تلعبُ الكوارثُ الطبيعيةُ والأوبئة في أيِ مكانٍ بالعالم على تهدئة التوترات السياسية، وتقلل من حدة الفجوة بين المتخاصمين، سواء كانوا أفراداً أو مجتمعاتٍ او دولًا أو إثنيات، فيتوحدُ الناس، وتذوب خلافاتهم؛ لأن المصيبة تكون في وقتها أكبر من أي خلاف أو نزاعٍ سياسي، فالكل أمام الخطوب سواء.
نعم.. يتناسى الناس وقت المصائب والكوارث الكبرى خلافاتهم وانقساماتهم السياسية، وتكون الكوارثُ مدخلاً للمصالحات والتوافقات، عبر البوابة الإنسانية التي تجمع الناس ولا تفرقهم؛ غير أنَّ ما نجحت به دول العالم وكثير من المجتمعات فشل فيه كثير من الفلسطينيين من قطبي الانقسام، فمع أول هطولات المنخفض الجوي الذي أغرق البيوت، وغمر الشوارع والحارات، اشتدت الخلافات والتجاذبات، وللأسف وُظِّفَ المنخفض الجوي توظيفاً سياسياً مقيتاً.
المنخفض الجوي فتح الباب على مصراعيه أمام قطبي الانقسام؛ للتجاذبات والخلافات السياسية على منصة "الفضاء الأزرق"، والمصيبة أنَّ بعض التعليقات على كارثة غمر مياه الأمطار للحارات والشوارع، سواء في غزة أو الضفة المحتلة، لم تكنْ تخلو من الشماتةِ السياسيةِ المبطنة.
وكما معروف، أن التعليقات السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي لا تكون في إطار التعبير عن الآراء الشخصية؛ إنما في الغالب هي ضمن حملات ممنهجة تشرف عليها إدارات إعلامية للخصوم السياسية، فتجد روايات موحدة ومشاركات متعددة المستويات التنظيمية، وإن كان بعضها يتخفى في عباءة "النشطاء"، وهذا لا يعني وجود تعليقات من نشطاء يعبرون عن آرائهم الشخصية.
رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم في حركة فتح منير الجاغوب، كان من أبرز الذين نشروا تعليقات سياسية مبطنة حول المنخفض الجوي الذي ضرب البلاد مؤخرًا، وأدى إلى غرق عدة شوارع.
الجاغوب نشر منشورًا متهكمًا خلاله بما يقوم به بعض المسؤولين في بلدية شمال غزة خلال عملهم في الميدان أثناء المنخفض، ومحاولة وضع "مشطاح" لعبور المواطنين من فوق حفرة تسببت بها الأمطار.
ونشر الجاغوب صورة على حسابه في "فيسبوك" معلقًا عليها بالقول: "طيب والله انه النطة أكتر أمانا من المشي على الجسر".
كان تعليق الجاغوب من أول التعليقات التي انتشرت حين كانت شوارع غزة تغرق، وتبعه سلسة من التعليقات التي تهاجم البلديات والجهات الحكومية التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة، متهمة إياها بالفشل أمام أصغر الكوارث.
وعلى "الفضاء الأزرق" أيضًا، امتدت التعليقات لتصل إلى اتهام الجهات المتنفذة باختلاق الأزمات لتحقيق مكاسب مالية، بعد مناشدة دول العالم بضرورة دعمها لإعادة بناء البنية التحتية.
الناشط رائد أبو شنب، نشر سلسلة من التعليقات الساخرة على صور وثقت غرق مناطق عدة في قطاع غزة قائلًا: "بما أنَّ البنية التحتية خربانة غطوا قطاع غزة بشادر كبير أو معرشات زينكو، وأكيد مش حتكلفنا قد الفلوس إلي دخلت غزة، وخلوا الميل على البحر، وبهيك بنكون عملنا بنية فوقية، وتريحنا من التحتية".
وفي تعليق ساخر أخر لأبو شنب كتب: "كل أذرع البلديات في حالة استنفار كبير لمعالجة آثار المنخفض الجوي، ونناشد بضرورة التدخل العاجل والبدء الفوري لإعادة إعمار البنية التحتية، نحن بحاجة لـ 50 مليون دولار لإعادة إعمار البنية التحتية في القطاع".
