بقلم/ د. وليد القططي
التطرّف لا دين له، حقيقة أكّدها التاريخ والواقع، وهو موجود في كل الديانات والمذاهب والأيديولوجيات وغيرها، ويُعبّر عن منظومة تفكير واحدة، بغض النظر عن مضمونها الفكري. ولذلك تنوّعت مضامين التطرّف، ف ظهرت منها أنواع التطرّف: المسيحي الصليبي، واليهودي الصهيوني، والإسلامي الداعشي، والهندوسي الوثني، والعلماني العنصري، والشيوعي الماركسي، والقومي النازي... وجميعهم تحكمهم منظومة تفكير واحدة، ونموذج الصهيونية والداعشية واضح في تشابه منظومة التفكير رغم اختلاف مضمون الفكر، ومن أهم النقاط المشتركة في منظومة التفكير بينهما ما سوف نتناوله في ما يلي.
فكرة الاختيار الإلهي مشتركة بين الصهيونية والداعشية، فالصهيونية أخذتها من فكرة (شعب الله المختار) الموجودة في التوراة والتلمود المُزيّفين، ففي التوراة "لأنك شعب مُقدس للربِ إلهك وقد اختارك الرب لتكون شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب على وجه الأرض". فاليهود شعب الله المختار المقدس دون كل شعوب الأرض. وفي الداعشية كرمز لكل الجماعات التكفيرية وأصولها الفكرية توجد فكرة الاختيار الإلهي في عقيدة (الفرقة الناجية)، المستمَدة من فهم مغلوط لحديث الفرقة الناجية النبوي الذي جاء في إحدى رواياته: "تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلّا واحدة". فداعش والقاعدة وأخواتهما، تعتبر كل جماعة نفسها جماعة المسلمين والفرقة الناجية الوحيدة دون كل الناس على وجه الأرض. وفكرة الاختيار الإلهي، سواء بمفهوم شعب الله المختار عند الصهيونية، أم بمفهوم الفرقة الناجية عند الداعشية، تُعطي الإحساس بالتفوّق والتميّز، ومن ثم الاستعلاء والعنصرية.
فكرة الاختيار الإلهي عند الصهيونية والداعشية، تؤدي حتماً إلى رفض الآخر، كنتيجة للإحساس بالتفوّق والتميّز وممارسة الاستعلاء والعنصرية، وفكرة رفض الآخر تبدأ بتضخيم الذات الجمعية، انطلاقاً من فكرتَي شعب الله المختار والفرقة الناجية، وتحقير الذوات الجمعية الأُخرى أو إنكار الآخر المختلف، بتجريده من إنسانيته باعتباره أقل درجة من البشر أو في الدرك الأسفل من البشر، وصولاً إلى التخلّص من الآخر معنوياً بتجاهل وجوده الإنساني، ومادياً بإبادته أو تهجيره أو استعباده. والآخر عند الصهيونية يُطلق عليه مصطلح (جوييم) بمضمونه السلبي الذي يحمل نظرة دونية إلى الآخر غير اليهودي كأفراد وجماعات وشعوب، اُستُمدّت من مصدرين: ديني متعصب، واستعماري عُنصري. والآخر عند الداعشية تُطلق عليه مصطلحات (كفار، مرتدّون، فسّاق، روافض، مبتدعة)، بمضامين سلبية تنقلهم من التكفير إلى التقتيل.
ومن عناصر منظومة التفكير المشتركة بين الصهيونية والداعشية توظيف الدين لخدمة السياسة؛ فالصهيونية، المسيحية واليهودية، وظّفت الديانة اليهودية في خدمة أهدافها السياسية. فقد وظّفت التراث الديني اليهودي المليء بالأساطير حول أرض الميعاد، وشعب الله المختار، والحق الديني والتاريخي في فلسطين... في جلب يهود العالم للهجرة والاستيطان في فلسطين لإنشاء دولة (إسرائيل)، كركيزة للمشروع الاستعماري الغربي في قلب العالم العربي والإسلامي. والداعشية بمفهومها الوهابي السعودي وظّفت الديانة الإسلامية في خدمة أهدافها السياسية، منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، عندما تحالف الأمير والشيخ، على أساس أن يحمي الأمير الشيخ ومذهبه، وأن يُعطي الشيخ الشرعية الدينية للأمير ودولته، وهذا ما حدث في الدولة السعودية الثالثة المُعاصرة، واستمر بعد مرحلة التأسيس توظيف الدين لخدمة السياسة السعودية الدائرة في فلك أميركا بطرائق أُخرى مباشرة بمؤسستها الدينية الوهابية، أو غير مباشرة بواسطة الجماعات المنبثقة منها، كالقاعدة وداعش في العراق وسوريا وغيرهما.
