق العالم الخارجي، وكيفية الاستفادة من المزايا التي توفرها لنا اتفاقيات التجارة الخارجية.
لم تتجاهل الموازنة استكمال تنفيذ الخطة الوطنية، من خلال تخصيص 86 مليون دولار نحو برامج تعزيز صمود أهلنا في القدس، منها مبلغ 60 مليون دولار لدعم الصحة والتعليم والكهرباء، إضافة الى 26 مليون دولار لدعم عنقود العاصمة التنموي.
كذلك قطاعات الشباب والمرأة والفئات المهمشة لم تكن غائبة عن برامج الموازنة التي خصصت لها ما يقارب 70 مليون دولار، ستنفق عبر مشاريع تشغيلية.
أما غزة الحاضر الغائب، الغارقة في وحل الفقر، والبطالة المتصاعدة، والاجور المخجلة، والصدمات المالية والاقتصادية المتتالية .. تخصيص دون انفاق، والتزام دون وفاء .. ما يقارب 1.4 مليار دولار، قالت الحكومة انها ستلتزم بانفاقها على شعبها في غزة، ما نسبته 30% من إجمالي النفقات و40% من إجمالي الإيرادات، أي بمعدل 116 مليون دولار ستنفق شهريا على غزة، اذا استمرت الحكومة بصرف رواتب الموظفين كاملة، والتزمت بالغاء التقاعد المالي للموظفين المدنيين، والتقاعد القسري للعسكرين، فنصف هذا المبلغ سيشكل اجمالي فاتورة الرواتب واشباه الرواتب في غزة، ويبقى النصف الاخر مدعاه لايضاحات حكومية حول البرامج والمشاريع التى ستستفيد منها غزة، ضمن حصتها من النفقات التطويرية، وهل ستكون كافية وقادرة على انتشالها من حالة الانهيار الى طبيعتها السابقة.
وفي ظل تعطيل المجلس التشريعي عن القيام بمهامه، خاصة الرقابية، ومناقشة بنود الموازنة، لضمان تحقيقها لاهدافنا الوطنية والتنموية، وضمان الحفاظ على المال العام وأوجه الانفاق وحمايته من العبث وسوء التصرف والهدر، يبقى الامل كبير في تحقيق حلم كل الفلسطينيين، بعقد الانتخابات الفلسطينية في مواعيدها المحددة، بالتتالي، بما يضمن اعادة تشكيل كل مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني على اسس من الديمقراطية والنزاهة والشفافية، والمبادئ الوطنية المشتركة، حتى تجد مثل هذه الموازنة طريقها الى قبة البرلمان قبل ان يصدر الفرمان.