بينما الناشطة مها أحمد كتبت: "ما لفت انتباهي بالأمس وصباحا في ظل المنخفض الجوي، تداول الصور والعبارات السلبية بدرجة كبيرة ومحبطة، مرة استياء من البلدية، ومرة من التعليم، وأخرى من الأهالي توضح كم نحن مقلدون وسلبيون، فلنحمد الله على نعمه، ونصبر على ابتلائه فما نعانيه أبسط بكثير مما يعانيه غيرنا، وتذكروا أن حفظ الله لهذه الأرض أية وعبرة أن شكرنا وصبرنا والتجأنا لله وحده".
وكتب الناشط محمود فرج الله :" هذا فشل ذريع لإدارة حماس للبلديات، مش عارفين يديروا بلدية كيف بديروا بلد".
أجا الفرج
كانت الهجمة موجهة ضد بلديات غزة في اليوم الأول من المنخفض، قبل أن تغرق شوارع في الضفة المحتلة ويبدأ تداول صورها، وهنا وكأن " الفرج قد جاء" بالنسبة للنشطاء المدافعين عن حماس في غزة.
ليكتب الناشط أحمد محمود :" لا تعايرني ولا أعايرك الهم، صايبني وصايبك، وهي شوارع الضفة غرقت زي غزة وأكثر".
أما الناشط صالح جاد الله علق قائلًا :" غزة محاصرة وفي سبب بخلي إمكانياتها ضعيفة، شو بالنسبة للضفة المصاري حبطرش هناك والمجاري سكرت".
في حين شارك الناشط أحمد المقادمة منشورًا للجاغوب وعلق عليه " غامر واطلع على الجسر بنوديك على مستشفى خالد الحسن تجبّرك"، في إشارة إلى قضية مستشفى خالد الحسن للسرطان، والتي أثيرت مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ تسائل النشطاء عن مصير التبرعات التي جُمعت لصالح بناء المستشفى ولم تُبنَ بعد.
الجميع متضرر
وفي السياق ذاته، كان رئيس اتحاد البلديات في قطاع غزة م. علاء الدين البطة، أرجع غرق بعض المناطق إلى ارتفاع منسوب مياه الأمطار في الأحياء والشوارع المختلفة في قطاع غزة، التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي الأخير، الذي ركز على تدمير البنية التحتية بشكل مباشر.
وأكد أن طواقم فرق الطوارئ في البلديات عملت رغم الإمكانيات المحدودة والأوضاع الصعبة وآثار العدوان، والأضرار التي لحقت في البنية التحتية خلال العدوان الأخير، ومعيقات الاحتلال في منع دخول مواد الإعمار، ولم تسجل حالات غرق كبيرة.
وأوضح أنَّ المنخفض الجوي سجل كثافة عالية في هطول الأمطار في وقت قصير؛ حيث تجاوزت كمية الأمطار ربع المعدل السنوي، وشاهدنا جميعاً كيف غرقت دول كثيرة بالأمطار الكثيفة، وكذلك آثار المنخفض الجوي الحالي على الأراضي المحتلة، رغم الإمكانيات الكبيرة لديهم، ولم نشهد تلك المشاهد في قطاع غزة، رغم قلة الإمكانية، ورغم البنية التحتية التي زادها عدوان الاحتلال الأخير سوءًا.
فيما حذر رئيس الاتحاد من التداعيات الخطيرة لاستمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 15 عامًا، واستمرار منع دخول المواد والمعدات والآليات اللازمة لأعمال البلديات، وتأخر عملية إعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية.
وفي الضفة الغربية تسبب هطول الأمطار الغزيرة، في غرق محال تجارية ومركبات وطرقات رئيسة بمناطق عدة في الضفة؛ ما أدى إلى إغلاق بعضها.
وقال جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في بيان له، إنه تعامل مع 33 حادثة خلال الـ 24ساعة الماضية، بينها 7 حالات حرائق، و26 تقديم مساعدة للمواطنين.
وأشار إلى أن الأمطار تسببت في إغلاق طريق "المطوي" بمحافظة سلفيت (شمال)، ومدخل بلدة رافات بمحافظة رام الله (وسط)، وطريق بلدة كفر عقب شمالي القدس المحتلة، فيما تم إجلاء 5 مواطنين علقوا داخل مركبة حوصرت بفعل تجمع المياه في بلدة كفر عقب.