استراتيجية الرعب مشتركة كذلك بين الصهيونية والداعشية، فالصهيونية مارست الإرهاب بهدف الرعب القائم على عقيدة دينية عنصرية تُقدّس إبادة غير اليهودي، مستمَدّة من كتبها الدينية المزيفة؛ ففي التوراة دعوة إلى الإبادة الجماعية "وحلّلنا لك في كل مدينة قتل جميع الرجال والنساء والأطفال". هذه الدعوة تقوم أيضاً على عقيدة استعمارية استعلائية تسمح بإبادة الشعوب غير الأوروبية واستعبادها وطردها من أرضها، ولذلك كانت استراتيجية الرعب بالمذابح والقتل والإرهاب في صلب فلسفة الحرب الصهيونية، ونظرية الأمن الإسرائيلية. والداعشية استخدمت استراتيجية الرعب بالمذابح والحرق والقتل والإرهاب في إقامة الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، وإقامة دولة داعش في العراق وسوريا ككيان مشوّه مُستنسخ من الدولة السعودية الوهابية، وقامت بشرعنة الإرهاب والرعب دينياً بتوظيف نصوص القرآن والسُنّة بطريقة ملتوية ومُحرّفة لإباحة دماء المسلمين وغير المسلمين وأموالهم وأعراضهم، لمجرد اختلاف الدين والمذهب والرأي، وعدم موافقتهم على نظريتهم في التوحيد.
فكرة التوسّع الجغرافي مشتركة بينهما، فالصهيونية كحركة استيطانية إحلالية أقامت دولتها (إسرائيل) عام 1948م، ولكنها لم تُسلّم بحدودها السياسية الفعلية على خط الهُدنة، كما لم تُسلّم بحدود قرار التقسيم عام 1947م، كذلك فإنَّ حدودها التوراتية غامضة ما بين النهرين: النيل والفرات، أو ما بين العريش وجبل حرمون (جبل الشيخ)، أو نهر الأردن والبحر المتوسط، ولم تُحدّد في قوانينها الأساسية (الدستور) حدود دولة "إسرائيل"، لتسمح لنفسها بالتوسّع الجغرافي المتواصل. وفكرة التوسّع الجغرافي عند الداعشية كانت موجودة في الدولة السعودية بالجزيرة العربية، ودولة داعش في العراق والشام، من خلال شعارها (باقية وتتمدّد)، وسلوكها في التوسّع الجغرافي المستمر، وخريطتها المنشورة لدولة الخلافة التي ضمّت أجزاءً كبيرة من قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، فأينما استطاعت عصاباتها المُسلّحة الوحشية أن تصل فهي دولتها.
بوجود عناصر الاتفاق في منظومة التفكير الصهيو- داعشية لا غرابة في وجود عدو مشترك لهما هو محور المقاومة، بحركاته، كحزب الله والجهاد الإسلامي وحركة حماس، وغيرها، ودولها، خاصة الجمهورية الإسلامية في إيران، وتيارها في الأمة العربية والإسلامية؛ فعدوّ الصهيونية ودولتها (إسرائيل) وحلفائها (الغرب) هو المقاومة، وعدوّ الداعشية ودولتها البائدة (داعش) والباقية (السعودية) وحلفائها (أميركا) هو المقاومة، هذه الحقيقة أصبحت واضحة كالشمس بمعطياتها الغزيرة نظرياً، من خلال القوانين والتصريحات والدراسات والفتاوى المُعادية للمقاومة الصادرة من الغرب والكيان الصهيوني والمصادر الداعشية الوهابية، وعملياً من خلال الحروب والعقوبات والحصار والإرهاب والتحالفات ضد المقاومة، الصادرة من الغرب والكيان الصهيوني والداعشية.
وجود عدو مشترك للصهيو- داعشية ممثّلاً في حلف القدس ومحور المقاومة الرافض لكل من الصهيونية ودولتها والداعشية ودولتها، والرافض للهيمنة الاستعمارية الأميركية على الأمة وإسلامها الأميركي بوجهَيه المُهادن والمتوحش، من إيران شرقاً إلى الجزائر غرباً، ومن حزب الله شمالاً إلى أنصار الله جنوباً مروراً بحركتي حماس والجهاد في القدس وفلسطين، قلب الأمة، يتطلّب وحدة أحرار الأمة ومقاوميها في حلف القدس وفلسطين ومحور الجهاد والمقاومة ضد العدو المشترك الصهيو- داعشي حتى إزالته من الوجود.