بقلم/ توفيق السيد سليم
يبدو أن "إسرائيل" الجريحة والمُهانة والذليلة، بفعل ضربات المقاومة الفلسطينية غير المسبوقة في معركة "سيف القدس"، تحاول عبثاً الخروج بصورة "النصر" والحد من الآثار الاستراتيجية الخطيرة المترتبة على مستقبلها ووجودها، بعد أن تأكد –رغم ما تمتلكه من قوة تدميرية هائلة، ودعم أمريكي وغربي وتواطؤ عربي رسمي- أنها "نمر من ورق" قابل للخدش بل للذبح!.
ولذلك رأينا ورأى العالم وعلى الهواء مباشرة، كيف تركت "إسرائيل" العنان لطائراتها لتزرع الموت والدمار والخراب في أحياء ومدن ومخيمات قطاع غزة، مخلفة وراءها مجازر بشعة بحق الأطفال والنساء والشيوخ والمباني السكنية والطرقات والبنى التحتية كما حدث في شارع الوحدة بغزة، في محاولة فاشلة لاستعادة الردع المفقود، ليس أمام المقاومة فحسب، وإنما أيضا أمام الحاضنة الشعبية للمقاومة التي تزداد اتساعاً، وإيماناً بخيارها والتزاماً بمحورها، في مشهد يأخذنا سريعاً إلى الضاحية الجنوبية في لبنان إبان حرب 2006، التي حاول فيها الجيش "الإسرائيلي" الذي كان يترنح في بنت جبيل ومارون الراس على وقع ضربات الكورنيت، صناعة نصر مزعوم على أنقاض البنايات والبنى التحتية وأجساد الأطفال والنساء هناك عبر ما بات يعرف منذ حينه بـ"عقيدة الضاحية".
فمنذ انطلاق معركة "سيف القدس" وما ثبتته من قواعد جديدة في سياق الصراع المفتوح والممتد بين المقاومة، والكيان "الإسرائيلي"، يبدو أن المقاومة ومحورها الممتد من طهران إلى غزة، باتت هي المحرك الأساس للمشهد في الساحة الفلسطينية والمنطقة، وباتت هي أيضاً من يحدد قواعد اللعبة، وليس "إسرائيل" ومحورها الممتد من واشنطن وعديد العواصم الأوروبية والعربية المطبّعة، ما يعني أن الصراع في فلسطين والمنطقة بات جليّاً بين محورين: محور المقاومة والعزة والنصر والإنسانية، ومحور التطبيع والتطويع والهزيمة وأعداء الإنسانية، وهو تماما ما تحدث عنه الشهيد المفكر فتحي الشقاقي وهو يصف جوهر ذلك الصراع بأنه "بين تمام الحق، وتمام الباطل"!
ومما نجحت المقاومة في تثبيت أركانه عبر "سيف القدس" وما سبقها من جولات صراع متعددة، استعادة الردع وتوازن الرعب والإمساك بزمام المبادرة، حيث أصحبت "إسرائيل" في نظر كل المتابعين أنها باتت مردوعة أمام ضربات المقاومة، وركائزها التي يقوم عليها مفهوم الأمن القومي "الإسرائيلي" باتت متداعية وآيلة للسقوط، ولم تنجح "إسرائيل" برغم ما ارتكبته من مجازر بحق الأطفال والنساء على مدار عشرات السنين من الاحتلال، بكي وعي الفلسطينيين، وإجبارهم على التنازل أو الخضوع أو مغادرة أرضهم والتخلي عن تاريخهم، فيما "الإسرائيلي" الدخيل والمستورد إلى هذه البقعة الجغرافية العربية الأصيلة، لا يتردد عن القول بأن "إسرائيل" لم تعد مكاناً آمناً يصلح للحياة بالنسبة لهم، وهذا هو الفارق بين صاحب الحق، ومدّعيه!.
ولذلك ليس غريباً أن يكتب "بن كسبيت" في "معاريف" تحت عنوان "النصر الإسرائيلي المستحيل": "إن صحوة "إسرائيل" أليمة، الردع ينهار، ومن يفقد الردع يفقد بعد ذلك الحياة.. "عرب إسرائيل" يرفعون ويحطمون وهم التعايش الذي تعزز في سنة الكورونا، ورياح السلامة التي نجحنا في ظان نبثها في العالم العربي تحل محلها مؤقتاً على الأقل رياح الحرب (...) يتبين أن الفلسطينيين لن يختفوا، المشكلة الفلسطينية لم تتبخر، وربما العكس تماما، الإحباط تزايد، ووعاء الضغط يغلي، الاعتداد بالنفس، سكرة القوة والتسيّد الذي ميّز نتنياهو ومؤيديه في السنتين الأخيرتين يحل محلها الدم، النار، عواميد الدخان، ورشقات صواريخ لا نهاية لها"!
إذن، وبين يدي معركة "سيف القدس"، لم يعد خافياً أمام الجميع، أن "إسرائيل" هذه، التي خوفونا منها مُذ كنا صغاراً، ودوشوا رؤسنا بالحكايا عن بطولات جيشها ومعاركه الخاطفة أمام العرب، أنها باتت اليوم أقرب ما يكون إلى الزوال؛ ليتحقق بذلك ما نؤمن به يقينياً مذ كنا نصرخ به أيام انتفاضة الحجارة "زوالك يا إسرائيل حتمية قرآنية".
وما النصر إلا صبر ساعة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!