بقلم/ د. هاني العقاد
الحرب علي غزة بكل قساوتها وعنفوانها وانتصار المقاومة الفلسطينية الذي اثبت ان حصول اسرائيل علي الهدوء والاستقرار والامن لا يمكن تحقيقه بالحرب والنار والدمار وهدم المباني وقتل المدنيين واستخدام القوة العسكرية المفرطة ،واثبتت ان كل اشكال الحروب التي تشنها اسرائيل على الفلسطينيين واولها الحرب علي القدس والمسلسل التهويدي الممنهج وطرد سكان سلوان وسكان حي الشيخ جراح الفلسطينيين من بيوتهم، واثبت ان ضم مزيد من الاراضي الفلسطينية لصالح الاستيطان لن يحقق الهدوء او يجلب السلام، ولعل الحرب علي غزة وتمكن المقاومة الفلسطينية من تغير المعادلة وتوحيد المشهد في غزة والقدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني اظهر الضرورة الملحة لإنهاء الاحتلال وايجاد حل عادل وشامل لكافة قضايا الصراع لان حل ازمة غزة وحدها لن يأتي بالهدوء والاستقرار للمنطقة لان اسباب التوتر ستبقي علي حالها مع اطلاق يد الاحتلال في القدس والأقصى والضفة وهذا ما سيجعل اي اتفاق تهدئة بين المقاومة واسرائيل اتفاق مؤقت وهش ينذر بعودة اكثر ضراوة للحرب .
تحركت مصر لوقف الحرب علي غزة قبل الولايات المتحدة وحاولت اقناع اسرائيل بوقف الهجوم علي غزة لكن اسرائيل تعنتت ولم تقبل بالمبادرة المصرية التي كان لها ان تنجح لو اعطت اسرائيل موافقتها لوقف اطلاق النار الا ان اسرائيل ارادت ان تذهب في الحرب الي حد بعيد دون تحديد نهاية لهذه الحرب، ما كان في عقل اسرائيل هو القضاء علي قدرات المقاومة الفلسطينية وردعها الي سنوات قادمة لكن العكس هو الذي حدث المقاومة كسبت المعركة من خلال الضربة الاولي نحو القدس وتل ابيب وادارة المعركة الذكية ما جعل اسرائيل تحاول لتحقيق نصر علي المقاومة عبر مفاوضات تثبيت الهدنة.
مصر ادركت انه دون ضغط من الولايات المتحدة الامريكية علي اسرائيل فان هذه الحرب ستهدد كل اشكال الاستقرار في دول الاقليم فكان لاتصالاتها صدي كبير مع ادارة الرئيس بايدن الذي بذل جهد شخصي بالاتصال بنتنياهو اكثر من مرة لمحاولة اقناعه بوقف العملية العسكرية علي غزة , وكذلك وزير خارجيته (انتوني بلينكن )الذي اتصل ايضا بوزير خارجية اسرائيل (اشكنازي) وإبلاغه رؤية ادارة الرئيس (بايدن )بضرورة وقف العملية العسكرية علي غزة حتي ان المكالمة الاخيرة بين (بايدن( و(نتنياهو) كانت حادة فقد حاول (نتنياهو) ان يقنع (بايدن) بضرورة استمرار الحرب ودعمه في مزيد من الضربات الا أن (بايدن) ابلغه انه يتوجب خفض العمليات العسكرية إلى الحد الأدنى لفتح السبل أمام الوسطاء للتوصل اطلاق النار ومن ثم طلب (بايدن) عبر وزير خارجيته من (نتنياهو) بوقف الحرب وبذلك فتحت الطريق للوسيط المصري للتوصل لوقف اطلاق نار مبدئي حتي يتم التفاوض بين الطرفين لتثبيت التهدئة باتفاق طويل الامد .
الحرب على غزة فتحت الباب على ضرورة البدء بعملية سياسية حقيقية لحل الصراع وانهاء الاحتلال بعد تثبيت وقف إطلاق النار باتفاق يستند الي ضمانات دولية، لذلك كان هناك حراك امريكي كبير في المنطقة واتصالات مكثفة مع أطراف اقليمية مؤثرة، (بايدن) أعلن ان مصر قامت بدور جدير في ملف وقف إطلاق النار في غزة وقال "اخبرت الرئيس (ابو مازن) عن الحاجة الماسة للبدء بمفاوضات لحل الدولتين "، وقال "سأعمل على اعادة اعمار قطاع غزة دون السماح لحماس ان تعيد بناء ترسانتها العسكرية". التوصل لإطلاق النار فتح الباب لمفاوضات الغرف المتقابلة الذي يعتقد ان مصر ستشرع فيه خلال الاسبوع الحالي من خلال دور امريكي ميسر وضاغط وحاضر لعقد اتفاق تاريخي بين المقاومة واسرائيل يتضمن حل العديد من الملفات، منها ملف الاسري والجنود الإسرائيليين في غزة بصفقة تبادل، بالإضافة للاتفاق على دور مصري مراقب لوقف إطلاق النار وتنفيذ الهدنة على الارض واعادة اعمار غزة. يبدو ان الولايات المتحدة تتجهز لدور امريكي مركزي بعد ان تنجز مصر اتفاق الهدنة بحضور وفد فلسطيني مشترك من حماس والسلطة الفلسطينية ليبدأ الدور المصري في مساعدة الفلسطينيين علي تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مفتاح انهاء الانقسام وتبني شراكة سياسية حقيقية تتولي اعادة اعمار قطاع غزة والعمل علي تفكيك معضلات انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية علي الارض استعدادا لمفاوضات اسرائيلية فلسطينية جادة برعاية امريكية مصرية وبدعم اقليمي و اوروبي مع الإسرائيليين للتوصل الي حل قضايا الصراع علي اساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية .
الدور الامريكي اليوم بات محط اختبار حقيقي فيما يتعلق بالتدخل الايجابي في قضايا الصراع واولها العمل مع الشركاء الدوليين لإنهاء الحرب علي غزة واعادة اعمارها ,وانهاء التهديدات المستمرة لشعبنا لفلسطيني في كافة اماكن تواجده بالأرض المحتلة عام 1967 واجبار اسرائيل علي وقف سياسية التطهير العرقي في مدينة القدس ووقف كل اشكال الاستيطان ووقف مخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى وقبول اسرائيل بحل دولتين كأساس لحل الصراع و التوصل الي حل عادل وشامل لكافة قضاياه بما يؤسس لمرحلة استقرار طويل الامد في المنطقة العربية . لا اعتقد ان الدور الامريكي وحدة سيكون كافيا لرعاية العملية السياسية الجديدة في المنطقة ولا اعتقد ان الدور الامريكي كراعي وحيد لعملية السلام والذي جربة الفلسطينيين اكثر من مرة قد يفضي الي حل نهائي للصراع لأننا كفلسطينيين نعتبر انه بالرغم من بعض الايجابيات التي تمخضت عن الدور الأمريكي في التوصل لوقف اطلاق النار في غزة والحديث عن حل الدولتين والعلاقة الجديدة مع القيادة الفلسطينية، الا اننا لا نثق كثيرا في عدالة هذا الدور, وهذا ما يجعلنا نطمح بشراكة الرباعية الدولية في أي عملية سلام قادمة علي ان تكون الرعاية لأي عملية سلام رعاية مشتركة من خلال مؤتمر دولي لحل الصراع يؤسس لكافة المسارات التي تساعد علي تطبيق حل الدولتين علي اساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.