غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

نموذج للمرأة الحديدية

آلاء الصوص كُسرت ذراعها ولم تهتز عزيمتها.. وعادت تقهر العدو بـ"المقلوبة الفلسطينية"

المرابطة المقدسية آلاء الصوص.jpg
شمس نيوز - مطر الزق

وابلٌ من قنابل الغاز تحجب الرؤية، فتاة تركض يمينًا ويسارًا وسط إطلاق الرصاص المطاطي، رائحة البارود تخترق أنفها، أما عيناها فقد أصيبتا باحمرارٍ ووجعٍ شديدين، تمسكت الفتاة بإرادتها الفولاذية؛ لتستعيد نشاطها قرب منطقة تُسمى "سبيل الزيتونة"، وأشهرت وميض سلاحها المكفول قانونيًا، وإنسانيًا، وأخلاقيًا لتوثيق تلك الجريمة؛ لكن جنديًا مدججًا بكل الأسلحة المحرمة دوليًا يهرول صوبها كالثور المجنون.

التقطت عدسة الناشطة المقدسية آلاء الصوص، صورة الجندي "المجرم" الذي يغطي رأسه بقبعة محمية بقطعة من البلاستيك المقوى؛ لتحميه من حجارة المقدسيين، وسلاح رشاش يضعه على ظهره، أما بيده اليمنى فيُمسك بعصاه الغليظة يضرب كل من وجده أمامه كالمجنون، وما أن رأى الفتاة المقدسية آلاء توثق جرائمه ضد المسجد الأقصى المبارك والمقدسيين حتى اشتد جنونه، وهجم عليها، فأنزل عصاه الغليظة بقوة قاصدًا كسر قدمها؛ إلا أنها تصدت لتلك الضربة الحاقدة بذراعها.

صوت طقطقة العظام سُمعت من بعيد، وصرخات الألم النابعة من قلب آلاء مزقت قلوب الملايين من الفلسطينيين والمسلمين الغيورين على حرمات مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن تتعرض للضربة الموجعة قالت آلاء التي تفاجأت بهرولة الجندي صوبها: "طيب لاء لاء" لكن تلك الاستغاثة لم تجد صدى من جنديٍ حاقدٍ لا يهمه سوى تخريب وتدنيس المسجد الأقصى.

آلاء الصوص (في العشرينات من العمر) هي ناشطة مقدسية من منطقة بيت حنينا شمال القدس المحتلة، تهتم بتوثيق جميع الأحداث، والمناسبات الدينية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية في القدس، جهزت نفسها جيدًا قبل يومٍ واحدٍ من الجمعة الثانية من رمضان، فقد شحنت بطاريات الكاميرا، ووضعت كل ما تحتاجه؛ لتوثيق جرائم الاحتلال في حقيبتها.

تدرك آلاء جيدًا أن تهديدات المستوطنين باقتحام الأقصى وذبح القرابين فيما يُسمى لدى اليهود "عيد الفصح"، ستكون فتيلا لتصعيد خطير بين قوات الاحتلال والمرابطين والمعتكفين داخل المسجد الأقصى، الذين استجابوا لمناشدات ودعوات المرجعيات الإسلامية في القدس لضرورة شد الرحال إلى الأقصى دفاعًا عن حرمة مسرى النبي صلى الله عليه وسلم؛ خشية من تنفيذ المستوطنين لتهديداتهم الخبيثة.

وفي أجواء محفوفة بالروحانيات والإيمانيات داخل باحات الأقصى أدت آلاء صلاتي العشاء والتراويح، وباتت ليلاتها كغيرها الآلاف من المقدسيين وأهالي الداخل المحتل في ساحات الأقصى؛ استعدادًا للدفاع عنه بأرواحهم؛ لمنع المستوطنين من تنفيذ مخططاتهم بتقسيم المسجد زمانيًا ومكانيًا، مؤكدة أن "الأقصى لا يقبل القسمة ولا الشراكة هو فقط للمسلمين".

أجمل الأشياء التي رصدتها آلاء في مكالمة هاتفية لـ"شمس نيوز" لقاء المقدسيين وأهالي الداخل المحتل، حيث التماسك، والتعاضد، والروح العالية، والتعاون في التجهيز والاستعداد للمعركة المتوقعة صباحًا بين المرابطين وقوات الاحتلال.

تنقلت آلاء بين المصلين توثق مشاهد العز والفخر بالمرابطين داخل المسجد الأقصى، من جهة ترفع معنوياتهم وتشحذ الهمم والطاقات ومن جهة توثق للعالم أجمع جرائم المحتل ضد المسلمين في القدس.

عقارب الساعة كانت تشير إلى الخامسة فجرًا قبل أن تقتحم قوات خاصة من جيش الاحتلال المسجد الأقصى من باب السلسلة، وباب المغاربة، وباب المجلس؛ لتعتلي المباني داخل الأقصى؛ استعدادًا لقنص المرابطين وكل من يتصدى لقوات الاحتلال.

وقفت آلاء كغيرها من المقدسيين متفاجئين لاقتحام القوات الخاصة المسجد الأقصى في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة الثانية من رمضان، مباشرة احتمت آلاء إلى جانب المقدسيات، أما الشبان المرابطين أسرعوا صوب المسجد القبلي لحمايته، وأغلقوا الأبواب والنوافذ، قوات الاحتلال أطلقت الغاز والرصاص لإرهاب المقدسيين وإفراغ ساحات الأقصى كاملة من جميع المصلين بالقوة.

