قالت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية إن الرئيس الأميركي جو بايدن جاء إلى السلطة بطموحات فرانكلين روزفلت لاستعادة القيم ومساعي ليندون جونسون للدفاع عن حقوق الأقليات والتصدي للعنصرية، لكنه وجد نفسه عاجزا عن مواجهة نظام سياسي مصاب بالشلل، مما جعل بعض قوى اليسار تفقد صبرها.
وأوضحت المجلة في تقرير لمراسلها بنيويورك فيليب بولي جركور أنه من المبكر القول إن على بايدن التخلي عن هذه الطموحات بعد هزيمة الإصلاح الانتخابي في مجلس الشيوخ، والمفاوضات اللانهائية مع الجمهوريين حول برنامج البنية التحتية، ولكن الفصل الثاني من رئاسته يبدأ تحت غيوم مظلمة كثيفة.
ورأت لوبس أن مثل هذا الوضع كان متوقعا، في وقت يتمتع فيه الحزب الديمقراطي بالأغلبية الأضعف في الكونغرس تاريخيا، وبـ50 منتخبا من أصل 100 في مجلس الشيوخ، خلافا لما كانت عليه الحال أيام روزفلت (1933-1945) وجونسون (1963-1969).
المماطلة
ومع ذلك، استطاع بايدن في بداية فترته دفع حزمة تحفيز ضخمة للاقتصاد مستخدما حيل الميزانية في ذلك -كما يقول المراسل- ولكن الأمور ظلت عالقة منذ ذلك الحين، كما لو أن كل عيوب النظام السياسي الأميركي، مثل الشلل الذي وفر الوقود لانتخاب دونالد ترامب، قد ظهرت فجأة.
ونبهت المجلة إلى أهمية قانون الإصلاح الانتخابي الذي صوّت عليه مجلس الشيوخ يوم 22 يونيو/حزيران الجاري، فهو مهم للغاية في مواجهة الهجوم الجمهوري في الولايات، مذكرة بأن 18 ولاية ذات أغلبية جمهورية أقرت منذ يناير/كانون الثاني الماضي قوانين شبيهة "بقوانين جيم كرو" التي كانت سارية في الولايات الجنوبية حتى الستينيات بهدف إعاقة الحقوق الدستورية للأميركيين من أصل أفريقي وتعزيز الفصل العنصري، مما سيؤثر على 36 مليون ناخب، كما أن هناك ولايات أخرى تدرس قوانين مماثلة.
غير أن قانون الانتخابات الفدرالية الجديد الذي اقترحه الديمقراطيون يوم 22 يونيو/حزيران الجاري في مجلس الشيوخ كان ضحية للمماطلة، عن طريق إجراء يسمح لـ41 من أعضاء مجلس الشيوخ بمنع أي نص قانوني، مما يعني أن تصويت 50 نائبا يمثلون 43 مليون ناخب يكفي لوقفه معارضة 41 عضوا يمينيا يمثلون 21% فقط من عموم السكان، في حين أنه يحظى بتأييد 68% من السكان بحسب استطلاع حديث، كما تقول المجلة.
العاصفة التي تهدد
لقد كان بايدن -وفقا للمراسل- يدرك كل هذا منذ البداية، لأنه يعرف أسرار الغرفة العليا بصورة لا مثيل لها، ولم يكن ليبدأ معركة وهو متأكد أنه ليست لديه فرصة للفوز بها، غير أن المشكلة هذه المرة هي أن الأمر يتعلق بصفقة تافهة بين أعضاء مجلس الشيوخ، ستؤدي إلى إبطال سلسلة من قوانين الولايات التي قد تخلط الأوراق في انتخابات التجديد النصفي عام 2022، والانتخابات الرئاسية لعام 2024، وربما توصل الديمقراطية التمثيلية الأميركية إلى نقطة اللاعودة بعد أن قوّض ترامب نزاهة النظام الانتخابي.
ومع أن الجمهوريين كانوا واضحين بأنهم سوف يمنعون بشكل منهجي جميع مبادرات بايدن، كما تعهد بذلك زعيمهم ميتش ماكونيل قائلا "سأكرس 100% من جهودي لشل هذه الإدارة"، فإن بايدن الخبير بالمجلس اختار تجنب معارضة ماكونيل من خلال لعب ورقة التسوية أولا مع عدد قليل من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، كما يتضح ذلك في خطة البنية التحتية، حسب المجلة.
وإذا كان اليسار قد بدأ يشعر بأن بايدن وقع في المستنقع الذي علق فيه أوباما والذي مهد لهزيمة الديمقراطيين في الانتخابات النصفية عام 2010، فإن التقدميين وغيرهم يرون أن بايدن يعرف جيدا كيف يحسب الأصوات، وأنه يدرك أنه ذو شعبية كبيرة، وأن عليه الآن استخدام ذلك ورفع صوته لأن الوقت بدأ ينفد، وفقا للمراسل.