تمكنت قوات الاحتلال من إفراغ الأقصى باستخدام القوة، ولم يبقَ سوى المرابطين داخل المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة، وتجمعات أخرى في ساحات الأقصى للمقدسيات اللواتي يحملن رائحة الغاز المسيل للدموع لتوثيق جريمة الاحتلال.

هناك قرب ساحة "سبيل الزيتونة" المؤدية إلى المسجد القبلي كانت الناشطة آلاء الصوص تمارس مهنة الصحافة المكفولة وفقًا لجميع القوانين الدولية والإنسانية؛ لكن جنديًا مجنونًا كان يجري صوبها كالثور الهائج، رافعًا عصاه الغليظة القاسية، ودون أدنى أخلاق أو رجفة عين ضرب العصى صوب قدم آلاء –الفتاة الرقيقة- التي سارعت بالتصدي لتلك الضربة بذراعها، ثم صرخت صرخة مدوية شقت بها قلوب كل من استمع اليها.

بخطوات مثقلة عادت أقدام آلاء إلى الخلف، صوتها لا زال مرتفعًا من شدة الألم، أمسكت بها مرابطة أخرى، وقادتها إلى عيادات الأقصى التي تبعد أمتارًا قليلة عن المواجهات القوية؛ لكن آلاء لم ترهبها تلك الضربة القاسية رغم انتفاخ ذراعها، إلا أنها ركضت مسرعة صوب مصلى قبة الصخرة لتحتجز هناك حتى الساعة الثانية عشرة ظهرًا.

اشتد الألم، وانتفخ ذراعها، وتحول لون يدها إلى اللون الأزرق، وبدأ أنين صوتها يرتفع رويدًا رويدًا، بسرعة فائقة أحدهم طلب الإسعاف، كأن لسانه يردد ويقول: "استعدي يا آلاء، ستخرجين الآن للمستشفى، وسنكمل مشوار الدفاع عن الأقصى، لا تيأسي كلنا معكِ".

نُقلت آلاء بسيارة الإسعاف إلى مستشفى المقاصد، وهناك اتضحت الصورة أكثر، كانت ذراعها قد تورمت من شدة الألم التي تعرضت له بسبب الضربة التي تلقتها بعصىا الجندي الهائج، ووصف الطبيب بعد رؤيته لصورة الأشعة إصابتها بوجود "شعر في ذراعها الأيسر".

أمام المشهد المؤلم الذي عاشته آلاء؛ إلا أنها أكدت لـ"شمس نيوز" أنها ستواصل الرباط في المسجد الأقصى، وستقدم روحها الطاهرة فداءً وتضحية للدين والمقدسات والوطن قائلة بصلابة وقوة فولاذية يصعب اختراقها: "نحن أصحاب الأرض، وحقنا لن نتخلى عنه، والأقصى لا يقبل القسمة أو الشراكة مطلقًا".

وفي ظل محاولة الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مخططه العدواني بتقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا أكدت المصورة والناشطة المقدسية أن ذلك لن يتحقق مطلقًا .. "طالما فينا روح ونفس سنواصل التواجد في الأقصى والتصدي لكل شيء يُضر بمسرى النبي صلى الله عليه وسلم".

وتتعمد الناشطة آلاء للتواجد في جميع المناسبات الدينية، والثقافية، والاجتماعية، والترفيهية؛ لتوثيق تلك اللحظات الجميلة التي تغيظ قادة الاحتلال الإسرائيلي قائلة: "سأحاول قدر المستطاع أن أوثق جميع اللحظات الجميلة التي يحاول الاحتلال أن يحرمنا منها، سأوثق ضحكات الأطفال والنساء، وحالة الفرح والسرور بين المقدسيين، ولن نستسلم مطلقًا لممارسات ومنغصات الاحتلال الإسرائيلي".

دائمًا ما تتعرض آلاء وزملاؤها المصورون والنشطاء للاعتداء من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لهدف واحد؛ وهو محاولة العدو منع توثيق جرائمه وانتهاكاته في المسجد الأقصى؛ لأنه يخشى الرأي العام الفلسطيني، والعربي، والدولي، فهو يحاول -وفقًا للناشطة آلاء- أن يُظهر صورته للعالم أجمع كأنه "يحب السلام" وهو عكس ذلك تمامًا، مؤكدة أن شعبنا الفلسطيني صاحب نفس طويل في مواجهة جرائم الاحتلال، وسينتصر رغم عن أنفه.

وبعد أيام قليلة من كسر جنود الاحتلال الإسرائيلي لذراعها، عادت آلاء الصوص إلى المسجد الأقصى بابتسامة عريضة تحمل معها صورة التحدي والصمود والرباط بالأقصى مهما كلف ذلك من ثمن، وقبل آذان المغرب بدقائق قدمت آلاء للمصلين المقلوبة الفلسطينية في مشهد يقهر العدو الإسرائيلي، ويؤكد على إصرار آلاء والمقدسيين في الدفاع عن باحات الأقصى حتى النفس الأخير.